كيف ردت إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية

المخاوف الإسرائيلية في هذا الصدد تدور حول الخشية من أن يؤدي التسليم بحق العودة إلى تدفق الفلسطينيين على إسرائيل على نحو يخل بالطابع السكاني للدولة ويؤدي إلى نهاية الدولة اليهودية.
السبت 2024/05/25
في انتظار حل لن يأتي

التطورات الأخيرة تسلط الضوء على استبعاد الراوية الإسرائيلية وأحقية الفلسطينيين في الوجود، وعليه حملت أوساط إسرائيلية حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية عن اعتراف النرويج وأيرلندا وإسبانيا بدولة فلسطين، واعتبرت ذلك انتصارا للرواية الفلسطينية و“صدمة سياسية” لم تشهدها تل أبيب من قبل. وفي خطوة تعكس عجز حكومة نتنياهو عن مواجهة ما وُصف بـ“تسونامي” الاعتراف بدولة فلسطين سارع وزير الخارجية يسرائيل كاتس إلى استدعاء سفراء تل أبيب في مدريد ودبلن وأوسلو للمشاورات مع الإبقاء عليهم في إسرائيل.

أكثر من 147 دولة حتى الآن اعترفت بالدولة الفلسطينية على حدود 67 والقدس، وجاء الاعتراف الأخير من النرويج وأيرلندا وإسبانيا ليقلب الموازين الإسرائيلية مما جعلها تتخبط يسارا ويمينا وهذا دليل على أن إسرائيل لا تريد إقامة دولة فلسطينية، وتحاول إجهاض هذا المشروع باستمرار. كانت حجة نتنياهو ضد قرار النرويج الأخير بالاعتراف بالدولة الفلسطينية أن ما يقارب 80 في المئة من سكان الضفة الغربية مع ما جرى في 7 أكتوبر، سيجعلان من الدولة الفلسطينية المستقبلية، إن تشكلت، بؤرة إرهاب لإسرائيل، حيث قال "لقد عانينا من 7 أكتوبر وما زلنا نعاني من خطر الإرهاب".

في غمرة الصراع وفي ظل حكومة يمينية متطرفة لا أمل بأي حل، على العكس تماما تزداد الأمور تعقيدا، ويلتف الحبل الإسرائيلي على رقاب الفلسطينيين أكثر فأكثر

ومن المثير للاهتمام أن ردة فعل إسرائيل بعد الاعتراف كانت متهورة، وبناءً على ذلك ألغى رئيس هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلي في المنطقة الوسطى قانون إلغاء فك الارتباط شمال الضفة الغربية، فضلا عن ضم أجزاء من الخليل إلى النقب، والعودة إلى المستوطنات المخلاة في الضفة الغربية. إذا لا تسير الأمور كما يجب في ظل تعنت الاحتلال على رفض كل الحلول المطروحة لتسوية القضية الفلسطينية.

ليس جديدا اختلاف التوجهات بشأن سياسة الولايات المتحدة حول إسرائيل ودعمها لها ومن دون أدنى مبالغة، فالدولة أحادية القطب في العالم، هي الراعي الرسمي لإسرائيل، مصرة على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يجب أن تتم عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين وليس في الأمم المتحدة، شرطها إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع توفير ضمانات أمنية لإسرائيل، وهو ما يجب تحقيقه عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين والتعويل على دول أوروبية كبرى تشكل بيضة الميزان مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، والشاهد أن هذه الدول لا تزال تسير ضمن الخط الأميركي الذي لا يزال متمسكا بموافقة إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

في غمرة الصراع وفي ظل حكومة يمينية متطرفة لا أمل بأي حل، على العكس تماما تزداد الأمور تعقيدا، ويلتف الحبل الإسرائيلي على رقاب الفلسطينيين أكثر فأكثر. كان الاعتراف الأخير نافذة كبيرة يطل منها سموتريتش ممعنا في إصدار قرارات حلم يوما بتنفيذها تجهض أي حل مستقبلي، منها منع كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية من التحرك عبر الحواجز، وحجز أموال المقاصة الفلسطينية ومصادرتها لصالح الاحتلال.. حقا هذا هو الاصطياد في الماء العكر.

ولعلي لا أجنح بعيدا عن الحقيقة، إذا قلت إن الخطاب السياسي لليمين الإسرائيلي، كما يتبين من مناقشات الكنيست للاتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كثيرا ما يعرض حق الفلسطينيين في العودة (حل مسألة اللاجئين) باعتباره الحجة الإسرائيلية القوية ضد قيام دولة فلسطينية. والمخاوف الإسرائيلية في هذا الصدد تدور حول الخشية من أن يؤدي التسليم بحق العودة إلى تدفق الفلسطينيين على إسرائيل على نحو يخل بالطابع السكاني للدولة، ويؤدي عملياً إلى نهاية الدولة اليهودية.

لا يمكن المس بإسرائيل ومحاسبتها إذا ما انتهكت القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهذا الوضع كرس ما عرف بازدواجية المعايير في السياسة الدولية

الإعلان عن دولة فلسطينية على حدود 67 هو التزام بقرارات الشرعية الدولية التي نصت على انسحاب إسرائيلي غير مشروط من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وحل مشكلة اللاجئين بناء على قرارات الأمم المتحدة 242 و338. ولكن للأسف الوضع القائم اليوم لا يبشر بخير، سلوك إسرائيل المتمرد على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وصل إلى حدود التمرد على تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين وجمدها تحت حجج واهية.. والخلاصة لا يمكن المس بإسرائيل ومحاسبتها إذا ما انتهكت القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهذا الوضع كرس ما عرف بازدواجية المعايير في السياسة الدولية.

لقد كررنا كثيرا القول إن إسرائيل انفردت عبر نصف قرن بهذه الميزة، وسارت وحدها عكس الاتجاه الدولي العام الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وما تلاه.

وأخيرا، يقول أستاذ القانون الدولي كمال حمّاد عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية إن هذه الخطوة “أخلاقية” أكثر من كونها قانونية إلزامية، إذ إن من شأنها أن تؤكد على مشروعية قيام الدولة الفلسطينية “على الصعيد الأخلاقي”، وهي اعتراف بأن العناصر التي تقوم عليها الدول متوفرة في دولة فلسطين، كما أنها تساعد على تكوين رأي عام بأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى تسوية وفقا للقانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية بإقامة دولتين.

9