قيس سعيد يخذل الحكومة في مواجهة الاحتجاجات ليكسب ود الشعب

تعيش تونس على وقع جدل يتصاعد حول غياب موقف رسمي من الرئيس التونسي قيس سعيد بشأن الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد مجددا للمطالبة بالتنمية والتشغيل، في وقت يرى منتقدوه أنه قرر النأي بنفسه عن التدخل في التحركات الاجتماعية المتنامية لكسب ود الشعب.
تونس- أثار غياب الرئيس التونسي قيس سعيد عن المشهد الحالي الذي تشهد فيه تونس أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، اتبعتها احتجاجات متصاعدة في العديد من مناطق البلاد تساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، مما دفع منتقديه إلى التكهن بأنه يسعى للنأي بنفسه عن تأزم الأوضاع لكسب تعاطف الشعب.
وطيلة الأيام الماضية شهدت تونس احتجاجات متصاعدة في ولايات (محافظات) قفصة وقابس وسيدي بوزيد وباجة والقصرين وغيرها، فيما لم يسجل سعيد غير إطلالة يتيمة في أعقاب لقاء جمعه برئيس الحكومة هشام المشيشي، وهو ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه خاصة أن الاحتجاجات ذهبت إلى أقصاها حيث تم غلق بعض مواقع الإنتاج وغيرها.
وأكد سعيّد على وجوب الحرص على توفير المواد الضرورية للتونسيين والتونسيات في مختلف مناطق الجمهورية، داعيا إلى تطبيق القانون على كل من يسعى إلى قطع الطرقات والحيلولة دون وصول المواد الغذائية والأساسية للمواطنين.
كما شدّد على ضرورة تكاتف الجهود من أجل تجاوز الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد بعيدا عن الانقسامات، داعيا إلى وضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل الاعتبارات.
واتسعت دائرة الاحتجاجات في المناطق المحرومة وشملت العديد من الجهات المطالبة بتوفير فرص العمل والاستثمارات وغيرها من المطالب في مشهد بات ينذر بشتاء ساخن ينتظر حكومة المشيشي التي زكاها البرلمان مؤخرا.
وتأتي التحركات الاحتجاجية بعدما توصّل سكان ولاية تطاوين (جنوب) في أعقاب أشهر من إعاقتهم إنتاج النفط في الصحراء، إلى اتفاق مع الحكومة التي تعهّدت في السابع من نوفمبر بتوفير فرص عمل وأرصدة مالية لتمويل مشاريع في هذه الولاية.
وبعد مرور يومين على الاتفاق قال رئيس الحكومة هشام المشيشي في تصريح مثير إن النهج الذي “تم اعتماده في تطاوين والقائم على الحوار سيعمم على كافة الولايات خاصة منها المتأخرة في سلم التنمية”.
وبينما تفاوض حكومة المشيشي، التي تجد نفسها ممزقة بين استحقاقات في البرلمان على غرار تمرير موازنة البلاد للعام المقبل، المحتجين يطرح “صمت” قيس سعيد العديد من التساؤلات في وقت يحتاج فيه العاطلون والمهمشون خطابا واضحا ومتزنا لطمأنتهم وتشخيص واقعهم المعيشي وفقا لمراقبين.
ويعود آخر موعد لخطاب مباشر للرئيس سعيّد مع الشعب إلى نحو شهر، ولم يظهر الرئيس التونسي في خطاب تلفزيوني لشرح الأوضاع والمستجدات، أو لطمأنة الرأي العام في البلاد بل يواصل تمرير رسائله عبر حكومة المشيشي.
ويرافق “حياد” سعيد شيئا من الحيرة في صفوف التونسيين الذين راهنوا على الرجل القادم للرئاسة من خارج أسوار السياسة، والقاطع مع فكرة الانتماء الحزبي، كمنقذ للشباب من براثن البطالة والفقر بتصورات جديدة تكرس وفقا لمنتقديه دور التنسيقيات الشعبوية وتفعّل مقولة “الشعب يريد” التي رفعها خلال الانتخابات الرئاسية.
ويرى النائب في البرلمان حاتم المليكي “أن الرئيس سعيد مطالب بضمان وحدة البلاد واستقلالها دستوريا، وهناك تقصير واضح من الرئيس ويتوجب عليه الخروج للعلن باعتبار الوضع الدقيق الذي تشهده البلاد”.
وأضاف المليكي في تصريح لـ”العرب” “هناك مسألة تتعلق ببعض المبادرات التي لا ترتقى إلى مستوى حوار وطني بل تنحصر في مجال التسويات السياسية ولم يتفاعل معها الرئيس سعيّد (..) ويبدو أن هناك أطرافا تدفع نحو توتير العلاقة ين سعيد والمشيشي”.
وتابع “درجة الوعي لدى أغلب السياسيين لا تزال ضعيفة، ولا أحد سيستفيد من الأزمة الحالية الشاملة، بل يخطئ من يعتقد أنه سيستفيد من هذه الاحتجاجات”.
وسجلت تونس، التي فاقمت الجائحة صعوباتها الاقتصادية، تراجعا قياسيا بنسبة 7 في المئة في إجمالي ناتجها المحلي، وتتوقّع عجزا قياسيا في موازنتها للعام 2021.
ويبدو أن ما راهن عليه الرئيس سعيد من خلال مقولته الشهيرة “الشعب يريد”، بدأت بوادره تظهر تدريجيا من خلال التنسيقيات الجهوية التي وضعت المحتجين في تواصل مباشرة مع السلطة، إما عبر التفاوض والجلوس إلى طاولة الحوار، وإما عبر المعالجات الأمنية، وهو مشهد يتكرر في الكثير من الجهات.
وفي الوقت الذي تحتدم فيه أطوار معركة “لي الذراع” بين الحكومة والمحتجين، يكتفي الرئيس سعيد بالمتابعة من بعيد دون تصريح أو تلميح أو قرار، في خطوة يرى متابعون أنها بمثابة استثمار “سياسي” ينتظر سعيّد قطف ثماره.
ويرى مراقبون أن الرئيس صاحب فكرة التنسيقيات ينأى بنفسه اليوم عن الحكومة لكسب تعاطف وتأييد شعبي.
وأفاد السياسي والقيادي السابق بحركة نداء تونس بوجمعة الرميلي في تصريح لـ”العرب”، “أن الدستور التونسي يعطي أهمية كبيرة للرئيس في الأزمات والمخاطر لأنه المسؤول الأول على الأمن القومي (..) التونسيون في حيرة من هذا الغياب، والوضع حرج وما كان على سعيد أن يترك الشعب ينتظر خلافا للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي كان يتحرك ولا يصمت”.
وتساءل الرميلي “هل أن الرئيس سعيد غير متمكن من الأمور أم هناك حسابات وخلفيات أخرى، لأنه هو من أتى بالمشيشي المحسوب عليه (..) من غير الطبيعي ألا يظهر وهو الذي انتخب لتسيير الشأن الوطني”.
وأضاف “كان على الرئيس سعيد أن يظهر ويقر بوجود أزمة ويعمل على تجميع مختلف الفرقاء والسياسيين تكريسا لدوره الدستوري (..) وإن كان لا يظهر فلمَ قدم نفسه للرئاسة؟”.
وقيس سعيّد (62 عاما) هو أستاذ قانون دستوري فاز في الانتخابات الرئاسية بحصوله على نسبة 76 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين. وبذلك يكون سعيد قد تحصل على أصوات قرابة 3 ملايين ناخب، وهو أول رئيس تونسي يتحصل على هذا العدد من الأصوات منذ الثورة متجاوزا بذلك عدد الأصوات التي تحصل عليها الباجي قائد السبسي.
تأتي التحركات الاحتجاجية بعدما توصّل سكان ولاية تطاوين (جنوب) في أعقاب أشهر من إعاقتهم إنتاج النفط في الصحراء، إلى اتفاق مع الحكومة
وتتخوف الأوساط التونسية من أن يكون ما يجري ممنهجا ومتناسقا زمنيا واستراتيجيا، ومن شأن هذه الاحتجاجات المتزامنة أن تخلق وضعا أشد تأزما.
ويظل صمت الرئاسة المتواصل مثيرا للجدل، وسط تساؤلات عما إذا كان قيس سعيد يدبر الأمور دون ضجيج ويشتغل على مبادرة اقتصادية واجتماعية.
ويتواصل بولاية قابس (جنوب) اعتصام شباب المنطقة المطالبين بالتنمية والتشغيل مما تسبب في شلل تام لعمل “المجمع الكيميائي” وتوقف الإنتاج، ما أثر سلبا على إنتاج الغاز نتج عنه اضطراب على مستوى التوزيع في ولايات الجنوب الشرقي.
وأعلن الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان (وسط) تنفيذ إضراب عام مع بداية الشهر القادم احتجاجا على تواصل سياسة التهميش وغياب التنمية العادلة.