كيف تمكنت تونس من التقليص من انعكاسات أزمة الهجرة غير النظامية

تقلّصت في الفترة الأخيرة أدفاق المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس بهدف العبور نحو السواحل الإيطالية، وسط تأكيد المراقبين على أن السلطات التونسية تعاملت مع الأزمة في إطار قانوني ونجحت في احتوائها إلى حدّ ما.
تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن بلاده نجحت في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، وذلك بالنظر إلى تدفق أفارقة جنوب الصحراء بأعداد كبيرة في الأشهر الماضية، خصوصا في ضواحي ولاية صفاقس (شرق).
ويقول مراقبون إن منسوب الحديث عن ظاهرة الهجرة غير النظامية في تونس تراجع في الأسابيع الأخيرة، وهو ما يعني أن السلطات التونسية تعاملت مع الأزمة بطريقة مقبولة وبأخف الأضرار.
ويقرّون بأن السلطات التونسية تعاملت مع الملف في إطار قانوني وإنساني يحترم حقوق المهاجرين مع حسن معاملتهم.
وكثفت إيطاليا والاتحاد الأوروبي تنسيقهما مع تونس لكبح التدفقات من سواحلها، مقابل حوافز مالية واقتصادية، لكن أعدادا كبيرة من المهاجرين انتشرت وسط الحقول والغابات وفي عدة أحياء سكنية بمعتمدية العامرة التابعة لولاية صفاقس (شرق)، ما تسبب في توترات مع السكان المحليين.
وتحدّث الرئيس التونسي خلال زيارته، الاثنين، إلى المتحف العسكري الوطني بمنوبة، عن موضوع الهجرة غير النظامية.
وقال قيس سعيد إن “تونس تحترم القيم والقواعد، مبينا أن الذين يدخلون إلى تونس بطريقة غير شرعية يتم إنقاذهم ويُعاملون معاملة إنسانية أفضل عشرات المرات من معاملة دول أخرى”.
وتطرق سعيد وفق مقطع نشرته الرئاسة إلى مسألة الاتجار بالأشخاص ومحاولات الإساءة إلى تونس، مضيفا بالقول “يريدون تلقيننا دروسا من عواصمهم”.
وشدّد على أن “تونس نجحت بالمقاييس الأخلاقية في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين”.
وكشفت أرقام رسمية إيطالية تراجعا غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من شرق ليبيا بمغادرة 203 فقط في الفترة ما بين 1 يناير و29 مايو الماضي.
وحسب وزارة الداخلية الإيطالية تم تسجيل 25 ألفا و344 وافدا من الطريق التونسي و21 ألفا و561 من الطريق الليبي في الفترة بين 1 يناير و28 مايو 2023، لكن وصل منذ بداية العام 8761 مهاجرا من تونس و10700 شخص من ليبيا.
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قد قال في وقت سابق، إنّ تدفقات الهجرة غير النظامية من السواحل التونسية في اتجاه أوروبا تراجعت خلال شهر أبريل المنقضي.
وأفاد، في تقريره الاجتماعي لشهر أبريل بأنّ العوامل المناخية غير المستقرة التي عرفتها السواحل التونسية خلال شهر أبريل إضافة إلى الانتشار الأمني المكثف برًا وبحرًا، ساهما في تراجع تدفقات الهجرة غير النظامية إلى الضفة الأوروبية.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني، خليفة الشيباني، أن “ملف الهجرة قائم، لكن الرئيس التونسي أكد أن بلاده لن تكون حارسا لحدود الضفة الجنوبية من المتوسط، ولن تكون أرضا للتوطين”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “هناك مزايدات تعلقت بالملف وتعاملت معها السلطات بموضوعية، ولم نر مواطنا تونسيا يعتدي على مهاجر، ويوجد تعامل إنساني مقبول مع الظاهرة، وهناك تنظيم لعودة المهاجرين الطوعية لبدانهم”.
وتابع خليفة الشيباني “نجحنا إلى حدّ ما في التعامل مع الملف، وتونس تتعامل معه في إطار قانوني”.
وتراهن تونس على العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين نحو بلدان الانطلاق، وذلك بعد تشديد الرقابة على الحدود البحرية مع أوروبا، في مسعى لاحتواء الأزمة.
والشهر الماضي، أعلنت السلطات التونسية عن تسجيل عودة نحو 2500 مهاجر غير نظامي من أفارقة جنوب الصحراء إلى بلدانهم في إطار العودة الطوعية منذ بداية العام الجاري.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة بتونس أعلنت عن تكثيف جهودها بالتعاون مع السلطات المحلية والهلال الأحمر التونسي بولاية صفاقس التي يوجد بها عدد كبير من المهاجرين من مختلف الجنسيات، لتسجيل المهاجرين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية.
وأكد الناشط السياسي نبيل الرابحي أن “المشكلة أخلاقية وإنسانية بالأساس، وكما قال الرئيس سعيد، المهاجرون هم ضحايا عدم توزيع عادل للثروة، وهناك بعض الأطراف السياسية الداخلية وأخرى خارجية أرادت الاستثمار في الأزمة والإساءة إلى سمعة تونس وتحويلها إلى دولة عنصرية”.
وأوضح لـ”العرب”، “تونس لن تكون أرض عبور أو إيواء، والسلطة تعاملت بمبدأ الندية مع إيطاليا كما أن روما لعبت دورا مهما مع الاتحاد الأوروبي وأصبح صوت تونس مسموعا في إطار الشراكة”.
ولفت الرابحي إلى أن “خطاب الرئيس سعيد كان واضحا وهناك تجاوب شعبي تجاه هذا الخطاب، وتونس بطبيعتها بلد مضياف”.
وتم في 16 يوليو 2023، توقيع “مذكرة تفاهم” بين تونس والاتحاد الأوروبي حول “شراكة إستراتيجية وشاملة”، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية. وقد قام بتوقيعها الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وطالت مذكرة التفاهم العديد من الانتقادات على الصعيد الحقوقي في تونس، واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ هذه المذكرة “خطيرة وتكرس دور الحارس والسجان”، وفق توصيفه، كما انتقد المنتدى مرارًا ما أسماها توجهات “إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين” وهو ما رفضه العديد من النشطاء الحقوقيين أيضًا.