قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين يفجر جدلا واسعا في تونس

احتدمت السجالات في تونس قبيل عرض مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة على البرلمان، حيث تتخوف أوساط حقوقية من أن يعيد هذا القانون ممارسات خنق الحريات إلى الواجهة، بينما يواصل ناشطون تنظيم حملات مناهضة له، في وقت يرى فيه المنتسبون للقطاع الأمني سندا قانونيا ضامنا لحقوقهم في خضم مواجهتهم للإرهاب والعديد من الظواهر الأخرى على غرار تفشي الجريمة في البلاد.
تونس - فجر قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة جدلا واسعا في تونس مع انطلاق دورة برلمانية جديدة لن تقل سخونة عن سابقتها حسب المتابعين، حيث تشكل القوانين المستعجلة أول اختبار لبرلمان مشتت غارق في المعارك الحزبية.
وبدأ البرلمان منذ الثلاثاء مناقشة القانون وسط تنديد واسع من قبل المنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب، وفيما يرى هؤلاء أن تمرير هذا القانون يشرع للإفلات من العقاب كما من شأنه أن يمس من حرية التعبير والتظاهر ما يستوجب بالضرورة إسقاطه، يدعم آخرون القانون بحجة حماية القوات الأمنية من الاعتداءات المتكررة بحقهم خاصة الجرائم الإرهابية.
ويحتاج تمرير هذا القانون إلى تصويت 109 نواب على الأقل (من أصل 217)، ويرجح المتابعون السهولة في تمريره في ظل توفر غالبية برلمانية (الترويكا الجديدة: حزب النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة)، والتي ستعمل على استهداف خصومها من المعارضة عبر تطبيق القوانين المتسقة مع رؤيتها للحكم.
وبالتزامن مع مناقشة القانون نظمت حملة “حاسبهم”، التي تضم نشطاء في المجتمع المدني، حركة احتجاجية أمام البرلمان تنديدا بالقانون. واندلعت مناوشات بين رجال الأمن وعدد من المحتجين.
واعتبرت منسقة حملة “حاسبهم” مريم صوالحية في تصريح لإذاعة محلية خاصة أن قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة مخالف للدستور والمعاهدات الدولية، ومن شأنه أن يكرس ثقافة الإفلات من العقاب. وأضافت أنّ هذا القانون فيه اعتداء على مكتسبات المواطنين لما يتضمنه من فصول وصفتها بالخطيرة لأنها تمسّ من الحق في الحياة.
ودعت نقابات ومنظمات حقوقية وطنية ودولية الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ممارسة حق النقض طبقا للفصل 81 من الدستور بخصوص عدد من المبادرات التشريعية المعروضة على البرلمان للنظر فيها والتي اعتبرتها تمثل تهديدات ومخاطر، مشيرة إلى أن لرئيس البلاد أن يقوم برد مشروع القانون مع التعليل إلى البرلمان.
لا إجماع على قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة


وعبرت هذه المنظمات (النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ومراسلون بلا حدود ومنظمة العفو الدولية – فرع تونس- والنقابة العامة للإعلام والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) في رسالة مفتوحة وجهتها الثلاثاء إلى الرئيس عن ’’عميق انشغالها إزاء هذه المبادرات التشريعية والمتضمنة للعديد من الأحكام القانونية التي من شأنها ضرب المسار الديمقراطي‘‘.
وحذرت من سيطرة بعض الكتل البرلمانية على عدد من المؤسسات الضامنة للحياة السياسية والدستورية على غرار المحكمة الدستورية، إضافة إلى تهديد الحقوق والحريات الدستورية مثل حرية التعبير والإعلام عبر زجر انتقاد مؤسسات الدولة وموظفيها أو إسناد صلاحيات واسعة للسلطات الأمنية بمناسبة إعلان حالة الطوارئ.
وبدورها أبدت أحزاب معارضة رفضها القطعي لتمرير هذا القانون.
وأكد محمد العربي الجلاصي القيادي بحزب التيار الديمقراطي لـ”العرب” أن “حزبه يرفض هذا القانون باعتباره خارج السياق التونسي الذي يريد تكريس الديمقراطية لا تقويضها”.
وبدل سن قانون يهدد الحريات، دعا الجلاصي إلى”إرساء منظومة الأمن الجمهوري التي تؤسس لاحترام متبادل بين المؤسسة الأمنية والمواطن”. وبرأيه فإن “الأمن الجمهوري بوسعه أن يدافع عن التونسيين ويحيي حرية التعبير بدل تهديدها”.
وتابع “لا نريد قوانين تسهم في تراجع الحريات تحت أي مسمى”، مستدركا “لذلك قررنا في التيار الديمقراطي التصويت ضده ونحن مستعدون لكل الأشكال النضالية بهدف معارضته وإسقاطه”.
وأشار الجلاصي إلى وجود مبادرات أخرى لحماية القوات المسلحة مثل مبادرة التيار الديمقراطي التي اقترحها سنة 2016 وتطالب بتقديم التعويضات المالية للعناصر الأمنية ضحايا العمليات الإرهابية والاعتداءات.
في المقابل، يعتبر منتسبو القطاع الأمني أن القانون سند تشريعي لعملهم وحماية لهم من اعتداءات محتملة، حيث يهدف القانون إلى إيجاد حماية قانونية للقوات الأمنية والعسكرية والديوانة (الجمارك)، في مواجهة العمليات الإرهابية.
ويذكر مراد بن صالح، الكاتب العام للنقابة الجهوية لقوّات الأمن الداخلي بمدينة المنستير الساحلية، لـ”العرب” أن رجل الأمن اليوم الذي يطبق القانون غير محمي؛ وهو ما شرع، حسب رأيه، لتواصل الاعتداءات بحق القوات المسلحة من قبل منحرفين وإرهابيين.
وأوضح أن مطالبة نقابات الأمن بتمرير هذا القانون لا تعني بالضرورة تقويض الحريات. وشرح قائلا “نريد أن تكون المنظمات الوطنية والحقوقية شريكة في هذا القانون”. وتابع “لا نريد أن نؤسس لقانون متغطرس ومانع للحريات وفي نفس الوقت نطالب بملاحقة مشددة للمعتدين حمايةً لهيبة الدولة”.
وفشل البرلمان خلال دورات سابقة في تمرير هذا القانون لما تلقّاه من معارضة وانتقادات حادة خاصة في صيغته الأولى ما استوجب تعديل بنوده بشكل لا يتعارض مع الحقوق الفردية والعامة ولا يسمح بالتجاوزات من طرف قوات الأمن.
ونقلت وسائل إعلام عن نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو قولها إنه “على الرغم من التعديلات الإيجابية على مشروع القانون المقترح التي أزالت الانتهاكات المروعة على الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، التي كانت موجودة في المسودات السابقة، لا يزال مشروع القانون يحتوي على أحكام من شأنها أن تعيق المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
وتم إيداع القانون في البرلمان لأول مرة في أبريل سنة 2015 من طرف وزارة الداخلية في عهد رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، لكن وقع سحبه من البرلمان بعد أن أثار موجة جدل كبرى بسبب رفض المجتمع المدني الأحكام المبالغ فيها في البعض من فصوله، ليقع تعديله فيما بعد.