كلوب هاوس حكمة العودة إلى الصوت

احتفل تطبيق كلوب هاوس الجديد، الذي يتواصل المستخدمون من خلاله بالصوت كلٌ حسب اهتماماته الفكرية أو تخصّصه، بالذكرى السنوية الأولى لتأسيسه في الـ17 من مارس الماضي بعد أن تم إطلاقه رسميا في ربيع السنة الماضية ليبلغ عدد مستخدميه خلال مدة قصيرة ما يفوق الـ10 ملايين شخص بقيمة سوقية تجاوزت المليار دولار أميركي.
عالم التكنولوجيا والاقتصاد يتحدث عن 180 شركة وعن أصحاب رؤوس أموال استثمروا في التطبيق بشكل مغامر، حتى قبل أن يحتل المرتبة الخامسة بين فئة الشبكات الاجتماعية على متجر التطبيقات أب ستور، خلف فيسبوك وماسينجر وواتس أب وديسكورد.
عقلان مختلفان
مع الانتشار المخيف لجائحة كورونا، في بداية العام الماضي، ظهرت حزمة من التطبيقات التي تساهم في التواصل بين المجموعات البشرية بما في ذلك تلك المخصصة لإجراء مكالمات فيديو عبر الإنترنت، والتي استخدمتها الكثير من المنصات التعليمية لطلابها مع إمكانية تسجيل الجلسات وبثها في أوقات لاحقة. واتجاه
الكثير من المنظمات والشركات إلى العمل من المنزل لعدم الاختلاط في المكاتب والقاعات خوفا من التقاط الفايروس الذي بات شبحاً يطارد كلّ من يلتقي مع شخص آخر خارج
منزله.
مصمما كلوب هاوس بول ديفيسون وروهان سيث يتصدران قائمة عدد المتابعين. فلدى سيث 5.2 مليون متابع، يليه شريكه ديفيسون بـ4.7 مليون، على الرغم من أن الشابين خجولان إلى درجة كبيرة كما تقول عنهما الصحافة. وقد أنشأ الاثنان شركة ”ألفا إكسبلوريشن“ التي تعتبر الأم بالنسبة إلى تطبيق كلوب هاوس السنة الماضية فقط.
عالم التكنولوجيا يتحدث عن 180 شركة وعن أصحاب رؤوس أموال استثمروا في كلوب هاوس الذي يحتل المرتبة الخامسة بين فئة الشبكات الاجتماعية على متجر التطبيقات أب ستور، خلف فيسبوك وماسنجر وواتس أب وديسكورد
ديفيسون، الذي ولد في سان دييغو، أتم دراسته في كلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد حاصلاً على الماجستير في العام 2007 وكان قد انضم إلى شركة ”ميتا ويب“ الناشئة التي سعت إلى بناء قاعدة بيانات للمعلومات التي يحتاجها مستخدمو الإنترنت حول العالم.
كان ديفيسون مندفعاً بقوة منذ البداية حسبما يروي زملاؤه والفريق الذي عمل تحت إشرافه. غير أن تلك الشركة بدت بالنسبة إليه مساحة صغيرة للعمل. فقرّر تأسيس شركته الخاصة، وكانت فكرته الأساسية استخدام الهاتف الذكي لربط الناس وجعلهم أكثر قرباً من بعضهم البعض.
المسار الذي عبره شريكه هندي الأصل سيث يبدو مشابهاً، فهو أيضاً قادم من عالم ستانفورد ودرس فيها الهندسة وإدارة الأعمال وعمل بشكل فاعل على إنشاء النظام الأساسي لـغوغل. وتحت إشرافه تم إطلاق ”غوغل للأندرويد“، إلا أن سيث كانت لديه اهتمامات مختلفة نوعاً ما، فهو يعمل على مشروع آخر يجده مهماً بالنسبة إليه شخصياً؛ ألا وهو برنامج تسريع العلاجات الجينية للأطفال المولودين بطفرات جينية شديدة. فقد ولدت ابنته ليديا في أوائل العام 2019 وهي تحمل جيناً متحوراً يؤثر على وظائف المخ، وبدأت تعاني من نوبات منذ الولادة. وقد صنفها الأطباء على أنها “معوّقة بشدة”.
أسس سيث مجموعة غير ربحية منحها اسم ابنته ليديا لإنتاج علاجات جينية مخصّصة لابنته ولمن يعانون من حالات شبيهة بحالتها في
محاولة لإلقاء الضوء على مدى شيوع الطفرات الجينية. وقد اكتشف بالفعل تقنية تمكن من مكافحة الطفرة في مراحل الطفولة مما يمنح الأطفال فرصة للشفاء من المرض.
كلوب هاوس يواجه كورونا
جاء ربيع 2020 مزهراً لمن عانوا من حالة الحظر والإغلاق بسبب كورونا. فقد جلب معه كلوب هاوس بعد بلورة فكرته على يدي مؤسسيه ديفيسون وسيث وإطلاقه لحاملي الهواتف المحمولة آيفون من خلال تنزيله عبر متجر التطبيقات أب ستور ولهذا تم توصيف التطبيق بـ”النخبوي”. إذ يتمتع بأكثر من 609 آلاف تقييم في متجر تطبيقات “آي أو إس” بمعدل تقييم 4.77 نجمة. ولا يتطلب الوصول إليه سوى دعوة من أحد المستخدمين السابقين لرقم الهاتف المحمول ثم ربطه بحساب تويتر أو إنستغرام الذي ينقل صورة البروفايل تلقائيا إلى حساب كلوب هاوس.
حتى نهاية 2020 تم تنزيل التطبيق من قبل ستمائة ألف مستخدم. وفي نهاية شهر يناير من هذا العام وصل عدد المستخدمين إلى 2 مليون مشترك. إلاّ أن العدد ارتفع بشكل غير مسبوق مع اقتراب نهاية الربع الأول من عام 2021 ليصل إلى 10 ملايين مشترك بسبب الإقبال المتزايد عليه نتيجة استخدامه من قبل العديد من المشاهير في عالم السياسة والاقتصاد والبحث العلمي والإعلام.
ففي أحد الغرف، وعلى الصعيد العربي، حضر الحوار حول المبادرة السعودية الأخيرة من أجل الوضع الإنساني في اليمن وغرّد الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد على حسابه في تويتر معلناً تواجده على كلوب هاوس. ولم يقتصر الأمر على المشاهير العرب فحسب بل كان وجود الأميركيين عاملاً مهمًا في شهرة التطبيق من خلال مشاركة مقدمة البرامج الحوارية أوبرا وينفري ومؤسس فيسبوك مارك زوركربيرغ والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا موتورز للسيارات الكهربائية إيلون ماسك، علاوة على وجود كبير موظفي البيت الأبيض رون كلين والممثلة باريس هيلتون والمغني أوبري دريك وآخرين مثل بيل غيتس الذي أعلن عبر كلوب هاوس أنه يفضّل آيفون على نظام أندرويد.
هؤلاء جميعاً يفتحون اليوم ساحات للنقاش لم تكن متوافرة قبل كلوب هاوس. ففي إحدى غرف النقاش التي أطلق عليها مشرفها اسم “غوود تايم شو” دار حوار بين ماسك والرئيس التنفيذي لتطبيق “روبن هود” فلاد تينيف حول وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرها على سوق الأسهم الأميركية.
كلوب هاوس يحتفل بالذكرى السنوية الأولى لتأسيسه في الـ17 من مارس الماضي، وقد تم إطلاقه رسميا في أبريل السنة الماضية، لتبلغ قيمته السوقية ما يفوق المليار دولار أميركي خلال زمن قياسي
وفي أحدث إحصائية عن الدول الأكثر تنزيلا للتطبيق تصدرت إيطاليا الأسبوع الأول من شهر فبراير الماضي، بينما تصدرت ألمانيا عرش الدول الأكثر استخداما للتطبيق، تلتها اليابان والمملكة المتحدة ثم تركيا. ومع ذلك لا يبدو أن كلوب هاوس سيكون متاحًا في الصين في الأشهر القليلة المقبلة رغم نمو الطلب عليه حيث وصل سعر رمز الدعوة لتنزيل التطبيق الـ188 يواناً. وقد حظرت بعض الدول استخدام كلوب هاوس تحسّباً لما قد ينتجه الحوار المفتوح بالطريقة التي يتيحها التطبيق، بينما رحبت به قائمة من 154 دولة يتوفر فيها التطبيق.
كل ما في الأمر أنه شبكة اجتماعية للدردشة الصوتية أو كما يتساءل جوردان مينور من مجلة بي سي الأميركية “ماذا لو كان تويتر عبارة عن بودكاست تعيش فيه؟”. ففي الآونة الأخيرة تصدرت العديد من القضايا غرف كلوب هاوس كما حدث إثر طلب المسؤولين الأتراك من قنوات المعارضة المصرية في تركيا عدم التعرّض لحكومة بلادهم والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في برامجهم التلفزيونية، ما استدعى تواجد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي على كلوب هاوس لتوضيح الأمر. كما برزت نقاشات حادة من قبل الناشطات النسويات حول العالم مع من يخالفهن الرأي، ووصلت إلى حد طرد كل من يتطاول على مساحتهن الجديدة التي يعبّرن فيها عن آرائهن في كلوب هاوس.
في الواقع أصبح التطبيق مساحة لمناقشة أيّ خبر أو حدث يقع في أيّ مكان من العالم أو حتى فكرة، بما في ذلك الأمور الدينية والتوجهات السياسية والأيديولوجيات الفكرية ضمن جو حواري مقبول يتخلله أحيانا بعض الانفعالات.
ولا بدّ من الإشارة إلى مخاوف بعض الذين أصبحوا على قائمة مشاهير كلوب هاوس من وصول التطبيق إلى أصحاب الهواتف المحمولة والتي تعمل بنظام الأندرويد، بحيث يظل التطبيق ضمن دائرة محددة كي لا يفقد حاملو الهواتف الأميركية آيفون الشعور بالتميز عن غيرهم.
قلق الصورة من الصوت
من جانب آخر يقول ديفيسون وسيث إن كلوب هاوس ما يزال في مرحلة ما قبل الإيرادات ويرجع ذلك إلى النظام الأساسي للشركة. ومع ذلك فهما يخططان لإصدار اختبارات تجريبية لخيارات تحقيق الكسب في وقت مّا من هذا العام. ويوضح الرجلان أنهما سيركزان على نموذج التمويل الجماعي من خلال ترويج المشتركين للنوادي التي ينشئونها بمقابل عائد مالي مثلما هو حال منشورات فيسبوك المدفوعة الأجر وفي المقابل سيدفعان للرواد النشطين الذين يصلون إلى عدد معين من المتابعين مثل اليوتيوبرز.
كما أن تجربة وسائل التواصل الاجتماعي تقول إن الاعتماد على الإعلانات هو الدخل الثابت في عالم الإعلام الرقمي. لذلك يبدو خيارًا لا بديل عنه في الوقت الحاضر حتى يتم ابتكار طرق لتحصيل إيرادات من مصادر أخرى. وعلى الأرجح ستكون خطوة الانتقال نحو الانطلاقة التجارية إلى مرحلة ما بعد فتح التطبيق لمستخدمي هواتف الأندرويد.
يبدو أن عام 2021 سيكون عام التطبيقات الصوتية. واستنادًا إلى سرعة نمو التطبيق وعدد مستخدميه من الواضح أنه أصبح محل اهتمام كبير لعمالقة الاستثمار في العالم.
يبقى أن نرى ما إذا كان كلوب هاوس سينتقل إلى الاتجاه السائد مثل إنستغرام أو يتلاشى نوعًا مّا مثل سناب شات. ولكن في الوقت الحالي يتفوق هذا التطبيق على تيك توك، وربما يكون قريباً “وسيلة التواصل الاجتماعية الأكبر” لذلك سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما يخبئه المستقبل للنادي الجديد.