فيلم يروي حكاية الشرارة الأولى للثورة الجزائرية

لم تتوقّف أحلام الجزائر بالفوز للمرة الثانية بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم دولي، بعد فوز فيلم “زاد” في العام 1970 بالجائزة السينمائية الأهم، معلنة عن مرشحها لمسابقة أوسكار 2021 في فئة أفضل فيلم دولي عبر فيلم “هيليوبوليس” الذي يعد التجربة السينمائية الروائية الأولى للمخرج الجزائري، جعفر قاسم.
الجزائر – وقع اختيار الجزائر على الفيلم الروائي “هيليوبوليس” للمخرج جعفر قاسم ليمثلها في مسابقة أوسكار أحسن فيلم روائي طويل دولي (فيلم ناطق بغير اللغة الإنجليزية) التي تنظمها الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم الصور المتحركة. وكانت لجنة انتقاء الأفلام الجزائرية التي يرأسها المخرج الجزائري المخضرم محمد لخضر حامينا، قد أعلنت عن هذا الاختيار في وقت سابق.
ويدور هذا الفيلم السياسي المقتبس من أحداث واقعية حول شخصية “زيناتي”، أحد ملاّك الأراضي ببلدة هيليوبوليس بمحافظة قالمة (شرق الجزائر) وابن “قايد”، الذي تأثر بالأفكار الإدماجية، غير أن ابن زيناتي، الطالب الشاب، يتبنى المطالب المنادية باستقلال الجزائر.
فظائع لا تنسى
الفيلم الذي يتّخذ من تاريخ 1940 بداية لأحداثه يرصد أيضا الأسباب التي أدّت لمجازر 8 مايو 1945 التي ارتكب فيها المعمّرون فظائع رهيبة في حق الجزائريين، وهو إدانة صريحة للإبادات التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر.
ويعتبر العمل الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه جعفر قاسم، وقد كان جاهزا للعرض منذ نهاية فبراير الماضي، غير أن الجهة الوحيدة المنتجة ممثلة في المركز الوطني لتطوير السينما التابع لوزارة الثقافة والفنون الجزائرية أجّلت عرضه عدة مرات قبل تفشي وباء كورونا المستجد في مارس الماضي الذي فرض إغلاقا شاملا لقاعات السينما.
وشارك في أداء الفيلم الروائي ممثلون جزائريون كعزيز بوكروني ومهدي رمضاني وفضيل عسول بالإضافة إلى ممثلين فرنسيين.
واشتهر قاسم، وهو أيضا سيناريست ومنتج، بإخراج العديد من السيتكومات والمسلسلات الناجحة على غرار “ناس ملاح سيتي” (2001) و”جمعي فاميلي” (2008) و”سلطان عاشور العاشر” (2015).
واختارت الجزائر السنة الماضية فيلم “بابيشا” للمخرجة منية مدور، لتمثيل البلاد بالقائمة الطويلة لجوائز الأوسكار، فئة الأفلام الدولية.
وتدور أحداث العمل حول شابات جزائريات يتابعن دراستهنّ في الجامعة بالعاصمة، بشكل لا يفرضن على أنفسهنّ أي قيد من القيود المجتمعية المعتادة في المجتمعات العربية. شابات يعشن الحياة بكل ما يملكن من طاقة، ويظهرن حماسا كبيرا لقضم المزيد منها كلما أتيحت لهن الفرصة لذلك.
ومع الوقت بدأن يشعرن بتصاعد الضغط عليهنّ من قبل إسلاميين متشددين أصبحوا يعلقون ملصقات تدعو إلى ارتداء النقاب، بل شكلوا عصابات تلعب دور “الشرطة الدينية” في الجامعة.
حدث استثنائي
نالت الجزائر في العام 1970 أول جائزة أوسكار في تاريخ السينما العربية عبر فيلم “زاد” (إنتاج مشترك جزائري فرنسي) للمخرج الفرانكو-يوناني كوستا غافراس، وتبحث عن تحقيق هذا الإنجاز مرة أخرى العام المقبل 2021، عبر فيلم يروي جانبا من تاريخ الثورة الجزائرية.
ولا يزال مسرح “دولبي” في مدينة لوس أنجلس الأميركية شاهدا على لحظة صعود المنتج والمخرج الجزائري أحمد راشدي على خشبته لاستلام جائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في أوسكار، التي تحوّل اسمها لاحقا إلى جائزة أفضل فيلم دولي.
وكان الحدث حينها استثنائيا، إذ إن بلدا لم يطفئ بعد الشمعة العاشرة للاستقلال (استقلت الجزائر عام 1962) يخطف حينها أهم جائزة في تاريخ السينما العالمية.
وتاريخيا تعدّ الجزائر البلد العربي الوحيد الذي استطاع الوصول إلى القائمة القصيرة للأوسكار أربع مرات، بفيلم “الرقصة” للمخرج الإيطالي إيتوري سكولا عام 1983 (فيلم مشترك جزائري إيطالي)، وخاصة بفضل المخرج رشيد بوشارب الذي تمكّن من الوصول إلى الأوسكار ثلاث مرات، ما يجعله أكثر مخرج عربي وصل رسميا إلى ترشيحات الأوسكار بمعدل ثلاثة أفلام، هي “غبار الحياة” (إنتاج 1995)، و”بلديون” في العام 2006 و”الخارجون عن القانون” في العام 2011.
فيلم "هيليوبوليس" يرصد الأسباب التي أدّت إلى مجازر 8 مايو 1945 التي ارتكب فيها المعمّرون فظائع رهيبة في حق الجزائريين وأقضّت استقرارهم
وعانت الجزائر في السنوات الأخيرة من جفاف الإنتاج السينمائي، ممّا انعكس على الترشيحات التي بقيت محدودة هذه السنة، فلم تجد البلاد سوى فيلمين فقط وهما “هيليوبوليس” وفيلم “باركور” للمخرجة فاطمة الزهراء زعموم وهي أفلام من إنتاج جزائري مئة في المئة.
ويتطلب قبول أكاديمية الأوسكار للأفلام المرشحة لقائمتها الأولية لجائزة أحسن فيلم روائي طويل دولي العديد من الشروط، منها أن يكون العمل قد عُرض تجاريا بإحدى قاعات العرض في بلده الأصلي لمدة أسبوع على الأقل، لكن مع تفشي فايروس كورونا هذا العام اتخذت الأكاديمية إجراءات أكثر مرونة تماشيا مع الوضع الراهن، حيث أصبح على الأفلام المرشحة أن تُعرض في القاعات السينمائية ببلدانها قبل تاريخ 31 ديسمبر المقبل بعدما تم تمديد مواعيد العرض بسبب الجائحة.
وهو ما تم إقراره فعليا من المركز الجزائري لتطوير السينما، حيث أعلن المركز أن العرض الشرفي للفيلم الروائي الطويل “هيليوبوليس” سيكون في الخامس من نوفمبر الجاري بأوبرا الجزائر، وذلك في إطار الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية.
كما خصّص المركز من جهة أخرى عرضا خاصا بالإعلاميين في الرابع من الشهر الحالي بقاعة ابن زيدون برياض الفتح بالعاصمة الجزائر، بحضور المخرج والطاقم التقني والفني للعمل.

وستوزّع جوائز الأوسكار في دورتها الـ93 في 25 أبريل 2021، بدل 28 فبراير (موعدها المعتاد) بسبب تفشي جائحة كورونا.
وعلى الرغم من كون هذا التغيير غير عادي، فإنه ليس الأول في تاريخ الجائزة، فهي المرة الرابعة التي يتم فيها تأجيل حفل توزيع جوائز الأوسكار. وكانت الأولى عام 1938 نتيجة لفيضان بمدينة لوس أنجلس، ومرة أخرى عام 1968 بسبب اغتيال مارتن لوثر كينغ، والثالثة عام 1981 بعد محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان.
وحتى في ما يتعلق بمد فترة الأهلية، فهي ليست السابقة الأولى لها في تاريخ الجائزة، ففي الدورة السادسة تم مد فترة الأهلية إلى 17 شهرا، ما بين الأول من أغسطس 1932 وحتى نهاية ديسمبر 1933.
وكذلك فإنها ليست المرة الأولى التي تتم فيها إقامة حفل توزيع الجوائز في شهر أبريل، حيث كان هذا الموعد المحدد لتوزيع الجوائز لسنوات كثيرة منها عقد الستينات بالكامل، وعدة سنوات من السبعينات والثمانينات، وكان يتم التبادل ما بين مارس وأبريل بعد ذلك، حتى الألفية الجديدة والتي بعدها استقر موعد الحفل في فبراير تقريبا كل عام.
وكانت الدورة الـ92 من حفل توزيع جوائز الأوسكار في فبراير الماضي عرفت تتويج الفيلم الكوري الجنوبي “طفيلي” (باراسايت) بجائزة أحسن فيلم روائي طويل دولي.