قسوة الجفاف تهدد قطاع تربية المواشي في موريتانيا

استغاثات المربين تتصاعد لإنقاذ نشاطهم مع استفحال أزمة شح المياه وتقلص مساحات الرعي.
الأربعاء 2021/10/27
هل لديك فكرة عن تربية الأغنام وكيفية تَحسين إنتاجها

تتفق أوساط مربي المواشي والتجار على أن الثروة الحيوانية الكبيرة في موريتانيا بحاجة ماسّة للإنقاذ إثر دخول القطاع في حالة طوارئ بعدما أصبحت قسوة الجفاف تهدد بتقلص المراعي وندرة المياه مما قد يؤثر بشكل مباشر على الأسعار في سوق المواشي.

نواكشوط - تتصاعد استغاثات قطاع تربية المواشي في موريتانيا للتعجيل في إنقاذه قبل وقوعه في أزمة عميقة قد لا يمكنه النهوض منها سريعا مع ظهور مؤشرات خطيرة على دخول المربين والمنتجين في دوامة الركود الإجباري.

وتشهد مناطق واسعة من البلاد نقصا غير مسبوق في الأمطار، ما ينذر بموجة جفاف هي الأقسى منذ قرابة خمسة عقود، والتي من المرجح أن تؤثر طويلا على العديد من المجالات المرتبطة بالمياه.

وتسبب شح الأمطار العام الجاري بنقص شديد بالمساحات الرعوية واتساع دائرة التصحر في بلد يعاني أصلا تصحرا واسعا وانحسارا في الغابات والغطاء النباتي بسبب طبيعته الجغرافية.

مريم بكاي: الحرائق تدمر ما بين 50 و200 ألف هكتار من المراعي سنويا
مريم بكاي: الحرائق تدمر ما بين 50 و200 ألف هكتار من المراعي سنويا

ورغم أن الثروة الحيوانية تشكل أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الموريتاني، الذي يعد الأضعف بين دول المغرب العربي، فإنها ظلت مهمشة خلال عقود لقلة الاستثمارات مما جعل أداءها ومساهمتها الفاعلة في التنمية دون المستوى المطلوب.

وتصطدم الحكومة، التي جعلت لتنمية هذه الثروة مكانة مهمة في خططها المستقبلية، بالكثير من المطبات في طريق العمل على تحقيق أكبر استفادة من الاستثمارات الحكومية وخاصة في الأرياف كونها مصدرا رئيسيا للموريتانيين.

ويعتمد غالبية السكان على تربية المواشي، وتقدر وزارة الاقتصاد حجم الثروة الحيوانية بأكثر من 22 مليون رأس، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن البلد يمتلك 1.4 مليون رأس من الإبل و1.8 مليون رأس من الأبقار و19.3 مليون رأس من الماعز والضأن.

وفي الماضي، كانت تتزايد هذه الثروة بشكل مستمر بنسبة تفوق 3.5 في المئة سنويا، لكن يبدو أنها اليوم أضحت في دائرة الخطر.

ووفق مديرية التوقعات بوزارة الاقتصاد، تساهم هذه الثروة، التي تعد أكبر مصدر للتشغيل في البلاد بنسبة 22.1 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

ويؤكد العديد من مربي المواشي أن الثروة الحيوانية مهددة بشكل كبير إن لم تتخذ السلطات إجراءات مستعجلة خلال الأشهر المقبلة من أجل توفير الأعلاف.

وقال الخليفة ولد أحمد، أحد مربي الماشية في ولاية الحوض الغربي، لوكالة الأناضول إن “مناطق واسعة شرقي البلاد مهددة بجفاف هو الأشد منذ سبعينات القرن الماضي، وإن المساحات الرعوية تقلصت بشكل كبير”.

وأوضح أن “المواشي مهددة بشكل كبير إذا لم تسارع السلطات بتوفير الأعلاف خلال شهرين أو ثلاثة، نحن أمام موجة جفاف هي الأشد منذ سنوات”.

وتنعكس مشكلة نقص الأعلاف والمراعي على أسعار المواشي، فعلى سبيل المثال وصل سعر الخروف إلى نحو مئتي دولار بعد أن كان متوسط سعره العام الماضي لا يتجاوز 140 دولارا.

كما تسبب نقص الأمطار بتضرر النشاط الزراعي، فقد خسر المزارعون بعض أراضيهم، التي كانت تمثل مشاريع مدرّة للدخل للمئات من الأسر التي تعتمد على زراعة السدود.

وقال المزارع حماه ولد أحمد “مزارعنا تضررت هذه السنة جراء نقص الأمطار، ونأمل بأن تتنبه الحكومة لوضعيتنا وتقدم لنا دعما”.

وسعت موريتانيا التي تشهد تراجعا في معدل النمو وظروفا طبيعية قاسية أثرت سلبا على الأراضي الصالحة للرعي العام الماضي إلى مواجهة المشكلة، حيث كثفت من زراعة الأعلاف بشرق وجنوب البلاد وخاصة بمنطقة أنبيكة لحواش وفي حوض نهر السنغال.

ورغم أن العملية ما زالت في بدايتها، فإن آراء الخبراء الموريتانيين متضاربة بشأن تقييمها، لكنهم يتفقون على أهمية هذه العملية للحد من اعتماد مربي المواشي على المراعي، والتي تشكل نحو 90 في المئة من إجمالي الأعلاف التي توفرها الدولة.

ويبدو أن الأزمة لم تقتصر على احتباس الأمطار فحسب، فقد شهدت مناطق عدة منتصف أكتوبر الجاري حرائق أتت على مساحات رعوية واسعة في البلاد، ما يزيد من مخاطر موجة الجفاف.

وبحسب وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية، أتى حريق هائل في منتصف هذا الشهر على 600 كلم مربع من المراعي في منطقة باسكنو شرق البلاد.

22 مليون رأس ماشية تمتلكها موريتانيا تساهم بحوالي 22.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي

وقبل ذلك بيوم واحد، شهدت منطقة المذرذرة غرب البلاد، حريقا أتى على كيلومترين مربعين من المراعي، بالإضافة إلى حرائق في مناطق متفرقة أخرى من البلاد.

وبحسب تصريحات سابقة لوزيرة البيئة مريم بكاي، تدمر الحرائق البرية بين نحو 50 و200 ألف هكتار سنويا من المراعي الطبيعية.

ويوميا، يلتهم التصحر المزيد من المساحات الخضراء بفعل الجفاف وقطع جائر لأشجار الغابات والحرائق، فيما تؤكد وزارة البيئة أن 84 في المئة من مساحة البلاد باتت تعاني من هذا الخطر البيئي.

وتقول الحكومة إنها ستنفذ خطة تهدف إلى استعادة نحو 30 ألف هكتار من الغابات بحلول 2030، إلا أن ذلك سيتطلب توفير الأموال اللازمة لتنفيذ الخطة في وقت تعاني فيه البلاد من ضائقة مالية حادة.

ويرى خبراء أن موجة الجفاف المتوقعة ستدفع الآلاف من سكان الريف إلى الهجرة نحو المدن بحثا عن فرص عمل أو مساعدات حكومية.

ويقول مدير منتدى آوكار للتنمية والثقافة والإعلام سيد أحمد ولد محمدو إن كل الدلائل تشير إلى أن الأشهر المقبلة ستشهد موجة نزوح كبيرة من القرى والأرياف نحو المدن الرئيسية، خصوصا العاصمة نواكشوط، ومدينة نواذيبو التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد.

وأضاف “نحن أمام موجة جفاف هي الأصعب منذ سبعينات القرن الماضي، وسيزيد من حدتها، الوضع الأمني والسياسي في الجارة مالي”.

ولفت ولد محمدو إلى أن “مربّي الماشية كانوا يلجأون إلى مالي في فترات الجفاف، لكنهم قلقون هذه السنة نظرا إلى الظروف الأمنية والسياسية الصعبة هناك”.

كما شدد على ضرورة أن تتخذ الحكومة خطة مستعجلة من أجل تقديم الدعم لسكان القرى والأرياف، وتوفير الأعلاف للمواشي.

11