قبل صناعة النجوم الأجدر بناء صناعة سينمائية

الفنان الجزائري حسان كشاش: الفيلم التجاري يمكن أن يكون مرافقا للسينما الملتزمة.
الجمعة 2021/01/01
من الطب والإعلام إلى عالم التمثيل

تحفل السينما الجزائرية بالعديد من التجارب الهامة، سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل أو الكتابة، ورغم أهمية الكثير من الأفلام الجزائرية التي نالت شهرة عالمية، فإن الصناعة السينمائية في الجزائر ما زالت قاصرة عن تحقيق حركية حقيقية، تحرر قطاع السينما والعاملين فيه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الممثل الجزائري حسان كشاش، حول مختلف التفاصيل في مسيرته ومساره الفني، وحول رؤيته لواقع السينما في بلاده.

الجزائر – ينتقل الممثل والفنان حسان كشاش بطل السينما والدراما الجزائرية، بين الأدوار المسندة إليه بسلاسة كبيرة، فكما تجده بطلا في مسلسل “الخاوة” الاجتماعي، أدى دور القائد والمناضل التاريخي “مصطفى بن بولعيد” بامتياز في سينما الثورة، صانعا بذلك لنفسه خصوصية مميزة ساعدته على تقمص الشخصيات والأدوار في مختلف صنوف التمثيل الدرامي والسينمائي، وربما التحول المرن في حياته الشخصية -لمّا انتقل من مجال الطب والإعلام إلى عالم التمثيل- مكنه من التكيف مع خياره المفصلي.

كانت بدايته مع فيلم “كانت الحرب” المنتج عام 1993، تحت إشراف المخرج أحمد راشدي، ثم ظهر في فيلم “العرش” للمخرج محمد شويخ، ففتحت أمامه أبواب التألق ويستوطن بذلك عالم السينما والدراما الجزائرية والعربية، خاصة في مسلسل “الخاوة”، وفيلم “مصطفى بن بولعيد” الذي توجه أحسن ممثل في المهرجان الدولي للسينما العربية بوهران سنة 2009.

من الطب إلى السينما

هناك سر لافت في حياة الفنان حسان كشاش وتحوله من وظيفة الطب والإعلام إلى التمثيل، رغم أن هناك من الفنانين من يتوجه إلى مهن أكثر استقرارا وأريحية، عن ذلك يعلق قائلا “هي مسألة خيارات، ولست هنا من باب الدخول بمدخل فلسفي، ولكن أعتقد أن ذلك كان وفق مقولة ‘إن لم تشأ أن تتعب يوما ما فاعمل شيئا تحبه‘، ومن هذا الباب أرى أن علاقة الإنسان بما يمارسه من نشاط إذا كانت مبنية على الحب وعلى الشغف فإن الطريق أمامه مفتوح ليتقدم بشكل مطرد، وأنا أحب السينما”.

ويردف “لا أدري ما إذا كان الخيار ماديا فقط. أوافقك في أن الإنسان يمكن أن يمضي إلى جهة فيها راحة واستقرار، ولكن في المحصلة هل هذا النموذج المهني الذي أبحث عنه؟ هناك أمور داخلية تدفعك أحيانا إلى الشيء الذي تحبه، لأن كل هذه الأشياء من التعابير الفنية هي الإنسان بكل ما يختلج في نفسه من أحاسيس ومشاعر، وأنا سعيد بهذا الخيار”.

المجال مفتوح لتشتغل سينما المؤلف أو السينما الملتزمة التي ميزت السينما الجزائرية جنبا إلى جنب مع الفيلم التجاري

وعن الحالة أو اللحظة التي صنع فيها الخيار، يقول “في المحصلة كل إنسان يحب أن يكون شيئا مما يشده. يوجد أناس يحبون الغناء أو الموسيقى، وأناس حتى لو صار الواحد منهم بروفيسورا في الفيزياء، ربما يبقى لديه مثلا حب التوجه للمهن اليدوية. كنت محبا للسينما المبنية على الخيال والأحلام التي تنفتح على الآخر، وكان الأمر موجودا كحلم، وأتت مناسبة وصدفة أن التقيت بالأستاذ أحمد راشدي، ومن هنا ربما انطلقت البداية التي أبحث عنها، واشتغلت في هذا المجال، ولكنني بقيت لفترة بين أخذ ورد بين السينما وبين عملي المهني كطبيب، إلى أن اتخذت قرارا نهائيا بالاتجاه إلى السينما”.

ولأن المخرج أحمد راشدي، أو عراب السينما الثورية في الجزائر، هو مصدر إلهامه الأول، يرد على سؤال لـ”العرب” في هذا السياق بالقول “أحمد راشدي تجربة متميزة، هو من أعمدة السينما الجزائرية وينتمي إلى جيل مخضرم عاش الجهاد والثورة وعاش الاستقلال، وكان من الجيل الأول الذي تكوّن في السينما، وبالتأكيد في بداية بناء الإنسان تكون الخيارات المتاحة أمامه كبيرة، فأن تختار السينما يعني أن هناك حبا لها بالداخل”.

ويضيف “أحمد راشدي، على المستوى الإنساني، متواضع، طيب، لصيق بالوطن والمجتمع، واضح الانتماء، كريم يقتسم ما لديه مع الآخرين، وأيضا هو مثقف وقارئ ومطلع وأدار مؤسسات سينمائية منذ الاستقلال. أما على المستوى الفني بالتأكيد بدأت السينما مع الأستاذ راشدي، فتلقفت ألف باء السينما من عنده ومن خلال عملي معه، وهناك أمور تحصل لك في البداية وتبقى بذاكرتك دائما. أحكي لك مثلا: كنا في الفيلم الأول ونحن نصور مشاهد الحرب، قال لي هذا سلاحك الخاص. ألست جامعيا، هذا هو قلمك الخاص، ولا يجب أن يبتعد عنك أبدا. العسكري لا يترك سلاحه وتلك الملاحظة بقيت عندي في كل الأفلام التي صورتها، أي تقمص الشخصية الحقيقي”.

ويلفت كشاش إلى أن العلاقة بين المخرج والممثل فيها نوع من التواطؤ، فهما يتعاملان معا كشريكين، وهذا النوع من التعامل حبه كثيرا، حيث يكون هناك تقاسم في الرؤية يعطي ويوصل المعلومة وبعدها يأخذها الممثل ويعطيها بُعدها التمثيلي، وقد أنجز معه خمسة أفلام تاريخية وثورية بدءا من الشهيد بن بولعيد إلى العقيد لطفي، وشارك في الفيلم ما قبل الأخير “أسوار القلعة السبعة”.

اليوم توجد سينما شبابية طموحة لها رؤية خاصة للتاريخ الجزائري وتصور مختلف للواقع بمقاربات من زوايا جديدة
اليوم توجد سينما شبابية طموحة لها رؤية خاصة للتاريخ الجزائري وتصور مختلف للواقع بمقاربات من زوايا جديدة

وحول الأساس الذي يعتمده في اختيار أدواره، وإمكانية تدخله فيه شكلا أو مساحة بينية، يذكر حسان كشاش “السيناريو هو كتابة أولى للفيلم، ثم يأتي التصوير وهو الكتابة الثانية، ثم يأتي المونتاج، أنت محكوم في البداية بسيناريو، ولسنا هنا فقط بصدد عمل تاريخي أو ذاتي، ولكن نتكلم عن  شخصيات اشتغل عليها، وفيها كاتب سيناريو ولديه مادة تاريخية ولجنة قراءة وافقت عليها”.

ويتابع “أنا لا أتدخل في هذا الموضوع، يمكن أن أعطي رأيا على مستوى الشخصية عبر اقتراحات تبحث في الشكل أكثر مما تبحث في المضمون ودائما يكون هناك أخذ ورد، وهذا يتحدد حسب نوع الفيلم”.

أما عن سر اختياره لأدواره في السينما والدراما، هل هو الدور أم العمل عموما؟ فيجيب “بالتأكيد هناك عدة عوامل، أولا ماذا ستعمل ومع من، ويأتي في ما بعد الجانب المادي، ولكن الشخصية هي التي تشدني، فلا أحبذ شخصية دون اهتزازات ولا تلك التي ليس فيها عمق. تشدني الشخصيات المركبة التي من خلال مسارها تواجهك صعوبات وعوائق، فتحاول وتجتهد لتلافيها أو تتأقلم معها أو تغير في سلوكها وتعاملها مع الموضوع، وكل ما كان هذا النسيج مركبا أكثر وفيه كل الحالات من فرح وحزن وغضب وإحباط ويأس يستهويني، وبعد ذلك يأتي التعامل مع مخرج قوي يستطيع أن يخرج مني أشياء أجهلها أنا”.

أما عن دور تكوينه الأصلي كطبيب، في أداء دور طبيب سبق أن اختطفه المتشددون واحتجزوه عندهم لمعالجة جرحاهم، في فيلم “بانتظار الوقت”، يذكر “قد يساعدني بمسائل شكلية، ولكن المشاهد المتعلقة بالمستشفى والطبيب لم تكن كثيرة، الشخصية هي طبيب مختص، وفي مرحلة ما يجب أن يتزوج ابنة عمه ولديه مشكلة عائلية ومشكلة مهنية ليصبح رئيس قسم بمستشفى، وجرت أحداث غير متوقعة، هنا ساعدني بالأمور التقنية.. مثلا أنا دخولي كطبيب في المستشفى، وكيف أمشي بين الأقسام وعلاقتي بالمرضى وتعاملي معهم بالنسبة إلي حركة عادية، مما يجعل الأمور تسير بسلاسة”.

ويضيف “أعطيك مثالا آخر: عندي مشهد في مسلسل ‘الخاوة’ يتوجب عليهم فيه أن يأخذوا مني الدم، وعندما أتى المخرج سألني كيف نعمل ذلك؟ قلت له نعم تأخذوا الدم. استغرب قائلا: أتفعلها؟ قلت له عادي أنا متعود على هذا الفعل ليس غريبا عني، ولكن لدينا فرصة واحدة للتصوير، وعندما يكون الاشتغال على الطبيب كطبيب، ليس كالاشتغال في الفيلم على الطبيب كمهنة، بقدر ما هو على تجسيد الطبيب لحالة نفسية أو اجتماعية في السينما، بما يعني أن الفيلم لن يسير نحو الأمور التقنية، ولكنه يهدف إلى تبليغ رسالة مقنعة للمشاهد”.

الصناعة السينمائية

سينما الثورة ما زال لها ما تقوله
سينما الثورة ما زال لها ما تقوله

ردا على سؤال حول غياب صناعة النجم في الجزائر رغم وجود أسماء لامعة في السينما والدراما بشكل عام، يقول كشاش “أولا يجب أن تكون هناك صناعة سينما. عندنا إنتاجات، ولكن هل نمتلك أرضية ومنتجين خواصا يستثمرون برأسمالهم؟ هنا تصبح المعادلة بين المنتج الذي يستثمر المليارات، والتوجه لصناعة النجم، الأمر شبيه بفريق كرة القدم الذي يأتي باللاعب المتميز فتدخل العملية ببعدها الاقتصادي، إذن يجب أن نمضي كل مرحلة في الفترة الخاصة بها، ففي البدء يتوجب بناء صناعة سينمائية وصناعة دراما تلفزيونية، لتأتي صناعة النجوم كتحصيل حاصل. الإمكانيات موجودة ولكن يجب أن نشرع في مقاربة عقلانية للمسألة”.

وعن رؤيته الشخصية لهذه الإشكاليات، يرى أن “الصناعة بحاجة إلى ما قبل وما بعد، ما قبل هو التكوين للعاملين في المجال السينمائي والفنيين والتقنيين وكتاب السيناريو، ثم تأتي صناعة الفيلم التي تقوم على البنى التحتية المرافقة للعملية وما تقدمه من خدمات من أكل ونقل وديكور وإكسسوارات، يجب أن يكون هناك مهنيون مختصون يعملون عليها، ليأتي في ما بعد سؤال أين نصرف هذه البضاعة التي أنتجناها؟”.

ويتابع “يلزمنا موزعون، كيف نوزع الفيلم داخل وخارج الوطن؟ وكل مرحلة لها متطلباتها. وتأتي القاعات السينمائية في ما بعد. هل توجد قاعات سينما؟ موجودة وحسب الوضع الحالي أكثر من 80 قاعة جاهزة، والوزارة تبحث في الصيغة الأنسب التي يمكن من خلالها استغلال هذه القاعات، والمفروض ألا يتأخر الموضوع لوضع دفتر شروط لدخول المهتمين بالموضوع”.

في الجزائر هناك حاجة ملحة وموضوعية وواجبة للاشتغال على الهوية والذاكرة والشخصية من خلال السينما

ويلفت إلى أنه “إلى حد الآن الدولة تنتج كل الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية بممولين خواص، والكمية مستمرة ومرشحة لأن تتطور أكثر، بحكم عدد القنوات المنتشرة التي تهتم بالإنتاج الدرامي والسيتكوم والتوك شو، وغيرها. والدراما قادرة على أن تتقدم أكثر وتتوسع بقدر ما يكون هناك تمويل أكثر، وهذا مرتبط بعملية انتعاش اقتصادي والعودة إلى النشاط الطبيعي الذي كان ما قبل كورونا، وهو ما سينعكس على الكل، وبعدها نصل إلى سؤال كيف يمكن أن نفتح مجالا للسينما الخاصة والفيلم التجاري؟”.

ويواصل “يجب أن يشارك في السينما رجال الأعمال المهتمون بهذا الاستثمار ويرونه مربحا، وأيضا البنوك يمكن أن تدخل من خلال عملها أثناء الانتظار لتقديم تمويلات أساسية للإنتاج وتمكين أصحابها من الاستمرار. مهمة وزارة الثقافة توفير البنى التحتية والسياسة الثقافية العامة، وليس الدخول في تفاصيل إنتاجية صغيرة، هي منظمة تدعم وتعطي مساعدات للفيلم عبر المركز السينمائي، ولكنْ هناك إشراك أيضا للتلفزيون الذي يدخل في عملية صناعة الفيلم. نحن ما زلنا نفتقر إلى المنتجين الخواص لندخل العملية التجارية كنشاط اقتصادي”.

وعن جدوى استمرار إنتاج السينما الثورية، وقدرتها على تسويق الصورة التاريخية بعد مرور عقود كاملة على الاستقلال الوطني، خاصة في ظل محاولات التمرد على الرواية الرسمية، يرى كشاش أنه “عندما نتحدث عن المخرجين الأوائل راشدي ولخضر حامينا وعمار العسكري، يتوجب أن نتحدث عن التجربة خاصة وأن في الجزائر هناك حاجة ملحة وموضوعية وواجبة للاشتغال على الهوية والذاكرة والشخصية وكل

Thumbnail

تضحيات الشعب الجزائري خلال الثورة، وهذه الضرورة أرى شخصيا أنها لا تزال قائمة، لكن كيف يمكن أن نشكل الفيلم الجديد، وكيف يمكن أن نسوقه، وما هي المقاربة المناسبة؟”.ويردف

“يمكن الاشتغال على سيناريوهات كثيرة تتكلم عن ثورة التحرير وتضحياتها، مثلا موضوع الطلبة في الثورة لا يوجد حوله سوى فيلم أنجزته ريم لعرج، وفي المحصلة ما أنجزناه من أفلام عن ثورة التحرير لا يرتقي إلى مستوى الثورة ولا إلى جزء من التاريخ، لأن التاريخ إنجاز عظيم مشترك للشعب الجزائري، وما يجعل للأمر قيمة هو الإنجازات المشتركة الكبرى بين أفراد الشعب، وعليه يستوجب أن يبقى هذا التاريخ مرجعية، ولكن الإشكالية كيف نقدمها؟”.

ويفصل في الأمر بالقول “يمكن بكتابة السيناريو أن تأخذ جزئيات مختلفة، وكم عدد الشخصيات الثورية التي تناولناها بأفلام سينمائية؟ إنها بعدد الأصابع، هل أنجز ما يكفي؟ هذه السينما الأميركية تتكلم عن رؤساء أميركا في العشرات من الأفلام وكل فيلم له رؤية، وأيضا كيف يمكن أن تنجز فيلما بمقاييس عالمية؟ التحدي موجود ويجب الاشتغال عليه، وكان هذا منذ البداية، ولكن في ما بعد أتت أفلام اجتماعية أخرى مثل ‘ليلى والأخريات’ والأفلام الكوميدية”.

ويتابع “اليوم توجد سينما شبابية بطموح الشباب الخاص ورؤيتهم لهذا العمل وتصورهم للواقع، وبمقاربات لكل منهم من زاويته الخاصة، ولكن المجال مفتوح لتشتغل سينما المؤلف أو السينما الملتزمة التي ميزت السينما الجزائرية، جنبا إلى جنب مع الفيلم التجاري، لأنه يمكن إشراك الفيلم التجاري من أجل تكوين صناعة سينمائية، والمجال مفتوح حيث يمكن أن تجد أفلاما بموضوعات متنوعة بما فيها الفيلم التجاري، ليس بالضرورة أن تكون المعادلة إما سينما ثورية أو سينما أخرى.. يمكن أن يسيرا مع بعضهما البعض”.

ويبقى الفنان حسان كشاش واحدا من القامات الواعدة في السينما والدراما الجزائرية والعربية، فعلاوة على أعماله داخل بلاده في عدة أعمال مختلفة، شارك في الفيلم التونسي الجزائري “النخيل الجريح” للمخرج عبداللطيف بن عمار، وفيلم “الحياني” للمخرج المغربي كمال كمال، فضلا عن المسلسل السوري “خاتون”، للمخرج تامر إسحاق والمثنى صبح.

15