كوبا تكتشف القطاع الخاص: كورونا يهزم الشيوعية ويتفوق على الدعاية الأميركية

هافانا - يكشف تحول كوبا الشيوعية إلى الاستثمار في القطاع الخاص لتعويض خسائر القطاعات الحيوية بسبب تداعيات فايروس كورونا، عن نجاح جائحة كوفيد – 19 في ما أخفقت فيه الدعاية الأميركية، حيث غيرت قواعد الاقتصاد الكوبي المرتهن طيلة عقود للقواعد الشيوعية في سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج منذ الثورة الاشتراكية بقيادة فيدل كاسترو.
وأعلنت كوبا السبت أنها ستسمح من الآن فصاعدا بالنشاط الخاص في معظم القطاعات، وهو إصلاح كبير في هذا البلد الذي تُهيمن فيه الدولة وشركاتها على الاقتصاد المتضرر بشدة من وباء كوفيد – 19.
وبحسب صحيفة غرانما اليوميّة الرسميّة التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، فإن هذا الإجراء الذي كشفت عنه وزيرة العمل مارتا إلينا فيتو في أغسطس الماضي، تمّت الموافقة عليه الجمعة في مجلس الوزراء.
وقال أونييل دياز رجل الأعمال ورئيس شركة الاستشارات “اوج” التي تُقدّم المشورة لنحو خمسين من رواد الأعمال الكوبيّين من القطاع الخاصّ، إنّ “هذه خطوة ضخمة وتاريخيّة”.
وأدّت الثورة الاشتراكيّة التي قادها فيدل كاسترو في 1959 إلى موجة من قرارات التأميم وسيطرة الدولة على الاقتصاد الكوبي بكامله، ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الدعاية الأميركية عن محاولة استمالة كوبا إلى الحلف الرأسمالي، غير أن محاولاتها فشلت.
وبدأ الانفتاح على القطاع الخاصّ بشكل خجول في تسعينات القرن الماضي قبل أن يتمّ الترخيص له بالكامل في 2010، وإن كان ازدهاره الحقيقي بدأ مع فترة التحسن التاريخي في العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة أواخر 2014 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكنه بقي مقتصرا على لائحة من أنشطة حددتها الدولة.
وقالت وزيرة العمل الكوبية إن “اللائحة السابقة التي تضمّ 127 نشاطا (مرخّصا) ألغيت”. وفي المقابل، ستُحدد لائحة جديدة القطاعات المخصصة للدولة التي ستكون قليلة.
وأوضحت أنه “من بين أكثر من ألفي نشاط يُسمح فيها بممارسة العمل الخاص، لن يكون هناك سوى 124 نشاطا مقيّدا بشكل جزئي أو كامل”، من دون أن تضيف أي تفاصيل.
ويتوقع أن تبقى قطاعات استراتيجيّة مثل الإعلام والصحة والدفاع مغلقة أمام القطاع الخاص. وأكّدت الوزيرة الكوبية أن “العمل الخاص مستمر في التطور، وهذا هو الهدف من هذا الإصلاح التحسيني” للقطاع.
وكتب وزير الاقتصاد أليخاندرو جيل في تغريدة على تويتر أن “الإصلاح خطوة مهمة لزيادة فرص العمل”، إذ أنه يسير “في الاتجاه نفسه مع توحيد العملة” الذي دخل حيز التنفيذ في أوائل يناير.
ويهدف هذان الإصلاحان إلى إنعاش الاقتصاد الذي انخفض بنسبة 11 في المئة في 2020 تحت تأثير جائحة فايروس كورونا التي حرمت كوبا من عائدات السياحة.
وقال الخبير الاقتصادي في جامعة هافانا ريكاردو توريس في تصريحات صحافية إن تحرير القطاع الخاص يعد “خطوة إيجابية جدا وإن جاءت متأخرة”، لأنّه “حتّى الآن كان العمل الخاصّ محدودا جدا” في الجزيرة.
وأضاف “كان من الضروري أن يترافق توحيد العملة مع إجراءات لجعل خلق فرص العمل أكثر مرونة”، وفي القطاع الخاص بالتحديد “يمكن أن يكون هناك مصدر مهم للوظائف”.
ويعمل أكثر من 600 ألف كوبي في القطاع الخاص، أي 14.5 في المئة من السكان العاملين في هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 11.2 مليون نسمة. وهم يعملون بشكل أساسي في فن الطهي والنقل (سيارات الأجرة) وتأجير الغرف للسياح.
وقالت وزيرة العمل إنّ القطاع الخاص “تأثر إلى حد كبير بتشديد الحظر الأميركي” في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب و”بآثار الوباء أيضا”، ما دفع كثيرين إلى تعليق تراخيصهم. وتفيد أرقام رسمية أن أربعين في المئة من مجمل التراخيص علقت.
وأشاد رجل الأعمال دياز بمثابرة متعهدي القطاع الخاص الذين كانوا لسنوات “قادرين على القيام بأنشطة رغم كل الصعاب”، وعلى الرغم من “نقص المواد الأولية والقصور في الأنظمة والعقوبات الاقتصادية”.
وقال إن “السيناريو الجديد مع التضاعف المتسارع للإمكانات، يفتح طريقا لا عودة فيه إلى الوراء، حتى نتمكن من لعب دور متزايد الأهمية في الاقتصاد الوطني”.
ولتسهيل الأمور، أعلنت الحكومة أيضا عن إنشاء مكتب لتقديم طلب للحصول على ترخيص في القطاع الخاص. وأكد رئيس الوزراء مانويل ماريرو “من المهم أن تسير الأمور على ما يرام”.
ولكنّ هناك مطلبا واحدا معلّقا يتمثل في إمكانية إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم. ويتساءل الخبير الاقتصادي بيدرو مونريال على موقع تويتر عما إذا كان هذا الإصلاح “سيكون الخطوة الأولى” قبل الموافقة على إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو أمر تدرسه الحكومة منذ 2016.
وقال إن “الإصلاح يجب أن يعطي الأولوية للشركات الصغيرة والمتوسطة الخاصة لأنها توفر إمكانات إنتاجية أفضل للعمال”.