في ظل هذا الركام.. كيف حال النساء؟

في ظل الملحمة الدرامية التي يشهدها العالم، وفي ظل الركام الذي وقع على رؤوس أهالي المنطقة، حين تعرج على حال النساء تجدها في وضع كارثي قانونيا وثقافيا وقيميا.
ربما كان الأجدى استغلال الفرصة الضائعة في بناء المجتمعات وإعادة برمجتها أخلاقيا وفكريا بدلا من الحرص على إشعال فتيل الحروب والاستثمار بها. كان الأفضل ردم الفجوة المتعاظمة بين الرجال والنساء، وإصلاح العفن الفكري المستشري تجاه حقوق الأفراد. كان الأجدى إصلاح القوانين والحرص على تطبيقها، وتطوير الأفراد في وعيهم وبصيرتهم بدلا من تدميرهم بشكل ممنهج ومقصود.
لكن في ظل أشباه مجتمعات ودول متداعية، لعله من الرفاهية الحديث عن حقوق النساء والأخلاقيات والحضارة والتمدن والتطوير القيمي والإصلاح الفكري. صحيح؟ الإنسان بالكاد في هذه المنطقة يعيش في “حالة الطوارئ”، محاولا البقاء على قيد شبه حياة.
حين ينتظر الإنسان الموت وتتداعى أمام أعينه كل أحلامه وإنسانيته، ويصبح على علم تام بعدم احترام العالم لكينونته وحقه في البقاء أو الأخذ بعين الاعتبار أي قوانين وأخلاقيات إنسانية في التعامل معه، فكيف سينظر إلى حقوق الطفل والنساء مثلا؟ وكيف سينظر لنفسه والآخر سوى بعين مشوهة وبصيرة معطلة!
هناك نساء في إيران يُقتلن إذا امتنعن عن تغطية شعرهن، ويتم الاعتداء عليهن في الأماكن العامة بشكل مريع
في ظل هذه الفوضى المُختلقة وفي منتصف النفق المظلم الذي علقنا به.. أفكر بحال النساء. ما يتم تعزيزه من أفكار وقيم وأخلاقيات في حاضر المجتمعات سيشكل مدخلات لمخرجات المجتمعات المستقبلية. بمعنى، يمكنك توقع هيكلية وواقع المجتمعات بعد عشرين عاما إذا لم نبدأ بالإصلاح اليوم. هناك طاقة كامنة بحاجة إلى تفعيلها وللأسف هناك نسق فكري يحاول كتمها وتعطيلها تارة بالعنف ثم بالتطرف ومن خلال برمجيات فكرية وأعراف عفا عليها الدهر.
يهيأ لي عند تأمل لوحة العالم اليوم أننا نعود بالزمن إلى الوراء بدلا من التقدم إلى المستقبل. نعود إلى حيث عصور كانت النساء تُتهم فيها بالشعوذة ليتم حرقهن. المجتمعات تتراجع إلى ما قبل عصور التنوير، وما يدفعني إلى الحديث هو انتشار ثقافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدعو النساء إلى التفكر بـ“طاقتهن الأنثوية” والعمل على تجميل حياة “ربّات المنزل” وتشجيع الفتيات على أن يختصرن أفكارهن وأحلامهن بجذب زوج غني يحقق لهن الثراء.
طبعا قبل التطرق إلى بعض التفاصيل والإسهاب بالموضوع، وحتى لا يحكم بهشاشة على كلماتي، أنا لست ضد مؤسسة الزواج، فالزواج شكل من أشكال العقود الاجتماعية، والمرأة والرجل يحتاجان بعضهما. المجتمعات تعلو وتزدهر بكلينا. أنا لست ضد زواج الفتيات، لست ضد الحب والاستقرار والعائلة، لست ضد أن يطمح الإنسان إلى حياة مريحة، وإلى الرفاهية أو إلى نوعية حياة تحترم تطلعاته واحتياجاته.
لكن، للنساء خاصة، أرجو أن تسمعن ما أقول، في ظل هذا الركام الذي تشهده الدول والتحديات الاقتصادية المتعاظمة والتي ستتعاظم مع الوقت، وفي ظل هذا النفق المظلم سياسيا وأمنيا واجتماعيا الذي ينهش حياتنا، وفي ظل تعاظم الإرهاب والتطرف وتمدد الميليشيات والمرتزقة من حولنا، في ظل النهج المتبع في العالم في إخضاع الدول وتدميرها فكريا وثقافيا وماديا وإنسانيا، وفي ظل سيطرة الجهل وغياب العلم والمنطق والمعرفة.. نحتاج عقولكن، ودوركن في المجتمع يتعدى فكرة أن تعشن أميرات ديزني. أنتن تصنعن أجيالا مستقبلية، فإما أن تكنّ خاملات أو واعيات وذكيات.
نحتاج إلى طاقة الرجال والنساء معا في العمل على إعادة البرمجة الفكرية للمجتمعات بما يحترم إنسانية كل فرد وكينونته. حتى لا تتمكن أي جهة من زج المجتمعات والدول في الهاوية وحتى نتمكن من التصدي لكل هذا الرعب من حولنا.
أعلم أن الطريق ما زال أمامنا طويلا وشاقا وصعبا وليس ورديا.. لكن، لا بد من النضال والاستمرار في محاولة التصدي لكل عفن قيمي وانغلاق فكري.
حق المرء يُنتزع ولا يُطلب. لذا لا تسمحن لهم بإعطائكنّ بعض حقوقكنّ وإقناعكنّ أنكنّ تملكن السماء. لا تخضعن لشرائع الغاب فتقرير مصير حياة كل فرد هو ملكه.. أسلوب عيشه، هندامه، طريقة تفكيره، حقه في اكتشاف ذاته، تجاربه في الحياة، هُويته، كل هذا ملك الفرد الشخصي، رجلا كان أو امرأة.
حين سمحت المجتمعات للنساء بالتعلم والعمل كان ذلك بسبب عوامل اقتصادية، حين اكتشف العالم الرأسمالي أنه بحاجة إلى تشغيل النساء لإنتاج أكبر وأرباح أعظم. وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة، لم يعد الرجل قادرا على تأمين قوت عائلته لوحده، وبات بحاجة إلى مساعدة المرأة.
هذا بحد ذاته مشكلة. كلمة “السماح” بحد ذاتها معضلة، وكأن مصير المرأة بأسرها أو تحريرها بيد الرجل.
الحقوق ليست منحة من المجتمع للنساء. التعلم والعمل والسفر وتقرير مصير حياتهن، كل ذلك يجب أن يتم بإرادة النساء الحرة. منطقيا، هذا حق كل إنسان ولا سلطة أبوية أو ذكورية أو حكومية ولا أي سلطة هرمية تملك القرار في منح فرد حقوقه أو اغتيالها. تستحق المرأة فرصا متساوية في الانخراط بالقيادة سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، قضائيا، تشريعيا، علميا وثقافيا.
إلى النساء، أنا على يقين أن حياتكن كسيدات مستقلات ليست سهلة، وعلى يقين أن كل فرد يفضل الجلوس في المنزل، أن يحصل على دلال مجاني ومعاملة لطيفة مجانية.
مسؤولياتنا تتعاظم في الوقت الذي بدأ الرجل فيه يتقاعس عن أدواره. لكن الخلل في الميزان بسبب عدم قدرة المجتمع بعد على استيعاب توزيع الأدوار، وهناك خلل في القوانين، في الأعراف وفي الفكر السائد.
أعلم أن الحياة تشوبها الصعاب، والخيار الأسهل والأكثر مرونة أن يتم تقديم كل متطلبات الإنسان بينما يجلس في المنزل، جل ما يفعله الاعتناء بالنباتات والحيوانات والأطفال، وربما الانشغال ببعض المهن اليدوية كالتطريز والطبخ. لا عيب في كل ذلك، وهذا جزء من كينونة الإنسان.. لكن ما لاحظته أنه يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجميل هذه الحياة الوردية للنساء وترغيبهن بها، للعودة إلى المنزل بدلا من النضال من أجل حياتهن وحقوقهن.
لكن، يؤسفني إخباركن أننا بحاجة إلى نيل حقوقكن كإنسان والحصول على معاملة إنسان.
تقول أغاثا كريستي “تخيل أنك تولد لتشرح للعالم أحقيتك في الحصول على حياة، تخيل أنك امرأة”.
لا بد من البدء في تربية أجيال متنورة، مثقفة وواعية من أجل عالم عادل أفضل. وإلا مصير المجتمعات البشرية المزيد من الظلمات والانحدار
عبر التاريخ بذلت النساء حياتهن حتى تتمتع الواحدة منا بحقها في قيادة سيارة، أو الخروج مع صديقتها لشرب قهوة أو للتعلم والعمل والسفر. وما زالت النساء يبذلن حياتهن وطاقتهن وأحلامهن من أجل تقاضي أجور عادلة في سوق العمل، ولإثبات جدارتهن في الحياة، ليُسمع صوتهن، وليتمكنّ من تبؤّؤ مناصب اتخاذ القرار، وحتى تتم إعادة توزيع الأدوار في المجتمع بعدالة وتوازن بين الرجال والنساء. يبذلن عمرهن لتتمكن كل واحدة منا من الاختيار والدراسة والتفوق المهني والعمل والحصول على أموالها الخاصة ومنزلها الخاص واستقلاليتها والحق في تربية أطفالها بشكل صحي وواع.
عزيزتي المرأة، لا نريدك عاملة في المناجم، أعدك بذلك، لكن نريد أن نصل إلى مرحلة يمكنك أن تختاري فيها أن تكوني ربة منزل دون الحاجة إلى التنازل عن جزء من هُويتك وكينونتك. نحتاج أن يأخذنا الرجال على محمل الجد في أماكن العمل، وأن يتم تعيين النساء في أماكن اتخاذ القرار دون الاستهانة بقدراتهن. نحتاج أن يأخذنا الرجال على محمل الجد حين نناقش ونفكر ونقدم أفكارا جديدة. أن لا يخرج أبله ويقول صوت النساء عورة. أن يحترم التاريخ كل النساء من القائدات العسكريات، إلى الملكات، إلى المقاتلات، إلى المخترعات، إلى الكاتبات، إلى المبدعات.. ونحتاج المزيد منهن في عصرنا الحديث، لا أن يهمش التاريخ النساء ويسرق إبداعهن ويعمل على إخفاء دورهن في تطور المجتمعات البشرية.
عزيزتي المرأة، إن كنت تريدين أن تكوني أميرة ديزني سندعمك بذلك أعدك. لكن نريدك سيدة نفسك في المنزل أيضا، هذا ما نصبو إليه. لكن لا يمكن أن نعود جميعا إلى المنزل كنساء.. أليس كذلك؟ لا يمكن أن نكتفي بالاعتناء بجمالنا وبيوتنا فقط. نحتاج عقولكن وإبداعكن وفلسفتكن وثقافتكن. لماذا؟ لأنه ما زالت النساء يوأدن في أماكن عدة من هذا العالم فقط لأنهن نساء.
مؤخرا في العراق، تم طرح مقترح تعديل قانون يسمح بتزويج القاصرات وهذا يسمى اغتصابا.
في عام 2024 ما زالوا يحاولون، بالقانون، سلب الفتيات حقهن في الحياة واغتيال إنسانيتهن. في أفغانستان مثلا يتم إرغام النساء على ارتداء خيم وكأنهن أشبه بعار، ويمنعن من الحياة ومن التعليم والسفر والخروج للعمل وربما يتم منعهن من التنفس.
هناك نساء في إيران يُقتلن إذا امتنعن عن تغطية شعرهن، ويتم الاعتداء عليهن في الأماكن العامة بشكل مريع.
لا يمكن أن يسلب أحد حياة إنسان آخر فقط لأنه يريد أن يتمتع بإنسانيته وحقوقه، أليس كذلك؟ هناك الكثير من النساء في عدة دول لا يمكنهن إعطاء جنسيتهن لأطفالهن، لا يمكنهن السفر مع أطفالهن إلا بإذن ولي الأمر أي “الرجل”. وكأن فلذات أكبادهن ليسوا ملكهن. هناك الكثير من النساء لا يمكنهن اختيار شريك حياتهن بقرار شخصي وفردي. ويمكن للرجل سلب المرأة حياتها وتدميرها بسهولة من خلال التشهير بها. يتم قتلهن لسرقة ميراثهن، ويتم قتلهن من قبل رجل رفضن الارتباط به. وفي مجتمعات أخرى يتم تسليع المرأة. وكأنها أداة غريزية لبيع المزيد من البضائع.
التعامل مع النساء وكأنهن إنسان من الدرجة الثانية. وهذا فكر خطير وباطل. ولا يمكن الاستمرار هكذا وإلا ستهلك المجتمعات. على النساء عدم الاستكانة لهذا النهج
ما زال يتم التعامل مع النساء في كثير من الأماكن في هذا العالم وكأنهن إنسان من الدرجة الثانية. وهذا فكر خطير وباطل. ولا يمكن الاستمرار هكذا وإلا ستهلك المجتمعات. على النساء عدم الاستكانة لهذا النهج. فالمجتمعات تحتاج إلى تغيير الوعي الجمعي من أجل إحلال الإنسانية والعدالة.
ما حدث أن نظام العالم الرأسمالي أخرج النساء للعمل من أجل إنتاجية أكبر وأرباح أعظم وبذلك ازدادت الأعباء الموكلة إليهن. المرأة باتت تعمل داخل وخارج المنزل، دون الأخذ بعين الاعتبار تقسيم المهام بين الرجل والمرأة، ودون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التعاون والتعاضد بين الاثنين من أجل حياة متوازنة ومتناغمة.
النساء يتم استغلالهن، وأصبح جزء من دخلهن المالي وربما كله يذهب في نفقات المنزل. بمعنى المرأة مسؤولة ماليا ومعنويا وإنسانيا عن عائلتها أيضا.. تحمل الجميع على كاهلها وفي قلبها؛ فهي موظفة وأم وزوجة وبنت وأخت في آن. وفي النهاية لا تقدير يتناسب مع ما تبذله من جهود، ولا تؤخذ بعين الاعتبار التغيرات التي تطرأ عليها عند الحمل والولادة مثلا، وأنها إنسان بطاقة محدودة، تحتاج إلى الراحة والنوم والاعتناء بنفسها وتحقيق أحلامها.
هذا يقودنا إلى حاجتنا إلى الرجال ليكونوا على قدر أكبر من الوعي والتفهم بشأن التغيرات التي طرأت على المجتمعات، وضرورة تعاونهم وإعادة توزيع الأدوار بما يحقق عدالة وراحة أكبر للجميع. على الرجل أن يفهم أن الأمر لا يكون بتفوق الرجل على المرأة أو العكس. بل يكون بالرقص معا، بالحوار والتفاهم، من أجل الوصول إلى مجتمعات بشرية أفضل. الرجل لا يكون رجلا بالدكتاتورية إنما بتحضره وتفهمه واحتوائه.
إذا الثورة ليست على النساء فقط بل على الرجال أيضا، ليفهموا أن المرأة ليست إنسانا من الدرجة الثانية.
عزيزتي المرأة.. لكي يتسنى لك الاختيار بين الجلوس في المنزل أو الخروج للعمل، وحتى يتسنى لك الخروج مع صديقاتك بحرية وقيادة سيارة أو طائرة، كان هناك تاريخ طويل من الثورة الصعبة التي قادتها النساء، ولا بد لنا من إكمالها، لأن مجتمعاتنا تستحق أن تتخلص من الفكر العفن، ولا بد من احترام كل فرد.
أعلم أن الطريق ما زال أمامنا طويلا وشاقا وصعبا وليس ورديا.. لكن، لا بد من النضال والاستمرار في محاولة التصدي لكل عفن قيمي وانغلاق فكري. لا بد من البدء في تربية أجيال متنورة، مثقفة وواعية من أجل عالم عادل أفضل. وإلا مصير المجتمعات البشرية المزيد من الظلمات والانحدار.