"في بيتنا روبوت" كوميديا موجهة إلى مواقع التواصل الاجتماعي

تمكّنت بعض المسلسلات المصرية وسط تنامي استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية عربيا والاعتماد عليها في الترفيه ومتابعة الدراما من تحقيق نسب مشاهدة عالية على مواقع المقاطع المصوّرة، على الرغم من افتقارها إلى القدرة على منافسة الأعمال القديمة على الفضائيات أو تحقيق صدى بين الجمهور والنقاد.
القاهرة – يتصدّر مسلسل “في بيتنا روبوت” المعروض حاليا على إحدى القنوات الفضائية المصرية المشاهدات المصرية على موقع يوتيوب بمقاطع اقترب بعضها من المليون مشاهدة، ولا يتعدّى المدى الزمني لأي منها خمس دقائق، بعد عنونتها بشكل يجعلها كأنها مواقف من الحياة وليست أحداثا في مسلسل كوميدي خفيف، مثل: “أربع دقائق من الضحك المتواصل”، و”عندما تلمّحي لشخص يحبك ويصطنع الغباء”.
قدرات مفقودة
تدور قصة العمل حول المهندس الموهوب “يوسف” (الفنان هشام جمال) الذي يملك شركة للتكنولوجيا أسّسها بعد التخرّج مع اثنين من زملاء الدراسة. واستطاع بفضل نبوغه أن يصل بها إلى مشروع ضخم ينتظره مستقبل باهر عقب اختراعه روبوتين يتعرّضان إلى أعطاب واختلال النظام التشغيلي باستمرار، ما يجعل كل من يتعامل معهما في وضعية حرجة.
ويحافظ العمل الذي ألفه أحمد محيي ومحمد حمدي وأخرجه وليد الحلفاوي على ثيمة ثابتة في الكوميديا التي يسعى لتقديمها، بالفوارق بين عالمي البشر والروبوتات وعجز الأخيرة عن فهم الطباع البشرية المتقلّبة والسلوكيات غير المفهومة كالكذب والخداع والمجاملة وتضارب الأفكار وتشتّتها.
اختار مخرج العمل الفنانين عمرو وهبة وشيماء سيف للعب دور الربوت “لذيذ” و”زومبا” على الترتيب. ورغم امتلاكهما قدرات كوميدية قوية في تجاربهما السابقة تم توظيفها بصورة قتلت أي محاولة منهما لتقديم أداء جيد، بعدما جاءا نسخة من صورة الروباتات في الأعمال الأميركية، ككائنات حديدية بلا روح أو دون تعبيرات أو حتى دون مفارقات يمكنها خلق مساحات كبيرة من الكوميديا.
ويعطي العمل مساحة واسعة لهشام جمال الذي يلعب دور البطولة للمرة الأولى بعدما شارك في أدوار بسيطة خلال السنوات الخمس الماضية، ولعدم نضجه تمثيليا جاءت ردود أفعاله طوال الحلقات غير متوافقة مع المواقف التي يمرّ بها في حياته الزوجية أو العملية، ولم تختلف انطباعاته في مواجهة شريكيه اللذين يسعيان لتجريده من الشركة واختراعاته عن انطباعات مشاهدته مقاطع “فيديو” يفترض أنها تظهر تعرّضه للخيانة الزوجية.
وتتبدّد مساحة الاستغراب بتتبّع الجهة المنتجة لمسلسل “في بيتنا روبوت” الذي هو حصيلة شراكة بين “سينرجي” و”روزناما ريكورد”. والأخيرة مملوكة لهشام جمال الذي أسّسها عام 2010 -حينما كان عمره لا يتجاوز 16 عاما- لإنتاج ألبومات له مع فرقته والفنان أحمد مكي، قبل أن يتجه إلى التمثيل.
وتملك “روزناما” سجلا من الأعمال الخفيفة المعتمدة على كوميديا “الإفيه” والارتجال، وأثارت تساؤلات حول مستوى الجودة؛ فأول مسلسل لها كان “لهفة” عام 2015 وتبعته بـ”نيللي وشريهان” ثم “في اللا لا لاند” و”بدل الحدوتة 3″، وجميع تلك الأعمال كانت من بطولة الفنانة دنيا سمير غانم بمفردها أو مع فرد من عائلتها.
وحافظ المسلسل على نمط أصبح سائدا في الأعمال الكوميدية بالاستعانة بضيوف الشرف في كل حلقة لتعزيز فرص المشاهدة وتعويض قدرة الأبطال الأصليين على الإضحاك، بحضور أسماء مثل: محمد عبدالرحمن وبيومي فؤاد وأحمد زاهر، في ظل ارتكانه إلى معتقد سائد يفيد بأن الجمهور يتقبّل فنانه المحبّب بصرف النظر عن الجمل الحوارية الواردة على لسانه أو طبيعة دوره.
وربما كان ذلك الدافع وراء الاستعانة بشيماء سيف في دور “روبوت” رغم طبيعة قدراتها الكوميدية المعتمدة على طريقتها في الحديث والتعبيرات غير المتماشية مع المواقف، فظهرت كالممثل الصامت، ولم تتلاءم بدانتها مع السيناريو الذي جعلها جاذبة للرجال حتى تقدّم لها عريسان في يوم واحد، أحدهما يمتهن مهنة كي الملابس والثاني يقوم بإيصال الخضروات إلى المنازل، وكلاهما يتغزّل بجمالها ورقّتها.
ويتناول العمل مشكلة اجتماعية يدور موضوعها حول سعي قطاع من الشباب للربح السريع دون بذل عناء أو تخطيط جيد للمستقبل، وهو ما ظهر في تصرفات يوسف وزوجته “سارة” (الفنانة ليلى أحمد زاهر)، فالزوج أضاع جميع مكاسبه من شركته واضطر إلى الاستدانة من أجل شراء قصر فخم والإنفاق على تجهيزه على أمل أن تنمو أرباحه مستقبلا، وزوجته تدخل في سلسلة من المشروعات الفاشلة.
محاكاة ساخرة
حملت بعض مقاطع المسلسل محاكاة ساخرة لأعمال فنية أخيرة من فنانين مشهورين، خاصة يوسف الشريف الذي ورد ذكره أكثر من مرة في إسقاط على عمله الرمضاني السابق “النهاية”، فالروبوت لذيذ يدمن مشاهدة المسلسل باعتباره يتعلّق بعالم الروبوت، حتى أنه يسمّي نفسه لذيذ يوسف الشريف أثناء سؤاله عن اسمه الثلاثي.
واستغل المسلسل مقطع “انت اتجننت.. دا هاني” (هل جننت؟.. هذا هاني) من مسلسل “هذا المساء” المعروض عام 2017، والذي تصدّر ترند مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسابيع، ويحكي عن زوج يفاجأ بنزول شخص من غرفة نومه مع زوجته ويتعرّض للتعنيف من قبل زوجته بسبب غضبه على الموقف، وتمت إعادة إنتاج الموقف ذاته مجدّدا سعيا لاستغلال شعبية العمل القديم.
ولا يخلو العمل من إسقاطات سياسية خفيفة كشخصية ملك فهمي (الفنانة ناهد السباعي كضيف شرف) التي جسّدت دور ناشطة حقوقية اصطدمت سيارتها بزومبا ولم تدرك أنها آلة وتستغرب من عدم السماح لها باصطحابها إلى إحدى المستشفيات للاطمئنان عليها. كما ترى صدفة الروبوت لذيذ أثناء شحنه بالكهرباء فتفترض تعرّضه للتعذيب، وتأتي بوفد حقوقي غربي اقتحم منزل الزوجين بحجة الإساءة لحقوق الإنسان. كذلك الحال في سيادة فكرة المخلصاتي (شخص ينجز المعاملات مقابل أموال) بالجهات الحكومية، والذي استطاع استخراج بطاقتين شخصيتين للروبوتين رغم عدم وجود أوراق رسمية لهما.
العمل يعتمد على مقاطع قصيرة ويضم خليطا من المحاكاة الساخرة لأعمال أخرى دون التركيز على إطار يجمع بينها
ويقدّم العمل المرأة بشكلها النمطي وبالصراع التقليدي بين الحماة وزوجة ابنتها حول جودة الطعام والميراث والإنجاب بعد الزواج، كما قدّم زوجة يوسف كساذجة لا تتماشى قدرتها العقلية مع نبوغ زوجها، فتعتقد أن الروبوت مجرّد وعاء لمشغل موسيقى حديث، ولا تستطيع أن تركن سيارتها في مساحة مفتوحة خالية من السيارات، وتصيب الروبوتات بتوقّف نظام التشغيل بسبب طلباتها غير المنطقية.
ويحاول العمل انتزاع الضحك من خلال التطرّق إلى الفوارق بين الطبقات الاجتماعية في طريقة الحياة والتفكير، كعامل كي الملابس الذي لا يعجبه ديكور منزل يوسف ويقترح استبدال أشجار الزينة بشجرة مانجو مثمرة والتخلّص من قطع الأثاث الأميركية. كذلك رجل إيصال الطلبات “الدليفري” الذي يحجزه الروبوت بالخطأ في الحمام، فتعجبه الإقامة داخله على اعتبار أنه أوسع كثيرا من المحل التجاري الذي يعمل فيه.
وربما تكون مساحة الكوميديا الجيدة في العمل في علاقة يوسف ولذيذ بسكرتيرة الشركة التي تخالف دائما التعليمات بعدم تناول الطعام الشعبي في واجهة مقر عملها، ورغبتها المستمرة في اصطياد رجل للزواج منه حتى لو كان روبوتا لا يفهم تحرشاتها المستمرة به في طريقة الحديث أو تعبيرات الوجه.
ويعتبر الإحساس الدرامي عنصرا أساسيا لنجاح العمل باعتباره نافذة لتحريك الإيقاع وتوصيل الهدف وتخليق كوميديا من القلب لا يزول تأثيرها بمجرد استخدامها للمرة الأولى، وهو ما افتقر إليه “في بيتنا روبوت” كغيره من الأعمال الكوميدية التي اعتمدت على الإخراج التقني فقط بالمحافظة على القواعد دون خلق روح لها.