كوفيد – 19 لا يرقص ولا يغني

لا أحد يدري كيف سينتصر العالم على كوفيد – 19 رغم أن عدد اللقاحات المعلن عن التوصل إليها من قبل المخابر المتخصصة تجاوز الـ200، إضافة إلى الماركات الأشهر إلى حد الآن “فايزر” و”مودرنا” الأميركيين و”سبوتنيك” الروسي و”سينوفارم” الصيني و”أسترازينيكا – أكسفورد” البريطاني، هذا طبعا دون اعتبار بخور نبات الحرمل الذي أوصى به رئيس تركمانستان، وشراب خلطة الأعشاب وعلى رأسها الشيح، التي بشّر بها رئيس مدغشقر، وقارورة الزيت العطري التي استظهر بها أحد أعضاء البرلمان التونسي في جلسة عامة، زاعما أنها تقدم علاجا من كورونا يمكن أن تحقق بلاده من إيراداته ما يفك ضائقتها المالية ويحل أزمتها الاقتصادية.
مشكلتنا اليوم، أن الفايروس ينتشر بقوة، ويخبط خبط عشواء في كل الاتجاهات، ويرحل بأعزاء كثر، ويزور حتى المناطق أو المساكن المعزولة ليضع بصمته فيها، ويتصرف مع البشر بالكثير من الخبث والتحدي، فيصيب من يشاء ويتجاوز من يشاء إلى حيث يشاء، وكأنه ينتقي ضحاياه، أو يمتلك شيفرة الأجساد ليجعل منها ساحة خصبة ينغرس فيها، وينتشر بسرعة فائقة، حتى أنه، وفي أحيان كثيرة لا يشعر المصاب بهول الكارثة إلا وهو في ساعاته الأخيرة، وقد يسقط ميتا دون حتى أن يعرف أنه كان يعاني من كورونا كونه لم يعان من أعراضه.
ويبدو واضحا أن الفايروس اللعين لا يغني ولا يرقص ولا يقرأ، ولا يعرف المسرح والسينما والتلفزيون، ولا يستمع إلى الموسيقى، ولا يطرب لقصائد الشعر، لذلك اختطف منّا الكثير من الفنانين في مختلف المجالات، وكأنه يجد في أجسادهم الهشة ومشاعرهم الرقيقة فضاء فسيحا لتنفيذ خطته، ما جعل بلاد العرب تفقد خلال الأشهر الماضية العشرات من أبرز مبدعيها وقاماتها الفنية والثقافية والفكرية.
فقد خسر لبنان ثالث منارات العتبة الرحبانية إلياس الرحباني، والملحن جان صليبا، ورئيس المعهد العالي للموسيقى بسام سابا، والمطرب كمال محفوظ، وفقد المغرب مطربه الكبير محمود الإدريسي والسينمائي نورالدين الصايل، والفنان الشعبي عبدالرازق بابا، والمغني والممثل مارسيل أبوالطبول، والفنان التشكيلي محمد المليحي، وودعت مصر الفنانة رجاء الجداوي والممثل فائق عزب، وبكى العراق الفنانين مهدي الحسيني ومناف طالب والفنان والمخرج حسين سلمان والكوميديين خلف ضيدان والشاعر محسن الخياط وفنان ذي قار كمال محمد.
كما ودع السودانيون المطرب الشهير ونقيب الفنانين حمد الريح، والممثل والمخرج عبدالحكيم طاهر، وفنان الجاز كمال كيلا، وفقدت ليبيا شاعرها الكبير عبدالقادر البغدادي، وفجعت تونس في مفكرها كمال ونّاس وفنانها الصوفي سليم البكوش والإعلامية البارزة حذام العيساوي، ونعت الجزائر صوتها الغنائي الهادر وشيخ الموشحات الأندلسية حمدي البناني والفنان المسرحي نورالدين زيدوني، وودعت سوريا الممثلين مروان أدلبي وطوني موسى، وفقد اليمن المخرج والممثل حسن علوان، ونعت عمان الممثل علي بن عوض البوسعيدي، وأعلنت السعودية وفاة المونولوجست سعد التمامي، وودع الصومال ملك العود أحمد إسماعيل حسين، المعروف باسم “حديدي”، والمطرب عبدي علي باعلوان.
كل العالم يخسر يوميا العديد من مناراته الثقافية بسبب الفايروس اللعين، ولكن خسارتنا نحن العرب تبدو أفدح، لأننا في مرحلة انتقالية من تاريخنا الثقافي والحضاري، لا ضامن فيها بأننا قد نجد عوضا عمّن يفارقنا، وكل مبدع يرحل عنا هو بمثابة حجر يسقط من أعمدة الجدار الأخير.