قصور دور البلديات والمجالس المحلية بعد 2011 يثير الجدل في تونس

تونس - أثار نشاط المجالس البلدية جدلا واسعا في تونس بعد 2011، وبات محل انتقاد كبير بسبب أساليبها التقليدية في التعامل مع المواطن في ظل غياب المشاريع والإنجازات، فضلا عن التدخل السياسي الذي أهمل الدور الجوهري للبلديات، وسط دعوات المراقبين إلى إحداث تغيير سياسي يشمل البلديات مثلما شمل السلطة المركزية.
ونفذ موظّفوا البلديات والوكالات البلدية الإثنين إضرابا عاما قطاعيا، احتجاجا على ما تعتبره الجامعة العامة للبلديين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل ظلما وتهميشا وتعسفا على البلديين “وعدم جدية سلطة الإشراف في التفاوض مع القطاع”.
وكانت الجامعة العامة للبلديين قد دعت منظوريها إلى التجمع الاثنين في كافة المقرات البلدية وفي الوكالة البلدية للخدمات البيئية والوكالة البلدية للتصرف بداية من الساعة التاسعة صباحا.
وأشارت الجامعة إلى أنه “يستثنى من الإضراب مصالح المقابر ومواكب الدفن”.

حاتم العشي: يمكن أن يعلّق الرئيس عمل البلديات مثلما علّق نشاط البرلمان
ويرى مراقبون أن البلديات والجماعات المحلية دخلت في تجاذبات سياسية حادة، إلى جانب ضعف الميزانيات والنقائص التي تشوب الإطار التشريعي، وهو ما مثّل عائقا أمام تحقيق أهداف الحكم المحلي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب “البلديات في تونس جاءت كنتيجة لعدم قدرة المركز على تصريف شؤون الأطراف وكرغبة من السلطة المركزية في التملّص من تحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها ونتيجة لمطالبة الهامش للمركز بالقيام بالمهام المنوطة بعهدته وتحمل مسؤوليته كاملة تجاه مواطنيه”.
وأضاف لـ”العرب”، “بعد 2018 ومع الانتخابات البلدية ونتيجة للنظام الانتخابي والسياسي القائم، كانت أغلب البلديات مُسيّسة، خاصة إثر فوز حركة النهضة بالانتخابات البلدية التي جاءت في ظروف معينة وبعد الزلزال السياسي الذي حدث في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، حيث وقفت أغلب الهياكل البلدية ضد قرار الرئيس، لذلك فإن قرار المجالس البلدية الأخير الذي يقضي بتنفيذ الإضراب هو قرار سياسي بامتياز وليس من أجل مصلحة الشعب التونسي”.
وتابع “فشل البلديات خلال السنوات الأخيرة هو انعكاس لفشل الحكومات في تحقيق مطالب التونسيين، لذلك من الضروري أن يشمل التغيير السياسي البلديات كما شمل السلطة المركزية”.
وعزت أوساط حقوقية فشل البلديات في الاضطلاع بدورها بفاعلية إلى التشريعات التي كبلت المجالس المنتخبة، وطالبت هذه الأوساط بتغيير النظام الانتخابي الخاص بالمجالس البلدية.
وأفاد المحامي والوزير السابق حاتم العشّي بأن “البلديات منذ 2011 لم تقدم خدمات كبيرة إلى غاية سنة 2018، وخسرت تونس سبع سنوات كاملة والوضعية مازالت على حالها من ناحية غياب النظافة والإنجازات والتنسيق مع وزارة التجهيز في ترميم الطرقات وتحسين البنية التحتية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “انتخابات 2018 شاركت فيها الأحزاب، فطغى العمل السياسي على النشاط البلدي، وأصبح أعضاء المجلس البلدي يخدمون مصالح أحزابهم أكثر من اهتمامهم بمشاغل المواطنين”، لافتا إلى أن “العمل البلدي يتطلب وجود حدّ أدنى من الانسجام لتفادي الخلافات السياسية”.

محمد ذويب: لا بدّ أن يشمل التغيير السياسي البلديات كما شمل السلطة المركزية
وأردف حاتم العشّي “لا بدّ أن يتمّ انتخاب المجلس البلدي بنظام انتخابي جديد، والمجلس البلدي هو صورة مصغّرة لمجلس نواب الشعب، حيث دخلت أكثر من 70 في المئة من البلديات في خلافات”.
واستطرد “النظام الانتخابي للمجالس البلدية لا يتماشى مع وضع البلاد، والرئيس قيس سعيد مثلما علّق نشاط البرلمان يمكن أن يعلّق عمل البلديات”.
وتصاعد الجدل حول البلديات إثر تطرق الرئيس سعيد في وقت سابق إلى أزمة تكدّس النفايات في محافظة صفاقس (جنوب)، ووجه إلى المجالس البلدية تحذيرات وحتى اتهامات بـ”التنكيل” بالشعب التونسي، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول فرضية مضيه قدما نحو حلها.
وقال قيس سعيد إن “الشعب ائتمنهم (الجماعات المحلية) رغم أن القانون الذي وضع على المقاس لا يمكّن من محاسبتهم، ولكن لا مجال للجماعات المحلية أن تنشئ دولا داخل الدولة”.
وأكد أن “ما يحصل في بعض المدن من عدم رفع الفضلات المنزلية مقصود به التنكيل بالشعب وهو أمر معروف ومألوف”، وقال لوزير الداخلية “لديكم ما يكفي من النصوص والقوانين لوضع حد لهذا الوضع الذي يعيشه أغلب التونسيين”.
ونظمت تونس أول انتخابات بلدية بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، في العام 2018. وهو استحقاق نجحت خلاله حركة النهضة الإسلامية في اكتساحه بعد أن حلت في المرتبة الأولى بـ28.68 في المئة، فيما حل حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نداء تونس ثانيا بـ20.85 في المئة، وحل التيار الديمقراطي ثالثا بـ4.19 في المئة.