كر وفر بين الحكومة والمزارعين المصريين على إنتاج الأرز

وزارة الزراعة تطلق حملة لزراعة مجموعة من المحاصيل البديلة، والأرز في مرمى المحتكرين وارتفاع الأسعار 20 بالمئة في الأسواق
الاثنين 2018/05/14
محاصيل متهمة باستنزاف المياه الشحيحة

القاهرة - تشهد ساحة الزراعة المصرية حالة من الكر والفر بين الحكومة والمزارعين حول إنتاج الأرز، الذي بات يشكل صداعا مزمنا للسلطات بعد تعثر جديد للقاهرة في مفاوضات سد النهضة.

وتصاعدت حدة التوتر بين الطرفين بعد تعميم وزارة الري منشورا على المحافظات التي تقع في نطاق منطقة دلتا النيل، شمال القاهرة، يحذر من عقوبات تطال من يقدموا على زراعة محصول الأرز، بالمياه النيلية أو الجوفية.

ووصلت حدة التحذيرات إلى تعليق منشورات داخل المساجد، إلى جانب استخدام ميكروفونات لتحذير المزارعين من إنتاج الأرز.

ومنعت وزارة الري 18 محافظة من زراعة الأرز، هي أسوان والأقصر وقنا وسوهاج وأسيوط والمنيا وبني سويف والفيوم والوادي الجديد والجيزة والقاهرة والقليوبية والمنوفية ومرسى مطروح وشمال سيناء وجنوب سيناء والبحر الأحمر والسويس.

وقال حسين قطب، وهو مزارع من القليوبية في حديث مع “العرب”، “أقوم بزراعة الأرز سنويا ومنذ فترة طويلة بهدف بيع حصة كبيرة من المحصول لمواجهة أعباء الحياة خلال العام، إلى جانب تخزين جزء بسيط للاستهلاك منزلي”.

سعيد خليل: ميزانية البحوث الزراعية لا تكفي لاستنباط أنواع مقاومة لاستهلاك المياه
سعيد خليل: ميزانية البحوث الزراعية لا تكفي لاستنباط أنواع مقاومة لاستهلاك المياه

وأضاف “كنت أعول على زراعة المحصول العام الحالي للمساهمة في شراء الأجهزة المنزلية لابنتي المقبلة على الزواج، لكن الحكومة تشدد بشكل غير مسبوق على زراعة الأرز العام الحالي، ما اضطرني إلى التوقف عن زراعته والبحث عن محصول بديل”.

وأقر مجلس النواب مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة، يحظر وفقا لأحكامه زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.

وتصل العقوبة على المخالفين لتلك القرارات، إلى الحبس بمدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 170 دولارا، والحكم بإزالة المخالفة على نفقة المُدان.

ويتم زراعة بذور الأرز في مساحات صغيرة يطلق عليها مشاتل، وعندما يصل ارتفاعها إلى 20 سنتيمترا عن سطح الأرض يتم نقلها إلى المساحات الكبيرة المستهدف زراعتها.

وشنت الأجهزة التنفيذية في محافظات الدلتا حملات أمنية على المشاتل المخالفة لزراعة الأرز أسفرت عن إزالة 18 مشتلا بالشرقية، ونحو 6 مشاتل في القليوبية، و22 مشتلا بكفر الشيخ، فضلا عن إزالة نحو 60 فدانا بمحافظة الدقهلية.

ولم تبحث الحكومة عن حلول حاسمة لمواجهة الأزمة، مثل استنباط أنواع جديدة من نبات الأرز لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، وبدلا عن ذلك فضلت منع زراعة المحصول الذي يأتي في صدارة اهتمامات المزارعين المحليين من حيث التجارة والغذاء.

وفي خضم التوتر، ارتفعت أسعار الأرز بالأسواق خلال الأيام الماضية بنحو 20 بالمئة، مع توقعات باستمرار تلك الموجة التضخمية، نتيجة غياب الرقابة على الأسواق، وتكرار سيناريو الممارسات الاحتكارية واتجاه التجار لتخزينه والمضاربة على أسعاره.

ويوجد قسم خاص بمركز البحوث الزراعية للأرز، لكن الدولة لا ترصد له أموالا كافية تمكنه من البحث والتطوير والقدرة على استنباط أنواع جديدة من الأرز مقاوم لاستهلاك المياه، وقد رصد تلك المعاناة سعيد خليل، الخبير بالمركز.

وقال خليل في تصريحات لـ”العرب”، إن “ميزانية البحث العلمي للمركز الذي يعد أقدم مركز بحثي زراعي في الشرق الأوسط، تبلغ نحو ثلاثة ملايين جنيه فقط، (170 ألف دولار)، مقارنة بنحو 300 مليون جنيه (17 مليون دولار) كانت مرصودة في عام 1990”.

ولا تكفي ميزانية المركز، الذي يضم حوالي 13.8 ألف باحث، لتأسيس معمل واحد بمعهد بحثي، الأمر الذي ترتب عليه تدمير واسع لمهنة البحث الزراعي في مصر.

شريف فياض: الأرز يحمي التربة من الأملاح ومنع زراعته يعرض الدلتا للتصحر
شريف فياض: الأرز يحمي التربة من الأملاح ومنع زراعته يعرض الدلتا للتصحر

وتعاني مصر من فقر مائي، حيث يصل متوسط نصيب الفرد 660 متر مكعب، مقارنة بخط الفقر المائي عالميا عند ألفي متر مكعب.

وتصل حصة البلاد من مياه نهر النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب، ويستهلك القطاع الزراعي نحو 85 بالمئة منها بنحو 47 مليار متر مكعب.

وتوقعت دراسات بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، أن تفقد مصر نحو 17 بالمئة من أراضيها الزراعية حال اتجاه إثيوبيا لملء سد النهضة خلال ستة سنوات، ونحو 51 بالمئة إذا تم تقليل فترة الملء لنحو ثلاثة سنوات.

وكانت وزارتا الري والزراعة قد قررتا زيادة الرقعة المزروعة بمحصول الأرز هذا العام بواقع 100 ألف فدان، ليصبح إجمالي المساحة المقررة نحو 824 ألف فدان، مقارنة بنحو 1.2 مليون فدان العام الماضي.

ونص القرار على زراعة المساحة الإضافية اعتمادا على مياه الصرف الزراعي المعالج، دون استخدام متر مكعب واحد من المياه النيلية.

وحذر خبراء في مجال الزراعة من تقليل مساحات محصول الأرض بدعوى ترشيد استهلاك المياه، لما لها انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد.

وقال شريف فياض، الأستاذ بمركز بحوث الصحراء لـ“العرب”، إن “الأرز هو المحصول الوحيد الذي يغسل التربة الزراعية ويحميها من الأملاح ولولا زراعته لتعرضت منطقة الدلتا للتصحر”.

ودعا إلى البحث عن بدائل لترشيد مياه الري، لتصبح من خلال شبكات الري بالتنقيط لجميع المحاصيل التي لا تحتاج طريقة الري بالغمر، فضلا عن ري المحاصيل في الأراضي الصحراوية، بمياه الآبار، كما هو الحال في مشروع المليون ونصف المليون فدان، الذي أطلقته مصر خلال العامين الماضيين.

وأطلقت وزارة الزراعة حملة للتوسع في زراعة محصول الـ“كينوا” في مصر، ليصبح محصولا تجاريا بديلا للأرز، كما أنه لا يحتاج إلى مياه كثيرة وتتم زراعته في الأراضي الرملية والصحراوية ويتحمل ملوحة الأرض وجفافها.

وقال حسين عبدالرحمن، نقيب عام الفلاحين، إن “نبات الـ”كينوا” دخل مصر في عام 2005، ويصل حجم مساحة المزروعة به خلال العام الحالي نحو 80 فدانا فقط، بمختلف المحافظات، كما يصل سعر بيع الكيلوغرام الواحد منه في السوق المحلية لنحو 9.5 دولار”.

10