قرض ميسر ومنحة من السعودية لدعم الاقتصاد التونسي

تلقت تونس بعد توقيعها في الآونة الأخيرة اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، دعما ماديا عربيا من دول مؤثرة مثل السعودية، وهو ما سيفتح حسب مراقبين الباب أمامها لفرص دعم جديدة مع الجهات الدولية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
تونس - قدمت المملكة العربية السعودية، الخميس، قرضا ميسرا ومنحة لتونس بقيمة 500 مليون دولار، في مسعى لدعم ميزانيتها في مواجهة الصعوبات المالية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وتأتي الخطوة السعودية في إطار إنفاذ توجيهات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
ومن شأن هذا التحرك السعودي أن يساهم في فتح قنوات تمويلية جديدة لتونس من دول عربية أخرى، فضلا عن المؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
واستقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، الخميس، بقصر قرطاج، وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وفق بيان للرئاسة الجمهورية على صفحتها بفيسبوك.
وتناول اللقاء علاقات الأخوة والتعاون التاريخية القائمة بين تونس والمملكة العربية السعودية والإرادة الصادقة والقوية للقيادتين في البلدين، من أجل المزيد من تعزيز هذه الروابط المتينة وتطويرها نحو آفاق جديدة لما فيه خير الشعبين الشقيقين ومصلحتهما المشتركة.
ووقع محمد بن عبداللّه الجدعان ووزيرة المالية التونسية سهام البوغديري، الخميس في تونس، اتفاقية لتقديم قرض ميسر بمبلغ 400 مليون دولار أميركي، ومذكرة تفاهم لتقديم منحة بمبلغ 100 مليون دولار.
وقال الجدعان إن “توقيع الاتفاقية لتقديم القرض الميسر ومذكرة التفاهم لتقديم المنحة يأتي تأكيدا على عمق ومتانة العلاقات الأخوية التي تربط قيادتي البلدين الشقيقين، واستمرارا لجهود المملكة العربية السعودية الحثيثة ودورها الريادي في مساندة الدول العربية والإسلامية تنمويا واقتصاديا”.
ولفت الوزير السعودي إلى أن هذه الاتفاقيات هي جزء من جهود المملكة لدعم استقرار وازدهار الاقتصاد التونسي.
وأشار إلى أن المملكة تواصل تعزيز التعاون في مختلف المجالات مع تونس، مؤكدا أن القرض الميسر والمنحة يأتيان امتدادا لجهود المملكة السابقة والتي كان آخرها تقديم قرض نقدي إلى الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد لدى البنك المركزي التونسي بقيمة 500 مليون دولار في عام 2019.
وأضاف أن هذا الدعم يساهم بشكل مباشر في فتح قنوات تمويلية جديدة لتونس من الدول الصديقة والشقيقة والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
والأسبوع الماضي، وقعت تونس مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تمهد لاتفاق “شراكة شاملة” تنطوي على مكافحة الهجرة غير النظامية ومنع تدفق المهاجرين من سواحل تونس إلى الأراضي الأوروبية عبر إيطاليا، فضلا عن التعاون في تسريع عمليات الترحيل لمهاجرين تونسيين غير نظاميين في أوروبا.
وتعهد الاتحاد الأوروبي في الاتفاق بتمويلات تفوق المليار يورو لدعم الاقتصاد والاستثمار وموازنة الدولة وخفر السواحل في تونس.
وانعقد مساء الخميس لقاء برئاسة نبيل عمّار، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، والأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود، وزير الخارجية السعودي، وذلك بمقر وزارة الخارجية السعودية في جدة، وبحضور وفدي البلدين.
وذكر بيان للخارجية التونسية أن الطرفين استعرضا العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث عبّرا عن ارتياحهما لتميز مستوى التنسيق والتعاون القائم بين البلدين وحرصهما على المزيد من الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية العريقة وسبل تمتينها في شتى المجالات، كما نوه الجانبان بتطابق الرؤى ووجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتم الاتفاق على المزيد من تفعيل آليات التشاور والتنسيق والتعاون.
ويرى مراقبون أن تحرك تونس لتوقيع هذا الاتفاق يأتي إدراكا منها بأن دعما عربيا من دول مؤثرة مثل والسعودية الإمارات سيفتح أمامها أبواب الدعم ماليا وأيضا على مستوى تحركاتها الخارجية المتعلقة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث تحظى السعودية والإمارات بعلاقات اقتصادية ومالية مؤثرة.
وقال الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنّادي “الشراكة التونسية – السعودية قائمة منذ عقود طويلة، وهناك العديد من البعثات التونسية التي زارت المملكة لتمكين الإدارة السعودية من التجربة التونسية”، مستدركا “لكن بعد ثورة يناير 2011 بالأساس هناك فراغ دبلوماسي وسياسي بين الطرفين”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك عودة لتحسين وضعية الاقتصاد التونسي المأزوم، وهذا يؤكد أن السعودية مهتمة بالشأن التونسي، مما سيفتح الأبواب أمام أسواق جديدة لمساعدة تونس، باعتبار أن المملكة هي دولة مؤثرة ولها شراكة مع الدول البترولية والطاقية وكبرى الشركات الاقتصادية في العالم”.
وتابع الجنّادي “تونس عليها أن تفكر في سياسة اقتصادية جديدة مع السعودية التي كانت تمنحها منذ الاستقلال في 1956 مساعدات مالية لمواجهة الفقر والبطالة”.
وتعثرت المفاوضات بشأن خطة الإنقاذ المالي منذ أكتوبر عندما توصلت تونس وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء، على برنامج تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، مشفوع بإصلاحات اقتصادية تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات وإصلاح المؤسسات الحكومية.
وأكد الرئيس قيس سعيد رفضه القاطع لفكرة خفض الدعم، قائلا إن “ذلك قد يسبب توترات اجتماعية كبرى ويمس بالسلم الأهلي في البلد”. وأكد وزير الخارجية التونسي نبيل عمار منذ نحو أسبوعين أنه لا يمكن الحصول على قرض من هذا القبيل.
وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي بأن “السعودية اليوم هي قوة إقليمية واقتصادية ومالية، وأصبحت تلعب دورا مهما في المنطقة العربية، وتونس لديها احتياجات مالية ملحة، ويمكن القول إن السعودية بدأت في إنقاذ الاقتصاد التونسي المأزوم، على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وقال لـ”العرب”، “المملكة تعتبر أن من واجبها أن تتدخل لدعم تونس، والدولة التونسية بدأت تجني ثمار الحصول على تمويلات خصوصا بعد الزيارة التي أداها الرئيس قيس سعيد إلى المملكة”.
واستطرد قائلا “السعودية تخطو خطوة جديدة نحو دعم سياستها الخارجية، لكن هل تملك تونس القدرة على الخروج من أزمتها”.
وتعدّ تونس اقتراحا بديلا لطرحه على صندوق النقد الدولي بعد أن رفض الرئيس سعيد ما وصفه بـ”إملاءات” الصندوق، وفق ما أكده مسؤول حكومي تونسي في تصريح لوكالة رويترز الشهر الماضي.
وتعهد المانحون، الذين يساورهم قلق متزايد بشأن استقرار تونس، بضخ مبالغ إضافية كبيرة إذا تمكنت الحكومة من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.
• اقرأ أيضا:
مخاوف من تكرار سيناريو حرائق العام الماضي في تونس
اتفاقية تونس - الاتحاد الأوروبي.. كل أسباب النجاح متوفرة رغم العراقيل