قضاء الوقت مع الأطفال يمكن أن يكون ضارا بهم

عادة ما يشعر الآباء بالذنب لقصر الوقت الذي يقضونه مع أبنائهم، لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن تمضية وقت طويل مع الأطفال في حالة التعب والإرهاق قد يضرهم أكثر مما ينفعهم. ودعا خبراء علم النفس إلى ضرورة التخلي مؤقتا عن واجبات الأمومة والأبوة في حال كان الوالدان مرهقين والاتصال بشخص قريب أو جليسة أطفال للاعتناء بهم.
تورنتو (كندا) - يبرر الوالدان مدى براعتهما في الأبوة والأمومة أحيانا من خلال مقدار الوقت الذي يقضيانه مع أطفالهم. لكن الكمية لا تعني الجودة في أغلب الأحيان. حيث أنه من الأفضل أن يقضي الطفل عشرين دقيقة مع والديه في اللعب خلال اليوم على أن يجلسا معه طوال اليوم وكلاهما ينظر في جهازه الإلكتروني أو يشاهد التلفزيون.
ويقول خبراء علم النفس إنه من المؤكد أن هناك علاقة بين الوقت الذي نقضيه مع أطفالنا وكيف يتطورون كبشر متفائلين لهم بمستقبل مشرق في الحياة، ولكن إن أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فالأمر لا يتعلق فقط بالوقت.
ويضيف الخبراء أنه عندما يبلغ الابن من العمر 20 أو 40 عاما، لن يقول "لقد أمضى أبي نصف ساعة فقط في اللعب معي". ولكن ما سيتذكره هو ما فعلاه سويا في تلك النصف ساعة ومقدار المتعة التي حظي بها. فاللحظات الحميمية هي التي تهم. لذلك لا يجب على الآباء الاعتقاد بأنه يتعين عليهم تخصيص ساعات أكثر لزيادة رصيد الأبوة والأمومة.
وعلى العكس، وجدت دراسة أجرتها ميليسا ميلكي عالمة الاجتماع بجامعة تورنتو مثالا رئيسيا على أن قضاء الوقت مع الأطفال قد يكون ضارا لهم، وذلك عندما يكون الوالدان متعبين ومجهدين ويشعران بالقلق والذنب.
ويقول كي نوماغوتشي المؤلف المشارك في الدراسة، إن "توتر الأمهات بسبب العمل ومحاولة إيجاد وقت مع الأطفال، قد يؤثر في الواقع على أطفالهن بشكل سيء". لذلك فمن الأفضل عندما تكون في هذه الحالة، التنحي مؤقتا عن واجبات الأبوة والأمومة والاتصال بشخص قريب أو جليسة أطفال والحصول على بعض الوقت لنفسك.
وتعتبر الرعاية الذاتية كوالد أكثر أهمية من أي شيء آخر. وتعمل بعض الأمهات في المنزل مع أولادهن على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. لذلك عندما يكونون متعبين يجب عليهم أخذ قسط من الراحة وإلا سيحصل الجميع على الكثير من الصراخ.
الرعاية الذاتية كوالد تعتبر أكثر أهمية من أي شيء آخر، حيث تعمل بعض الأمهات في المنزل مع أولادهن على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع
وتُصاحب عادة الآباء والأمهات العاملين الذين لا يجدون وقتا كافيا لقضائه مع أطفالهم، مشاعر كثيرة بدءا من الشعور بالذنب والندم والتقصير. وبجانب تلك المشاعر، يقف الآباء مستندين إلى اعتقاد واسع النطاق مفاده أن الوقت الذي يقضيه الآباء والأمهات مع أطفالهم هو مفتاح ضمان مستقبل مشرق للطفل. ولكن البحوث الجديدة والرائدة في هذا المجال تُنهي الجدل حول هذه الحكمة التقليدية، وتكشف عن الحقيقة التي تقول هذا ليس صحيحا على الإطلاق.
وقالت ميلكي “في هذا العالم المثالي، فإن مثل هذه الدراسات قد تُخفف من شعور الذنب الذي يعتري الوالدين بشأن مقدار الوقت الذي يقضونه مع أطفالهم، وتُركز على ما هو مهم فعلا للطفل".
وتُركز ميلكي على نقطة جوهرية وهي أن الدخل والمستوى التعليمي للأم من المسائل التي تلعب دورا مهما في مستقبل الطفل وليس الوقت، خاصة في عمر الطفولة التأسيسية.
ووجدت دراسة ميلكي أن الدخل والمستوى التعليمي الجيد للآباء له علاقة وثيقة بنجاح الطفل في المستقبل. حيث إن الموارد الاجتماعية تساعد الآباء على دعم صحتهم العقلية، كما أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي له القدر الأكبر في التأثير إيجابيا على مستقبل الأطفال مقارنة بكم الوقت الذي يقضيانه معهم.
وقالت ميلكي إن التفكير في الصورة الكُبرى التي تدعم الطفل تتمحور حول ما يُعرف بالموارد الاجتماعية التي تُساعد الوالدين في دعم صحة أبنائهم العقلية ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وإن الوقت مهما ازداد، والذي يتم التشديد عادة على أهميته، فإنه لا يفعل الكثير في ما يتعلق بهذه الجوانب.
وأكّدت إيمي حسين عالمة الاجتماع في كلية كوينز أن الآباء الذين يقضون الوقت مع أطفالهم الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، هم حقيقة يقضونه أمام التلفاز أو لا يفعلون شيئا على الإطلاق، وهذا يُمكن أن يكون ضارا.
وأشارت إلى أن الأطفال يحتاجون أيضا إلى وقت غير مُنظم لأنفسهم دون تدخُّل أولياء أمورهم فيه، وهو ما يُفيدهم في تنمية مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية.
وتعتزم غالبية الأمهات العاملات إيجاد الوقت الكافي لقضائه مع أطفالهن، ويشعرن بالذنب والتقصير إن كان هناك أي فسحة فراغ لا تستغلها الأم بجوار ابنها، وذلك بسبب الاعتقادات الراسخة في المجتمعات التي تؤطر دور الأم المثالية في منح كل شيء لطفلها، لتشعر الأم وفق التصور السابق بالضغط في حال قصّرت لأسباب لا تدخل في نطاق تحكّمها أساسا، مما يدفع بها لمحاولة التعويض قدر الإمكان.
ولكن ينعكس ذلك سلبا على جودة الوقت الذي تقضيه الأمهات المرهقات مع أطفالهن. بمعنى، ينعكس سلبا على سلوكيات الطفل العاطفية، وحتى في ما يتصل بتدني المستوى التعليمي. وفي هذا الشأن تُعلق ميلكي “نعيش في مجتمعات تنافسية، وهناك الكثير من الضغوط الثقافية على الأم والأب وفي ما يُعتقد أنه يصنع طفلا ناجحا".
وتقول الكاتبة لينا ناصر إن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمثل تحديا صعبا للعديد من العائلات؛ لأن “إدمان العمل” قد يدمر الصحة النفسية للأطفال.
وتصف مجلة “سيكولوجي توداي” إدمان العمل بأنه "أكثر من مجرد تكريس وقتك للوظيفة. إنه التزام يقترب من الهوس، ويأخذ مكان معظم جوانب الحياة الأخرى، ويشمل ذلك الأطفال".
وحسب الكاتبة، فإن استمرار هذه الحالة لفترة طويلة، يعني عواقب أكثر خطورة على الأطفال، الذين يحتاجون إلى الكثير من العناية والاهتمام في سنواتهم الأولى.
من الأفضل للأم عندما تكون في حالة إرهاق التخلي عن واجبات الأمومة والاتصال بشخص قريب أو جليسة أطفال لتهتم بهم
ولم تحدد الدراسات مقدار الوقت الذي يجب أن يقضيه الآباء مع أطفالهم. ويقول ماثيو بيل، الطبيب النفسي للأطفال والمراهقين في المركز الطبي بجامعة جورج تاون “لا توجد تقريبا أي أدبيات غنية وذات مغزى تجيب على هذا السؤال.
إلا أن العديد من الدراسات تشير إلى أن مقدار الوقت الجيد الذي نقضيه مع أطفالنا، مثل قراءة الكتب وممارسة الرياضة والجلوس لتناول العشاء والتأمل معا، لها نتائج لا تصدق بالنسبة إلى الأطفال مدى الحياة. إضافة إلى كيفية تفاعل الوالدان باستمرار مع أطفالهما لتوفير الدفء والرعاية والتعاطف".
ووجدت دراسة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس أن "اللحظات الهادئة في الحياة الأسرية تؤدي إلى قدر كبير من الترابط الأسري أكثر من أي وقت عائلي مزيف أو غير حقيقي أو سعيد".
كذلك قد توفر الأنشطة اليومية مثل المشاركة في الأعمال المنزلية أو أداء كل شخص لمهام معينة في المنزل إلى عيش لحظات جيدة، إضافة إلى خلق حالة غير منظمة من التفاعل الاجتماعي التي تساهم في بناء العلاقات المهمة التي يبحث عنها الآباء.
ولا يشعر الأبناء دائما بالسعادة في حال وجود الآباء، خصوصا العصبيين منهم، لكن إذا كانوا في مزاج جيد يحس الأبناء معهم بالأمان وتكفي دقائق معدودة لجعل الطفل سعيدا، فنوعية الوقت المقضّى مع الأطفال وجودته تتفوقان على كمية الوقت. وينصح الخبراء الآباء بعدم إهدار الوقت الذي يقضونه مع أطفالهم.