"في عز الظهر" بوابة مينا مسعود لاقتحام السينما المصرية

يحاول القائمون على مجال الإنتاج في السينما المصرية استقطاب الطيور المهاجرة إلى الخارج لبطولات أفلامهم الجديدة، بعدما فشلت تجارب الاستعانة بعدد من النجوم الأجانب في تعزيز إيرادات الأفلام على مستوى العرض الخارجي ومنصات البث الرقمي، وفيلم "في عز الظهر" للممثل الكندي – المصري مينا مسعود أحد بواكير هذا الانفتاح.
القاهرة - يستعد مينا مسعود، الفنان الكندي ذو الأصول المصرية، لتصوير الفيلم “في عز الظهر” عن مجرم دولي من أصول عربية مقيم بالخارج، ويعود مع عصابته لتنفيذ بعض المهام داخلها، فيدخل في صراعات مع باقي أبطال العمل الذي يشارك في بطولته هنا الزاهد، وأحمد حجازي ومحمد علي رزق.
وتحمل الاستعانة بمسعود الذي حقّق شهرة عالمية في فيلمه الأخير “علاء الدين”، هدفا إنتاجيا صرفا بغض النظر عن القدرات التمثيلية، حسبما تكشفه التصريحات الصادرة عن مخرج العمل المصري مرقس عادل، الذي أكّد أن الفيلم سيتم تصويره في ثلاث دول أوروبية، لتسهيل توزيعه على المستوى الخارجي.
وأكّد عادل، أن وجود مينا مسعود في فيلم “في عز الظهر” يسهّل عرضه على المنصات الإلكترونية العالمية، مع ترجمة العمل إلى العديد من اللغات ما يسمح له بالعرض أوروبيا.
عين على التذاكر
شهدت السينما المصرية قبل ثلاث سنوات موجة استعانة بممثلين أجانب من هوليوود لتعزيز حظوظها في شباك التذاكر، مثل “حملة فرعون” الذي استقطب أسماء عالمية مثل مايك تايسون وهافبور جونسون، و”كازابلانكا” الذي استقدم إليه الممثل التركي خالد أرجنش بطل مسلسل “حريم السلطان”، و”حرب كرموز” الذي شهد مشاركة الممثل سكوت أدكين، ذي الأصول البريطانية والشهير بـ”بويكا”.
ولم تنجح تلك الموجة في تعزيز الإيرادات، إذ تحوّلت أجور الممثلين الأجانب إلى عبء إضافي على الإنتاج مع اتباعهم نمط الحركة الغربي المبالغ فيه الذي لا يواكب الجمهور العربي كثيرا، وهو ما تم تلافيه بالاستعانة بممثلين من أصول مصرية، على أن يتم تأهيلهم للحديث بلهجة عربية سليمة ليستطيعوا النفاذ إلى الجمهور
العربي.
وتلقى أمير المصري، الممثل الذي ينشط حاليا في السينما البريطانية، عرضا للعودة إلى مصر مجدّدا بعد نجاح مشاركته في الفيلم الإنجليزي “ليمبو” (التيه) عن مشكلات اللاجئين، والسلسلة الأميركية الشهيرة “حرب النجوم”، إلى جانب فيلم سويدي ومسلسلين أحدهما بريطاني والآخر أميركي.
ويبحث بعض المنتجين حاليا عن منافذ لتسويق أعمالهم في ظل تأثّر الأسواق التقليدية لتوزيع الأعمال المصرية، فدور العرض بسوريا ولبنان لم تعد سوقا نشطة للفيلم المصري، في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلدان.
ورغم انتعاش سوق التوزيع بمنطقة الخليج العربي، لكنها تشهد سيطرة من موزّعي الأفلام الأجنبية التي وصل معدل تسويقها قبل وباء كورونا إلى ما يزيد على خمسة أفلام جديدة أسبوعيا، ما يقلّص المساحات المتاحة لغالبية الأعمال المصرية.
وينقّب الإنتاج المصري عن وسائل جديدة لتعزيز عائدات السينما في ظل تراجع شرايين الأموال الوافدة من العرض الفضائي الذي كان يغطي نحو خمسين في المئة من التكلفة الإجمالية، بعد توقّف قنوات الأفلام المتخصّصة عن الشراء وإحجام البعض الآخر عن المساهمة في تمويل الإنتاج مقابل الحصول على حقوق البث الأول.
وقال السيد فتحي، مدير غرفة صناعة السينما بمصر، هناك جهود لفتح منافذ للتسويق ومواجهة الأزمات منذ ثورات الربيع العربي، وانتشار التنظيمات المتطرفة التي أخرجت أسواقا رئيسية للفيلم المصري من المعادلة مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق.
ويسود اعتقاد بين المنتجين المصريين بأن توفير ممثلين يحملون الدم العربي والتجربة الغربية معا يفتح مجال التوزيع الخارجي في دور العرض التي يتوقّع أن تستأنف نشاطها بعد جائحة كورونا، أو في منصات البث الرقمي العالمية التي تضع في حسبانها جماهيرية أبطال العمل كثيرا.
وأضاف فتحي، لـ”العرب”، أن استقدام الطيور المهاجرة حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات تضمنت على مدار السنوات الماضية استقطاب الممثلين العرب للعب أدوار البطولة بغية فتح منافذ لاجتذاب الجمهور إلى أعمالها، خاصة منطقة المغرب العربي التي تميل نحو المنتج الفرنسي ولا تزال واعدة في حال استطاع الفيلم المصري الوصول إليها.
وتُمنّي السينما المصرية النفس بتكرار تجربة فيلم “المصير” للمخرج الراحل يوسف شاهين، الذي حقّق مشاهدات عالية في فرنسا وإيطاليا إبان عرضه، على اعتبار أن علاقات المخرج المصري الشهير بأوروبا كانت الوازع وراء عرضه، وهو ما يسعى المنتجون إلى تحقيقه حاليا باستقطاب أسماء معروفة في الخارج.
وتسعى الطيور المصرية المهاجرة هي الأخرى إلى الاستفادة من العودة في ظل السوق الفنية المتقلبة، وقدرتهم على جذب الجمهور إلى شباك التذاكر، على عكس السينما المحلية التي تعتمد على العلاقات الخاصة، حتى أن مينا مسعود لم يخف تلك الحقيقة في ردّه على أسئلة الصحافيين حول الفرق بين السوقين المصرية والأميركية واكتفى بقوله “هنا كل حاجة (شيء) بالحب”.

وليد سيف: مشاركة المهاجرين في أعمال محلية تحمل مزايا للطرفين
وأكّد الناقد الفني وليد سيف، لـ”العرب”، أن مشاركة الممثلين المهاجرين في أعمال محلية تحمل مزايا للطرفين، حيث يفتح الباب لدخول الفيلم المصري إلى أسواق جديدة بأسماء معروفة ولديها جمهور عريض يتابع الجديد الذي تقدّمه باستمرار، كما يوفّر المزيد من الشعبية للممثل ذاته في وطنه الأم.
وزادت السينما العالمية من مساحات عولمة الفن لتذويب الحدود الثقافية والعرقية باستقطاب ممثلين من دول مختلفة للعب أدوار تتعلّق في الغالب ببيئاتهم الأصلية، وكان ذلك دافعا وراء المشاركات الأخيرة للفنانين المصريين مثل محمد كريم، وعمرو واكد، وخالد أبوالنجا وخالد النبوي في أعمال أميركية.
ويملك الفنانون المهاجرون رغبة في تحقيق شهرة بوطنهم الأم، مثل عمر متولي، وميدو حمادة، وسامي الشيخ، الذين ينشطون في الولايات المتحدة، مع إدراكهم جيدا الطبيعة العاطفية للجمهور العربي ونعرة التفاخر المسيطرة على عقله بنجاحات أبناء جلدتهم من المشاهير، حتى لو كانوا لا يعرفون شيئا عن وطنهم الأم.
ويعتبر الفنان رامي مالك، الأميركي من أصل مصري، دليلا على ذلك بعدما شهدت بلدة فلتاؤوس مسقط رأسه الواقعة في محافظة المنيا بجنوب مصر، احتفالات لمدة أسبوع كامل بفوزه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن دوره في فيلم “الملحمة البوهيمية”، رغم تصنيفه كأميركي صرف بحكم المولد والإقامة، وزيارته لمسقط رأس والديه مرة واحدة فقط في حياته خلال مرحلة الطفولة.
وأوضح سيف، أن الممثلين العالميين لديهم خبرات تؤهلّهم لتجسيد شخصيات في محيط بيئي ومكاني بعيد عنهم، لكن يجب أن تراعي أوراق سيناريو الأعمال المقدّمة لهم لكنتهم العربية ومدى إجادتهم لها، حتى لا يتم الزجّ بهم في أدوار شديدة المحلية لا تظهر مواهبهم التمثيلية.
وجبة فنية متكاملة

موجة الاستعانة بنجوم هوليوود لم تنجح في تعزيز الإيرادات، وتحوّلت أجور الممثلين الأجانب إلى عبء إضافي على الإنتاج
يضع الكثير من الفنانين المصريين بالخارج في أذهانهم تجربة الفنان الراحل عمر الشريف الذي حقّق مشاركات ناجحة حصل خلالها على جائزة “غولدن غلوب” مرتين وترشح لجائزة الأوسكار عن فيلم “لورانس العرب”، قبل أن يعود إلى مصر مجدّدا للقيام ببطولة عشرات الأعمال المحلية والتحوّل إلى أيقونة فنية مستمرة حتى وفاته.
ويحصر المنتجون مساعيهم للوصول إلى العالمية في الاستعانة بالممثلين المشهورين فقط مع إغفال باقي العناصر الفنية، وفي مقدّمتها تقديم أفكار نابعة من المجتمع مع إخراج وأداء رفيع، ويضربون المثل بأفلام مثل “يوم الدين” للمخرج أبوبكر شوقي الذي لم يعتمد على ممثلين محترفين أو ميزانية كبيرة، لكن قصته كانت نافذة لوصوله إلى منصات تكريم عالمية.
ولا يتطلّب تعزيز فرص عرض الفيلم المصري تطوّرا كبيرا على مستوى الغرافيك والمؤثرات فقط، ففيلم مثل “الأبواب المغلقة” للمخرج عاطف حتاتة تم عرضه في العديد من دور العرض الفرنسية والإيطالية، الذي يدور عن ابتزاز خادمة بسبب فقرها وسفر زوجها إلى الخارج، وانجرار ابنها إلى التيار الديني المتطرّف.
تحاول السينما المصرية استهداف السوق الغربية منذ الثمانينات عبر تأسيس شركات توزيع واستئجار دور سينما، لكن دون جدوى لتركيزها على الجمهور العربي من المهاجرين فقط دون محاولة جذب السكان الأصليين، وربما يمثل التوجه الحالي نحو استقطاب الطيور المهاجرة محاولة لكسر تلك العقدة.