فوزي خضر: أعتز بما قاله عني محفوظ وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور

صاحب أطول برنامج إذاعي في تاريخ مصر يواصل رحلة دعم الإبداع.
الثلاثاء 2023/03/14
بدأت شاعرا عموديا مثل معظم أبناء جيلي

هناك من الشعراء والكتاب من لا يكتفي بكتابة القصيدة أو النص الأدبي السردي على اختلاف أجناسه، ويختار أن ينفتح أكثر على العمل الثقافي، كما هو حال الشاعر والأكاديمي المصري فوزي خضر، الذي كرس جزءا هاما من تجربته لكتابة المعاجم والإعلام الإذاعي. “العرب” كان لها معه هذا الحوار حول تجربته. 

الأكاديمي فوزي خضر هو صاحب سيرة ومسيرة مميزة، انطلق من الإسكندرية في مطلع سبعينات القرن الماضي، تعرف على الكبار فصار منهم، تتلمذ على أيديهم حتى أصبح أستاذا، قدم أطول برنامج ثقافي درامي في تاريخ الإذاعة المصرية منذ نشأتها عام 1934، حيث أذيع منه أكثر من 3000 حلقة في 20 دولة.

علاوة على نشاطه الإعلامي ألّف خضر المعاجم، وكون ثنائية مع الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول، ليصدر 14 ديوانا شعريا إضافة إلى الأعمال الكاملة، وخمس مسرحيات شعرية، مثلت تجربة ثرية ومترامية الأطراف.

تنوع التجربة

لهتمام بالشعراء العرب
اهتمام بالشعراء العرب

حول اهتمامه بإنجاز معاجم عن الشعراء السكندريين والمصريين والعرب يقول فوزي خضر “اهتممت بشعر الإسكندرية فألفت عددا من الكتب منها ‘شاعرات الإسكندرية’، الذي رصد الشاعرات اللائي ظهرن فيها منذ إنشائها حتى سنة 1990. ولي كتاب ‘شعراء من الإسكندرية’ أرصد فيه أهم الشعراء منذ إنشائها في العصر القديم مثل كليماخوس وأراتوس وغيرهما، وفي العصر الإسلامي مثل ظافر الحداد وابن قلاقس السكندري وغيرهما، وفي العصر الحديث مثل عثمان حلمي وعبدالعليم القباني ومحجوب موسى وغيرهم أيضا”.

ويضيف “كما ألفت كتابا بحثيا عن شعراء الإسكندرية المعاصرين أمثال أحمد فضل شبلول وعبدالمنعم سالم وهدى عبدالغنى وجابر بسيوني وآخرين، أيضا وضعت كتبا عن شعراء فخصصت كل شاعر بكتاب مثل عبدالمنعم الأنصاري وفؤاد طمان وفهمي إبراهيم، ولي كتاب ‘شعر الإسكندرية بين أمواج النقد’، أما على مستوى مصر فإن لي كتابا مخطوطا لازلت أستكمله بعنوان ‘ديوان.. وشاعرة’ وهو كتاب بحثي في دواوين شاعرات مصر المعاصرات”.

ولم يتوقف جهد التوثيق والنقد الذي قام به خضر على مصر إذ قدم على المستوى العربي العديد من الكتب مثل “شاعرات من السعودية”، وهو كتاب ضخم يتعدى الخمس مئة صفحة ويرصد فيه شاعرات السعودية المعاصرات، وله كتاب “شاعرات الطائف بين الإقامة والترحال”. أما الموسوعات فقد صدر له جزءان من موسوعة “العلماء العرب والمسلمين” وله “موسوعة الأطباء العرب” في ستة أجزاء تقع في ثلاثة آلاف ورقة لا زالت مخطوطة لم تطبع، وكذلك موسوعة تاريخية “أيام الإسلام في 1400 عام” وتقع في حوالي ألف ورقة، ولم تطبع أيضا.

 يؤمن فوزى خضر بأنه لا يوجد سن يتوقف عنده الإنسان عن التعلم، وعما يخطط ليتعلمه في الفترة القادمة يقول “حفظ ما تيسر من القرآن الكريم”.

وكتب خضر العديد من الأعمال الدرامية الإذاعية وغير الإذاعية، نسأله عما يجذبه إلى كتابة الدراما، فيجيبنا “تجذبني الحياة الدرامية لبطل العمل، تلك الحياة التي تشتمل على مواقف تجذب انتباه المتلقي وتحرك فكره ومشاعره، فتسهم في اتساع رؤيته للحياة وإقباله عليها وحماسه للتفاعل معها، وقد حرصت على ذلك في أعمالي الدرامية سواء أكانت إذاعية أم تلفزيونية أم سينمائية. وقد تكون حياة البطل من تأليفي، وقد أستعين أحيانا بحياة بطلٍ قدمها التاريخ أو قدمتها إحدى الروايات”.

من الروايات التي تناولها خضر رواية “الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد”، للكاتب أحمد فضل شبلول، التي حولها إلى سيناريو فيلم روائي قصير بعنوان “الرسام” فاز في مسابقة السيناريو في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط.

يعلق على العمل “نحن في انتظار إنتاج السيناريو وتحويله إلى فيلم يعرض على المشاهدين. أنا أحببت هذه الرواية وقرأتها حين صدورها، وأعجبني أنها تتناول الليلة الأخيرة في حياة الفنان محمود سعيد الذي يمثل قمة فنية تشكيلية، إضافة إلى حياته المليئة بالمواقف الدرامية التي أجاد رسمها الروائي شبلول”.

البرنامج الإذاعي يتناول في كل عشر حلقات بأسلوب درامي كتابا عربيا أسهم في تقدم الحضارة البشرية في مجاله

عن الثنائية التي كونها مع الروائي والشاعر أحمد فضل شبلول يقول “بعض العلاقات الإنسانية تمثل تاريخا مشتركا بين الناس، لقد جمعنا نادي الشعر في قصر ثقافة الحرية، ثم الجيرة في حي محرم بك، ثم مسيرة طويلة من الصداقة امتدت عشرات السنين، كان كل منا يعين الآخر ويخاف عليه ويفرح لأي إنجاز يحققه زميله، لذلك اهتممت بكتابة سيناريو وحوار سباعية تلفزيونية عن روايته ‘الحجر العاشق’ وكتابة سيناريو وحوار فيلم ‘الرسام’ عن روايته ‘الليل الأخيرة’. وبيننا تعاون مخلص في عدد من الأنشطة. وأنا يسعدني كل نجاح يحققه أي شخص أعرفه، وأقدم له كل ما في استطاعتي من عون”.

ولخضر تجارب مميزة في الشعر والمسرح الشعري، فقد أصدر 14 ديوانا شعريا إضافة إلى الأعمال الكاملة والمسرحيات الشعرية، يقول “بدأت شاعرا عموديا مثل معظم أبناء جيلي ثم كتبت شعر التفعيلة، وعرفت بالقصيدة المدورة في السبعينات، وكتبت القصيدة الديوان، ثم القصيدة القصيرة جدا، وكان ديواني ‘قطرات من شلال النار’ أول ديوان عربي يصدر في هذا الشكل، وقد انتبه إلى تجربتي الشعرية عدد من كبار النقاد فكتبوا عنها أمثال الدكاترة: عزالدين إسماعيل، وعبدالقادر القط، وصلاح فضل وغيرهم، مما أتاح الفرصة لتدريس شعري في الجامعات منذ عام 1978. وشهد لتجربتي كبار الشعراء”.

ويتابع “أما المسرح الشعري عندي فهو يقدم شخصيات من التراث لم يسبق تقديمها على المسرح، فكتبت عن علماء أمثال ابن سينا وداود الأنطاكي والحسن بن الهيثم وأبي الريحان البيروتي، إضافة إلى 26 مسرحية شعرية قصيرة جدا تتناول أبطالا من التراث العربي والفرعوني وشعراء وحكاما. والمسرح النثري عندي تناولت فيه شخصيات مهمة أمثال البخلاء الموجودين في كتاب الجاحظ، وأبي الحسين بن الجصاص الذي جَهزَ قطر الندى للعرس على الخليفة المعتضد العباسي، والتاجر العماني وغيرهم وإن كان  مسرحي النثري لم يطبع بعد”.

أطول برنامج

 لا يمكن أن نحاور الأكاديمي فوزي خضر دون أن نتطرق إلى الحديث عن “كتاب عربي علم العالم” وتجربته الرائدة الآن بعد إذاعة 3000 حلقة منه في 20 دولة ليكون بذلك أطول برنامج ثقافي درامي قدمته الإذاعة المصرية منذ إنشائها سنة 1934.

يقول خضر “يتناول البرنامج في كل عشر حلقات درامية كتابا عربيا أسهم في تقدم الحضارة البشرية في مجاله، فيعرض حياة العالم وظروف تأليفه كتابه ذلك، من خلال نسيج درامي مثل قصة حب أو مؤامرات سياسية أو غير ذلك، وقد أضاف إلى فن التأليف الإذاعي في عدد من النواحي أهمها التوثيق العلمي للأحداث والاستغناء عن الفواصل الموسيقية بين المسامع،

جهد التوثيق والنقد الذي قام به الشاعر فوزي خضر لم يتوقف على مصر إذ قدم على المستوى العربي العديد من الكتب

وأسهم في انتشاره عدد حلقاته الكبير والفنانون الذين صوروا شخصياته من الصف الأول، أمثال عبدالله غيث ومحمود مرسي وجلال الشرقاوي وعمر الحريري وأشرف عبدالغفور ومحمد وفيق، وغيرهم كثيرون”.

ويتابع “إضافة إلى ذلك ساهم في نجاحه تنفيذه بمستوى فني رفيع على يد المخرج مدحت زكي مع صوت  الإذاعي أمين بسيوني في دور الراوي. والبرنامج يعرض علماء العرب والمسلمين وإنجازاتهم الباهرة، بلغة عربية بسيطة تصل إلى العامة وبحكايات درامية مشوقة ، لكي نقول عبر الحلقات إن العقل العربي قادر على أن يقود الحاضرة الإنسانية مرة أخرى… إذا توفرت شروط تؤهله لهذه المهمة، والعمل الجيد يصل برسالته إلى الناس لذلك تابعه العامة وشهد له كبار العلماء والأدباء والمفكرين من الاتجاهات كافة”.

ويواصل قوله “من المواقف التي أتذكرها جيدا إعلان جوائز الدولة في أواخر يونيو عام 1995. وكنا نسجل حلقات بطولة جلال الشرقاوي حيث أعلنت النتائج فوزي بجائزة الدولة التشجيعية في الشعر وفوز جلال الشرقاوي بجائزة الدولة التقديرية في الفنون، فتوقف التسجيل لمجيء كاميرات التلفزيون للتسجيل معنا، ثم فوجئنا بإرسال ‘تورتة’ كبيرة إلى الأستوديو من الوزير صفوت الشريف احتفالا بهذه المناسبة”.

 لخضر ذكريات خاصة مع كبار الروائيين والشعراء أمثال نجيب محفوظ وأمل دنقل وفاروق شوشة وأحمد سويلم وصلاح عبدالصبور، نسأله إن كان يمكن أن يأخذنا معه في رحلة مع أهم تلك الذكريات؟ يقول بعد ضحكة طويلة “هذا سؤال تستغرق الإجابة عليه كتابا بأكمله، ولكن في توقيعات تلغرافية أقول إن نجيب محفوظ كتب إعجابا بفني وتقديرا لموهبتي بخط يده، وقد تعرفت إليه عام 1972. وكتب ذلك عام 1991. وأمل دنقل كتب لي بخط يده أيضا: ‘المستقبل لك’. أما فاروق شوشة فكتب بحثا عن شعري وعن برنامج كتاب عربي، فقد كان رئيسا للإذاعة المصرية كما تعلمين”.

ويتابع “كذلك أحمد سويلم هو الصديق والأستاذ في الوقت نفسه، نَمَتْ صداقتنا منذ بدايات السبعينات وصاحبتها أستاذيته ورعايته لي، وبالنسبة إلى الشاعر الرائد صلاح عبدالصبور فهو الذي قدمني عام 1972 للأوساط الأدبية، وتحمس، وفتح أمامي سبل النشر في مصر وخارجها وقال ‘فوزي خضر هو الشاعر القادم في مستقبل الزمن’. وهذه الأقوال وغيرها أوسمة أعتز بها وأفخر بأني نلتها”.

12