قانون الإيجار القديم يضع الحكومة المصرية في مواجهة قدامى المستأجرين

القاهرة– استقبل المصري محمد شجاع، رب أسرة مكونة من أربعة أبناء، إعلان مجلس النواب عن استقبال مشروع قانون تنظيم الإيجار القديم من الحكومة بقلق بالغ، خشية أن يكون مصيره وأسرته الشارع، بعد الطرد أو الملاحقة القضائية مستقبلا، حال تم تمرير مشروع قانون من البرلمان لا يتضمن نصوصا قاطعة تؤمّن المستأجرين القدامى من التشريد.
وكشفت لجنة الإسكان بمجلس النواب أن مشروع قانون تنظيم الإيجار القديم للوحدات السكنية سيتم الانتهاء منه في أقرب وقت، بعد أن قدمته الحكومة إلى البرلمان رسميا، وسيتم فتح حوار مجتمعي حوله قبل المصادقة عليه كي تصبح كل الأطراف راضية، لكن تلك الرسالة لم تُطمئن الأب محمد شجاع.
وهناك نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم على مستوى أقاليم مصر، منها 80 في المئة بمحافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) والباقي موزعة على محافظات الدولة.
وتسعى الحكومة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية الذي أقر عدم صحة تثبيت القيمة الإيجارية لأنها لا تتماشى مع الوقت الحالي.
3
ملايين وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم على مستوى أقاليم مصر، منها 80 في المئة بمحافظات القاهرة الكبرى
ووفق لجنة الإسكان في مجلس النواب، فإن المقترح المقدم من الحكومة بمشروع القانون الجديد ينص على ألا تقل القيمة الإيجارية عن ألف جنيه شهريا (نحو 20 دولارا) للوحدات السكنية في المدن والأحياء الحضرية، وخمسمئة جنيه للوحدات الموجودة في القرى مع إقرار زيادة سنوية في قيمة الإيجار بنسبة 15 في المئة، وهو ما يراه الأب “شجاع” كارثة للمستأجرين القدامى.
وقال “أنا رب أسرة يمشي حياته منذ سنوات على دفع مقابل مادي هزيل للغاية في إيجار الوحدة السكنية، وتعايشت ووزعت إنفاقي الشهري على ذلك، كيف في يوم وليلة أكون ملزما بدفع مقابل مادي يساوي قرابة التسعين ضعفا مرة واحدة، بلا مراعاة للظروف المعيشية أو منحٍ الأسر المستأجرة فترة انتقالية للاستعداد للوضع المقبل.”
وأصبح الرجل على قناعة بأنه سيتعرض للطرد الحتمي برفقة أولاده، فهو على المعاش ويتقاضى مكافأة زهيدة من الجهة التي كان يعمل بها سابقا، وليس لديه مصدر دخل آخر، وهو حال الغالبية من المستأجرين القدامى، حيث أن أغلبهم من المتقاعدين واستأجروا تلك الوحدات السكنية منذ عقود طويلة ولم يخرجوا منها إلى مساكن جديدة.
وما يصيب شجاع بالصدمة أن مشروع القانون المقدم من الحكومة إلى البرلمان ينظم إجراءات إخلاء الوحدات، وينص على إنهاء مدة عقد الإيجار الخاص بالأماكن التي يشملها القانون خلال خمس سنوات من تاريخ العمل به، وهذا يعني أن صاحب العقار من حقه طرد المستأجر وعدم تمديد عقد الإيجار مهما حاول إغراءه ماليا بالزيادة.
ولا تعارض الشريحة الأكبر من المستأجرين القدامى فكرة أن تكون هناك زيادة معقولة في القيمة الإيجارية لمصلحة الملاك الأصليين، لكنهم لا يعرفون إلى اليوم ما هي الضمانات التي ستحمي حقوقهم وحقوق أبنائهم في المستقبل، وماذا لو رفض صاحب العقار إعادة إيجار وحداتهم لنفس السكان، هل تقبل الحكومة طردهم من منازلهم دون حمايتهم من التعسف المستقبلي؟
ويدافع برلمانيون مؤيدون للتشريع الجديد بأن هناك ما يقرب من ستمئة ألف وحدة سكنية تندرج تحت الإيجار القديم، لكنها وحدات مغلقة، فلا يستفيد منها المالك الأصلي أو الدولة ولا يستنفع بها المستأجر، والأخير يتركها مغلقة بذريعة أنها تخصّه وفق عقد مبرم منذ سنوات ولا يحق للمالك التعرض له أو للوحدة، وهذا يصعب استمراره لأنه يسبب خسائر فادحة للمالك.
ووفق قانون الإيجار القديم، الذي ترغب الحكومة في نسفه كليّا، يسمح بتوريث العقار أو الوحدة إلى ورثة المستأجر حتى الجيل الخامس، والتعديلات أقرّت أن يكون التوريث لجيل واحد، أما لو انتهى عقد الإيجار سيكون من حق المالك الحصول عليه بالقضاء المستعجل، وهو ما يراه أغلب المستأجرين بداية لإخراجهم قسريّا.
وأمام الجدل المتصاعد مجتمعيا وحالة الغضب الواسعة ضد الحكومة، اضطرت الأخيرة إلى اللجوء لإجراء حوار مجتمعي موسّع حول مشروع القانون الجديد، وقالت إنها تتعهد بأن يكون متوازنا ويضمن حقوق طرفي الأزمة، حيث تُدرك جيدا أن هذا الملف بمثابة لغم اجتماعي وأمني قد ينفجر في وجهها بأي وقت، وتصطدم بتمرّد أي فئة من الاثنين إذا شعرت بأن القانون يظلمها.
ويرى مراقبون أن الخطر الاجتماعي الأكبر مرتبط بإقدام الحكومة على تحرير القيمة الإيجارية، لأن المستأجرين القدامى لن يكون بوسعهم تحمل صعوبات العيش في وحدة سكنية مستأجرة بأسعار السوق العقاري حاليا، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم من أصحاب المعاشات ومحدودي الدخل، وقد يضطرون إلى الانتفاض ضد الحكومة أمام شحّ الخيارات.
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الدخول في مواجهة مع أكثر من ثلاثة ملايين أسرة ليس بالأمر السهل، أمنيا وسياسيا، وله تداعيات مجتمعية خطيرة، إذا كانت الحلول البديلة شبه منعدمة ووجد المستأجرون القدامى أنفسهم أمام خيارين، التمرد على القانون بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج أو الاحتجاج ضد الحكومة لتجمّد تحرير الإيجار.
مجلس النواب يعوّل في سعيه نحو تمرير قانون الإيجار القديم على أن الأغلبية المجتمعية ليست متعاطفة مع تأجير وحدة سكنية بمبلغ زهيد للغاية ولم يعد يساوي شيئا
وتحتمي الحكومة بالحكم الدستوري الخاص بعدم ثبات القيمة الإيجارية، بحيث لا يتم تحميلها مسؤولية التدخل لصالح الملاك أو المستأجرين، لأن علاقتها بالمواطنين متوترة، وتدخّلها يُفهم على أنه جزء من خطة تستهدف الحصول على عوائد مالية من ملاك العقارات على حساب جيوب المستأجرين القدامى.
وفي مؤتمر صحافي عقده رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أخيرا، قال إن الحكومة تستهدف الوصول إلى حالة من التوازن لرعاية مصالح الطرفين، والتعديلات الجديدة ستكون في صورة مشروع قانون لرفع القيمة الإيجارية وتحديد مدة زمنية انتقالية لا تقل عن خمس سنوات لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، وهذا منطق يجب تقبّله.
وعلى النقيض من حالة رب الأسرة محمد شجاع، تنفس الستيني رأفت حماد الصعداء، لأنه يمتلك عشر وحدات سكنية ومحلين تجاريين في القاهرة القديمة، معتبرا أن توجه الحكومة نحو تحريك القيمة الإيجارية ووضع حد أدنى لها، وتحرير تلك التسعيرة خلال خمس سنوات، هو انتصار أعاد الحقوق الضائعة لمالكي عقارات الإيجار القديم.
وقال حماد لـ”العرب” إنه يصعب على أي عاقل أن يستوعب تأجير وحدة سكنية بقيمة مالية قد لا تشتري علبة سجائر واحدة، معقبا “هذا موجود بالفعل، ومن الظلم استمرار تلك الوضعية، وما تفعله الحكومة حاليا قمّة الإنصاف لأن المالك الذي لديه وحدات سكنية بقيمة تتجاوز 50 مليون جنيه (مليون دولار) لا يتحصل منها شهريا سوى على مئات الجنيهات.. هذا قمة القهر”.
ولفت إلى أن الظروف المعيشية لأصحاب الوحدات السكنية المستأجرة قديما بالغة السوء، وقد يعمل أحدهم في وظيفة لا يقبلها كي يجلب عائدا ماليا، رغم أن لديه منزلا يساوي ملايين الجنيهات، لكنه بنظام الإيجار القديم، وإذا كان المستأجرون يشكون من الطرد، فالملاك لديهم حقوق مغتصبة منذ سنوات وبعضهم عانى من الطرد أيضا.
وبلغ الأمر حد قيام بعض مالكي الوحدات القديمة باستئجار منازل لأولادهم للزواج فيها، مع أن لديهم شقة سكنية مستأجرة بمبلغ زهيد. ووفق حماد، الذي قال “هذا حرام ولا يمكن تبريره، لمجرد أن الظروف المعيشية صعبة، فهي بالغة القسوة على الجميع، ومن حق المالك الحصول على عائد مادي معقول، فلا يُظلم ولا يظلم، وهذا ما ستفعله الحكومة.”
وحاول عدد من أعضاء البرلمان طمأنة المستأجرين الذين قد يودّعون منازلهم في أي وقت، بأنه سيتم منح من ينطبق عليهم مشروع القانون الجديد وحدات سكنية (إيجار أو تمليك) من الوحدات السكنية التي تبنيها الدولة وتمنحها للمواطنين بأسعار معقولة، بحيث لا تتعرض أي أسرة للتشريد ولا تجد منزلا، وهذا ما ترفضه الشريحة الأكبر من المستأجرين القدامى.
وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زايد أن ملف الإيجار القديم بالغ الحساسية لأنه يرتبط بشريحة جماهيرية كبيرة، وإنجازه مهمة صعبة في توقيت دقيق، وهذا ما يستدعي وقوف مجلس النواب على الحياد والتوازن بين حقوق الطرفين، سواء الملاك أو المستأجرين، ويجب مراعاة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية بشكل متكامل وإلغاء هواجس الطرد.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الحوار المجتمعي الحقيقي والفعّال هو السبيل الوحيد لمراعاة شواغل كل أطراف الأزمة، لأن الأجواء المشحونة بالترقب والقلق والتربص أحيانا، وهذا يشكل عبئا على الحكومة ومجلس النواب للوصول إلى حلول توافقية وعادلة تضمن حقوق الجميع مع حتمية الابتعاد عن الحلول الأحادية ونسف فكرة أن الحكومة مستفيدة من تعديل الإيجارات.
ويعوّل مجلس النواب في سعيه نحو تمرير قانون الإيجار القديم على أن الأغلبية المجتمعية ليست متعاطفة مع تأجير وحدة سكنية بمبلغ زهيد للغاية ولم يعد يساوي شيئا، ورغم ذلك يرفضون زيادته بنسب معقولة ويهددون بالتصعيد، لكن هؤلاء لا يُدركون أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هو صاحب مبادرة إنهاء الإيجار القديم أو التوازن في الحقوق.
وقدّر السيسي قيمة الوحدات السكنية المغلقة بسبب عدم استغلالها كونها تخضع للإيجار القديم بقيمة تريليون جنيه (الدولار= 50 جنيه)، وهذا رقم ضخم لا أحد يستفيد منه. فلا الدولة تحصل على حقوقها، ولا المالك الأصلي يستفيد بعائد مادي شهري معقول نظير الإيجار، ولا حتى المستأجر يقيم في الوحدة السكنية أو حتى يؤجرها للشباب الذي يعاني من أزمة سكن.
وبقطع النظر عما ستؤول إليه الأزمة، فإن الحكومة مطالبة بالتعامل مع ملف الإيجار القديم بحكمة وعدم الدخول في صدام يمكن توظيفه سياسيا، لأن القضية سبق وأغلقتها حكومات متعاقبة لحساسيتها الاجتماعية التي حالت دون التوصل إلى صيغة تُرضي كل الأطراف، ودون ذلك قد تصطدم بتمرّد ملايين الأسر ليس لديها ما تخسره إذا تم تهجيرها قسرا من منازلها.