كيف تعالج تونس العنف في الملاعب الرياضية

دعوات لسن قانون جديد يشدد العقوبات.
الخميس 2024/06/06
خسائر مادية فادحة

تونس - لا تزال الملاعب التونسية تعاني من ظاهرة العنف المستفحلة في الفترة الأخيرة، وظهرت دلالتها خصوصا في توتر العلاقة بين قوات الأمن والجماهير الرياضية في المدارج، ما جعل الأصوات تتعالى وتطالب بمراجعة المنظومة الرياضية برمتها، فضلا عن وضع إطار تشريعي يؤكد على تطبيق القانون ضدّ المتجاوزين.

ويقول مراقبون، إن تجدد أعمال العنف في الملاعب التونسية يعتبر مؤشرا خطيرا، وقد يؤدي إلى الانزلاق نحو الفوضى، داعين إلى ضرورة تحديد المسؤوليات للأطراف المتداخلة في الملف من رياضيين وجماهير وأمنيين وتحكيم وإعلاميين. ويضيف هؤلاء، أنه وجب التفكير في تغيير القوانين المنظمة للملاعب في تونس، بمقاربات تربوية وتأهيلية تنظّم علاقة الأمن بالجمهور وعلاقة الأنصار بنواديهم.

وشهدت مدارج الملعب الأولمبي، حمادي العقربي برادس، في إطار مباراة دربي العاصمة التي جمعت مساء الأحد، بين النادي الأفريقي والترجي الرياضي، أحداث عنف بين الجماهير. ودفعت تلك الأحداث قوات الأمن للتدخل بالغاز المسيل للدموع.

وأكد بيان لوزارة الشباب والرياضة أن “الخسائر المادية واللوجستية التي طالت مختلف فضاءات الملعب الأولمبي برادس ومكوناته قدرت بحوالي 100 ألف دينار (32.16 ألف دولار). وقد شملت تهشيم ما يقارب 409 كرسي قدرت تكلفتها بـ73 ألف دينار (23.48 ألف دولار)، وكاميرات المراقبة والمنصة الشرفية، إضافة إلى الأجهزة الصحية والمخازن، فيما تم رمي القوارير والشماريخ”.

و”تم تسجيل إصابات في صفوف الأمنيين والجماهير”، حسب نفس البيان الذي صدر إثر جلسة عمل أشرف عليها وزير الشباب والرياضة كمال دقيش الاثنين بمقر الوزارة بحضور ممثلين عن وزارة الداخلية ونائب رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم واصف جليل ونائب رئيس الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة منير بن حسن والمدير العام للحي الوطني الرياضي وليد الرياحي.

خليفة الشيباني: من الخطأ حصر ظاهرة العنف في الأمن والجمهور
خليفة الشيباني: من الخطأ حصر ظاهرة العنف في الأمن والجمهور

وأوضح نصّ البيان أنه “تم خلال اللقاء مناقشة جملة من المقترحات والإجراءات ذات الأولوية للحد من ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية من بينها برمجة جلسة عمل مع وزارة العدل لمراجعة بعض القوانين والدعوة إلى تطبيق الأحكام القضائية بكل صرامة وعدم التسامح مع كل من تثبت إدانته ومشاركته في أحداث العنف والشغب داخل الفضاءات الرياضية”.

وليست هذه المرة الأولى التي تنتهي فيها مباراة رياضية بأعمال عنف في تونس، حيث فرضت السلطات في تونس منذ الموسم الرياضي 2019 – 2020 قيودًا صارمة على دخول الجماهير الرياضية إلى الملاعب، وحددت طاقة استيعاب القصوى بـ50 في المئة فقط مع اقتصار الحضور على جماهير النادي المستضيف دون غيره.

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني، خليفة الشيباني أن “ظاهرة العنف في تونس اليوم هي شاملة في العائلة والفضاء التربوي ووسائل النقل وغيرها، وتتمظهر في الملاعب الرياضية، ونحن لسنا في مجتمع مسالم حتى  تكون الجماهير في الملعب ليست عنيفة”.

وأضاف لـ”العرب”، “علينا أن ننظر نظرة شاملة للرياضة، ذلك أن ممارسات العنف في الملاعب تبدأ منذ بيع التذاكر في السوق السوداء وصولا إلى تردي وسائل النقل والانتظار الطويل في الملاعب، بالإضافة إلى وجود شباب ينقصه التأطير اللازم، والتنظّم في مجموعات لديها شعارات وفلسفة خاصة، كما أن الهيئات التابعة للنوادي ضعيفة وتبحث عن غطاء”.

وتابع الشيباني “في الملعب هناك جماهير ولاعبون وقوات أمن وتحكيم الذي يعتبر الكل غير محايد، وعدة مسؤولين يريدون تغطية عجزهم بالتظلّم من التحكيم، لكن هناك قانون وجب تطبيقه، مع منع ظاهرة إشعال الشماريخ وتحديد المسؤوليات، ومع النصوص القانونية الموجودة حاليا يمكن تحقيق نتائج إيجابية في مقاومة ظاهرة العنف”.

ولفت المحلل السياسي والخبير الأمني إلى “ضرورة مراجعة كل مكونات المنظومة الرياضية التي تشكو من ثغرات، من لاعبين وتحكيم وأمنيين وإعلاميين”، مشيرا إلى أن “كل النوادي بها هيئات تسييرية وقتية وتعاني من مشاكل مالية، ومن الخطأ حصر ظاهرة العنف في الأمن والجمهور”.

وشهدت الملاعب التونسية حوالي 150 حادثة عنف وشغب منذ أواخر سنة 2021 وحتى نهاية عام 2022، نصفها تقريبًا تم تسجيله في مباريات كرة القدم، حسب تقارير رسمية صادرة عن وزارة الرياضة. وقدرت السلطات قيمة الأضرار بأكثر من مليون ونصف المليون دينار، إضافةً إلى  تعرض أكثر من 54 شخصًا ينتمون للأمن وطواقم الحكام والمسؤولين إلى إصابات متفاوتة الخطورة، حسب التقارير ذاتها.

وفقد التنافس الرياضي جوهره الخاص، حيث ضربت ظاهرة العنف مختلف الرياضات النبيلة على غرار القاعات الرياضية المغطّاة، خلافا لما عرف سابقا واقترانه برياضة كرة القدم. وقال أستاذ القانون الرياضي طارق العلايمي "موضوع العنف داخل الملاعب طرح قبل سنة 2011، وفي كل مرّة نبادر بفتح تحقيق لكن نستفيق على وقع كارثة جديدة".

وأكد لـ”العرب” أن “الحل يمرّ عبر صياغة منظومة قانونية جديدة، تحدد آلية دخول الجماهير إلى الملاعب، لأن المنظومة المعتمدة الآن قديمة، فضلا عن إستراتيجية جدية في التصدي لفضّ التجمهرات، لأن الآلية المستخدمة الآن هي نفسها تلك المستخدمة لفض الاحتجاجات في الشوارع، مع اعتماد أمن خاص للملاعب، وتغيير الإطار التنظيمي داخل المنشآت الرياضية، إلى جانب تخصيص بطاقات دخول للجماهير إلى الملاعب".

ولفت العلايمي إلى "ضرورة تفعيل العقوبة الفردية في حال ممارسة العنف (عدم دخول الملعب لمدة معينة)، لأنه من غير المنطقي معاقبة 30 ألف متفرج بسبب فعل ارتكبته مجموعة صغيرة من الجماهير".

طارق العلايمي: الحل يمرّ عبر صياغة منظومة قانونية جديدة
طارق العلايمي: الحل يمرّ عبر صياغة منظومة قانونية جديدة

وأشار أستاذ القانون الرياضي إلى أن "التعامل التنظيمي لا يتعلق فقط بمنع إشعال الشماريخ في الملعب، بل وجبت مراجعة علاقة الأمن بالجمهور وعلاقة الجمهور بناديه المفضّل"، مشدّدا على "ضرورة تفعيل الرقابة القانونية على صفحات التواصل الاجتماعي، مع إيجاد حلول على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل، من بينها إقامة صلح بين الجمهور والأمن، ثم التفكير في حلول أخرى بشكل تدريجي".

وينحدر أغلب المشجّعين من الأحياء الشعبية في تونس، ويعيشون واقعا اجتماعيا واقتصاديا صعبا سواء داخل الأسرة أو في المجتمع. وبلغت الرياضة في تونس مرحلة بات فيها الفساد والتلاعب بالنتائج وغياب الروح الرياضية أمرا منتشرا، ليكون العنف انعكاسا لما يحصل في المجتمع.

وأكد أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولادعبدالله أن "المسألة معقّدة، والثورة الشبابية والاجتماعية حادت عنمسارها، ذلك أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والرياضي مغاير لكل التطلعات".

وأوضح أن “هناك عنفا ذاتيا يمارسه الفرد على ذاته، مثل تعاطي المخدرات وهناك عنف يمارس على الأفراد في الملاعب والشارع والفضاء التربوي وغيرها”، لافتا إلى أن “العنف في الملاعب لديه دلالات لأن الأمن في الملعب يمثل السلطة بكل أجهزتها، وعلينا أن نفهم أيضا من يدخل الشماريخ للملاعب، كما يجب إدراك أن الجماهير مواطنون وكذلك الأمن مواطنون".

وأضاف أستاذ علم الاجتماع أن “الحلول لن تكون أمنية، ووجب بناء أرضية للحوار مع المجموعات داخل الملاعب، مع حلول تربوية وأسرية وتأهيلية، فضلا عن إيجاد مقاربة وطنية متعدد الأبعاد وإصلاح المؤسسات الشبابية، كما أن الإصلاح يبدأ من الأسرة والمدرسة".

وفي نهاية شهر مارس الماضي، نقلت وسائل إعلام محلية في تونس، أخبارًا حول أحداث عنف جدّت إثر مباراة كرة قدم جمعت فريقي الملعب الأفريقي بمنزل بورقيبة والأمل الرياضي بتازركة (شمال)، في إطار منافسات المجموعة الأولى من بطولة رابطة الهواة.

ولاقت أعمال العنف التي خلّفت نقل عدد من لاعبي الملعب الأفريقي بمنزل بورقيبة إلى المستشفى الجهوي بقربة من ولاية نابل (شمال)، استياءً كبيرًا، حيث أسفرت عن تدخّل الوحدات الأمنية لتفريق الجماهير الرياضية باستعمال الغاز المسيل للدموع.

وتم تداول مقاطع فيديو ظهر فيها عدد من لاعبي الملعب الأفريقي بمنزل بورقيبة، مصابين على مستوى الوجه والرقبة واليدين بفعل رشقهم بالحجارة من طرف أحباء نادي أمل تازركة. وواجه بعض اللاعبين صعوبات في التنفس بسبب الغاز المسيل للدموع، وتم نقلهم خارج حجرات الملابس، قبل مرافقتهم إلى المستشفى.

4