قانون إعلام جديد لضبط مواقع التواصل المثقلة بالقيود في سوريا

تفاعل ناشطون وصحافيون سوريون مع إعلان وزير الإعلام السوري بطرس حلاق عن قانون جديد للإعلام يضبط مواقع التواصل الاجتماعي ويدعم الصحافيين، لكنهم لم يشاركوه التفاؤل بخصوص إمكانية تطوير الخطاب الإعلامي ليكون قادرا على ملامسة هموم الناس التي لا يستطيع الصحافيون التطرق إليها.
دمشق- كشف وزير الإعلام السوري بطرس حلاق عن إجراءات جديدة يتم العمل عليها لـ”بناء قانون إعلام جديد لملء المساحات التي لم يشملها قانون الإعلام السابق”، ووضع مسار قانوني للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي التي تخضع للكثير من القيود في التعامل معها تحت طائلة عقوبات مشددة.
وأضاف حلاق خلال لقاء بأعضاء “لجنة الإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات” في البرلمان السوري الإثنين أن القانون سيكون “داعما للصحافيين ويضمن حقوقهم” وطالب بـ”تطوير الخطاب الإعلامي حيث يكون أكثر قدرة على ملامسة همومه”.
وذكرت مصادر خاصة أن قانون الإعلام الذي وعد بإصداره الوزير السابق عماد سارة مرارا ولم ير النور، عاد من جديد إلى طاولة النقاش عقب تسلم الوزير حلاق، وهناك مجموعات عمل بدأت بالفعل دراسة القانون وتعديله.
وأضافت المصادر أن القانون المرتقب من شأنه معالجة بعض القضايا والمشكلات الأساسية التي تتعلق بمساءلة الصحافيين ومنح التراخيص.
وبحسب حلاق تقوم خطة الوزارة “على سياسة استراتيجية مبنية على الانتقال إلى إعلام الدولة والتركيز على الخطاب الإعلامي المتفائل المبني على منطق الحلول بعيدا عن توصيف المشكلات فقط بما يناسب المرحلة الحالية، مرحلة البناء والاستقرار إضافة إلى الانتقال من الإعلام المنفعل إلى الفاعل وتفعيل دور الإعلام المؤسساتي البعيد عن المركزية”.

بطرس حلاق: خطة الوزارة تقوم على الانتقال من الإعلام المنفعل إلى الفاعل
وذكر حلاق في ختام ورشة عمل “صحافة الحلول المجتمعية” الأربعاء الماضي أن القانون الجديد نظم مسألة الصحافة الإلكترونية التي فرضتها ظروف مؤقتة، لافتا إلى أن وزارة الإعلام تعمل على إعادة ترتيب بيتها الداخلي منذ نحو شهرين.
وبدت تصريحات الوزير غير مقنعة للعديد من الإعلاميين والصحافيين السوريين الذين يرون أنه لا بوادر إيجابية لتحسين واقع الحريات الإعلامية في سوريا، واعتبروا أن الحكومة بصدد سن قوانين من شأنها تطبيق المزيد من التضييق على الصحافيين وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال صحافي في مدينة حلب (رفض الكشف عن اسمه) إن حديث وزير الإعلام عن الخطاب الإعلامي المتفائل البعيد عن طرح المشكلات فقط، يلمّح إلى إمكانية معاقبة كل من ينتقد سياسات الدولة ويسلّط الضوء على المشكلات وهموم السوريين.
وتساءل صحافي آخر عن كيفية تطبيق وصفة الوزير بالبحث عن الحلول دون التطرق للمشكلات الممنوع الحديث عنها أصلا، وكيف يمكن صناعة إعلام متفائل في ظل واقع مزر تشتكي منه الغالبية الساحقة من السوريين.
واعتبر الصحافي أن هذه القوانين تتمة لسابقاتها، للتضييق على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل قانوني، على غرار إنشاء فرع مكافحة الجرائم الإلكترونيّة.
وأصدرت الحكومة السورية العام الماضي قانونا لإنشاء محاكم مهمتها البحث في “جرائم المعلوماتية والاتصال”، ووفقا للمادتين الأولى والثانية من القانون فإنه “ستنشأ نيابة عامة، ودوائر تحقيق، ومحاكم جزائية بدائية، واستئنافية في كل محافظة، للنظر في جرائم المعلوماتية والاتصالات”.
وغالبا ما يصف المسؤولون السوريون صفحات التواصل الاجتماعي بأنها ساحة لنشر الشائعات وأنها تحول الأزمة لأزمات وأن الإشاعة قادرة على التلاعب بطبيعة الأزمة فتحولها من أزمة خدمية واجتماعية إلى سياسية، وهو المبرر الذي تسبب باعتقال الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وزاد عدد الاعتقالات في سوريا بسبب الأنشطة على الإنترنت في الأشهر الأخيرة وذلك من أجل إسكات السخط العام المرتبط بالأزمة الاقتصادية في سوريا. فاقتصاد البلاد ينهار تحت وطأة الحرب والعقوبات وكوفيد – 19، لكن الانتقاد العلني لتدهور الأوضاع المعيشية أمر غير مقبول.
واعتقلت قوات الأمن ناشطين بسبب منشورات عبر الإنترنت تتراوح بين التفاعل بإبداء “إعجاب” على تعليق على فيسبوك يأسى للمصاعب المتزايدة وينتقد الحكومة وتصريحات تنتقد فساد الدولة.
القانون المرتقب من شأنه معالجة بعض القضايا والمشكلات الأساسية التي تتعلق بمساءلة الصحافيين ومنح التراخيص
وأكد رئيس اتحاد الصحافيين السوريين موسى عبدالنور في وقت سابق أن صحافيين احتُجزوا بسبب تعليقاتهم على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس بموجب قانون آخر يحظر من الناحية الفنية اعتقال الصحافيين.
وأطلقت سوريا سراح أكثر من 400 من الموظفين والقضاة والمحامين والصحافيين الذين احتجزتهم هذا العام قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي.
وقال أربعة محتجزين إن ما لا يقل عن 60 من المفرج عنهم معروفون في مجتمعاتهم المحلية، بينهم ضباط كبار في الشرطة وقضاة وأحد كبار مفتشي الجمارك وصحافيون حكوميون ومحامون وطلاب جامعات ورجال أعمال ومدافعون عن حقوق المرأة، في خطوة قال ناشطون وصحافيون إنها تستهدف التأثير على الرأي العام عشية الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس بشار الأسد بولاية رابعة لمدة سبع سنوات.
وبحسب صحافيين، فإن القبضة الأمنية على الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لم تشهد تغيرا يذكر في الآونة الأخيرة، حتى يمكن التفاؤل بتصريحات الوزير الحلاق بأن القانون الجديد سيكون لصالح الصحافيين.
وكانت وزارة الداخلية قد حذرت في يناير الماضي من أن منتهكي قانون الجرائم الإلكترونية، وهو الذي يجرم التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي بكونها تقوض سلطة الدولة، سيواجهون عقوبة بالسجن تصل إلى ستة شهور على الأقل.
وقالت الوزارة إنها ستلاحق من قاموا بتسريب أخبار كاذبة إلى جهات تعمل على التزييف وزرع الفوضى في الرأي العام.
وحذرت روّاد مواقع التواصل الاجتماعي من التواصل مع من أسمتها “الصفحات المشبوهة” أو التفاعل معها أو حتى تزويدها بمعلومات أو بيانات، وذلك تجنبا للمساءلة القانونيّة.
عدد الاعتقالات زاد في سوريا بسبب الأنشطة على الإنترنت في الأشهر الأخيرة وذلك من أجل إسكات السخط العام المرتبط بالأزمة الاقتصادية في سوريا
ويقول صحافيون إن قانون الإعلام الجديد لم يتم طرحه على موقع التشاركية، ليتمكن الصحافيون من رؤيته والتعليق عليه وإضافة المقترحات عليه كونهم الفاعلين على الأرض وربما الأكثر قدرة على المساعدة بالخروج من قانون يؤمن لهم الحماية والحقوق.
ويرى البعض من الناشطين أن الهدف من وراء ذلك القانون هو التضييق على السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقال كل من يحاول انتقاد السلطات، لاسيما مع تصاعد الانتقادات للحكومة في ظل الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة التي تعصف بالبلاد.
ويذكر أن وزير الإعلام الذي تسلم منصبه في أغسطس الماضي يسعى لتغيير المشهد الإعلامي وفق صلاحياته المحدودة عمليا، فقد أصدر قرارا ضم سلسلة تغييرات في المناصب الإدارية في وسائل الإعلام الرسمية، إضافة إلى قرارات بطي عقوبات بالفصل والتوقيف صدرت سابقا بحق عدد من العاملين في “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون”.