"فوبيا" التظاهر تتحكم في ردود الفعل الرسمية بمصر

القاهرة- منح التعليق الضمني للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مؤخرا على التظاهرات المحدودة التي ساندتها جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، شحنة سياسية لمن تبنوا الدعوة، حيث حذر من تداعيات عدم الاستقرار ومحاولات تدمير البلاد، ووجه الشكر للمواطنين الذين لم يستجيبوا لـ”إشعال الوضع”.
مع أن المصريين لم يشعروا بأثر لهذه التظاهرات سوى في قناة الجزيرة والفضائيات التي تبث من تركيا، إلا أن اهتمام الإعلام المحلي بالرد المبالغ فيه أحيانا فُهم على أن هناك قلقا رسميا من الدعوات التحريضية، وأن ثمة خوفا من أن تتلاحم مع بعض الأزمات الناجمة عن سياسات الحكومة، وما أفضت إليه من مشكلات.
ويقول مراقبون إن تقويض جماعة الإخوان سياسيا لم يفقدها القدرة على تحريك قواعدها في المجتمع المصري، وهناك عناصر يمكنها القيام بهذه المهمة في ظل اتساع نطاق الغضب من تصورات وممارسات الحكومة، والتي قد تضطرها إلى تعديل خططها، ما يشي بالقابلية للاستجابة للضغوط المتبادلة.
ترى قوى محسوبة على المعارضة السياسية في مصر أن الحكومة تقوم بتوظيف دعوات التظاهر لصالحها، وتتعمد تضخيمها لتبرير قبضتها الأمنية
اعتاد الفنان المغمور والمقاول المصري الهارب في إسبانيا محمد علي على دعوة المصريين إلى التظاهر وتغيير نظام الحكم، وآخرها ما أسماه “جمعة الغضب” في 25 سبتمبر الجاري، ولم يستجب له سوى العشرات من المواطنين في بعض القرى على مدار عام، وحشدت جماعة الإخوان له أنصارها ولم يكن لذلك مردود حقيقي على الأرض.
تتعامل أجهزة الأمن بحسم مع هذه الدعوات، ولا تتهاون في تقدير جدواها الرمزية، مع أنها تعلم الأثر المحدود لها، ويدخل على هذا الخط مسؤولون كبار، وتظهر عليهم ملامح جدية زائدة، ويتجهون دوما إلى التحذير من مغبة التجاوب معها.
يمكن تفسير هذه المسألة على أكثر من وجه، فأجهزة الدولة المصرية، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، لا تريد التهاون مع هذا النوع من الدعوات ولو كان هزيلا، فتجربة احتجاجات 25 يناير 2011 لم تترك مجالا للتهاون عندما جرى التقليل من حملات التحريض على التظاهر وعمت الفوضى وسقط جهاز الشرطة.
تبتعد الأجهزة الأمنية تماما عن تكرار سيناريو مشابه، ولا تترك مجالا للصدفة منذ ذلك الوقت، وترفع درجة الجاهزية إلى سقف مرتفع مع كل دعوة إلى التظاهر، وتتخذ الإجراءات اللازمة تحسبا لاستغلال الغضب المجتمعي والاقتصادي المكبوت.
أدت هذه “الفوبيا” إلى التعامل بخشونة مع عدد من الشخصيات المحسوبة على المعارضة المدنية، وقادت إلى التحقيق معها بتهم جنائية عندما بدت توجهاتها متسقة، ربما بالصدفة، مع ما تخطط له جماعة الإخوان.
تكمن خطورة هذه المعطيات في أن المعارضة عموما تقلص حجمها في الواقع، وجماعة الإخوان لا تتوقف عن تحريض من تضرروا كثيرا من إجراءات الحكومة، خاصة في قانون مخالفات البناء، الذي ألحق خسارة بالغة بشريحة من المواطنين لديها قناعة بأن الضغوط المتواصلة ولو صبت في صالح الإخوان سوف تجبر الحكومة على مراجعة قراراتها، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من موقف.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن الحكومة تخشى من تأثير الشائعات والمعلومات المغلوطة لإثارة اليأس والشبهات في كل القرارات التي تتخذها، وصولا إلى خلق حالة من الفرقة بينها وبين المواطنين، وحشدهم ضدها وهذا جوهر الخطورة، فالمعركة أصبحت تتعلق بالوعي في المـقام الأول.
وأشار لـ”العرب” إلى أن حملات التحريض ممتدة ونشطة وتريد أن تستغل كل فرصة للظهور، ولن تسلم الحكومة منها حتى في المشروعات القومية الضخمة التي تدشنها، فالهدف سيظل دائما التشكيك فيها.
ترى قوى محسوبة على المعارضة السياسية في مصر أن الحكومة تقوم بتوظيف دعوات التظاهر لصالحها، وتتعمد تضخيمها لتبرير قبضتها الأمنية، واللجوء إلى إجراءات قاسية في مجال الإصلاح الاقتصادي، بذريعة أنها تريد تجنب شبح مماثل لما يدور في بعض الدول العربية التي انهار قوامها السياسي والعسكري.
تؤكد هذه القوى أن التأثير الفعلي للإخوان يظل في العالم الافتراضي ووسائل الإعلام التابعة لها فقط، فلا وجود لهم على الأرض، فقد سقطوا سياسيا تحت وطأة الضربات التي تعرضوا لها على مدار السنوات الماضية، كما أن الناس اكتشفوا حقيقة الجماعة، وفقدوا التعاطف معها، بعدما عرفوا ما كانت تخطط له من تصورات قاتمة.
يختلف بعض الخبراء في الحركات الإسلامية مع هذا التقدير، لأن القوة ليست في الإخوان كجماعة سياسية أو أمنية، فهم إحدى الأذرع التي تستخدمها تركيا وقطر في تسجيل نقاط رمزية في مرمى النظام المصري، ووضعه تحت ضغط مستمر، أملا في إجباره على تقديم تنازلات في قضايا إقليمية متشابكة.
وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية وليد لابرش إن جماعة الإخوان لا تزال تمثل تهديدا للدولة، فالتنظيم “متماسك بفضل بقاء أنشطته الاقتصادية التي تم نقل ملكيتها وإدارتها من الصفين الأول والثاني إلى قيادات صغيرة غير معروفة، وأموال الجماعة لا تزال تنفق على أسر أعضائها المتواجدين في السجون وخارجها”.
اعتاد الفنان المغمور والمقاول المصري الهارب في إسبانيا محمد علي على دعوة المصريين إلى التظاهر وتغيير نظام الحكم، وآخرها ما أسماه "جمعة الغضب" في 25 سبتمبر الجاري
وأضاف لـ”العرب” أن الجماعة دعت إلى التظاهرات الأخيرة ولم تطالب عناصرها بالمشاركة في ظل التوجه نحو الحفاظ على رأس المال والإبقاء على من يديرونه بعيدا عن أعين الدولة، وأملها فقط تحريك أفراد من خارجها للتظاهرات ثم القفز عليها، أو للضغط على النظام للقبول بالتفاوض معها أو مع تركيا التي تحتضنها.
وتعلم الأجهزة الأمنية المصرية حجم التداخل والتشابك الخارجي، ما يدفعها إلى التعامل بحسم مع دعوات التظاهر التي أصبحت لها مواسم تصعد وتختفي فيها وفقا لبعض التطورات الإقليمية، وعدم الركون إلى وعي الشعب فقط أو نبذه للجماعة وحلفائها، ففي لحظات الإحباط يمكن أن يتحول التذمر من سياسات الحكومة إلى انتقام.
يوجه الرئيس السيسي دائما كلماته للمواطنين، فهم في نظره الحلقة الأضعف والأقوى في الوقت نفسه، وعليهم أن يتماسكوا ويلتحموا ويلتفوا حوله كقوة صلبة،
ويرفضون الانجراف لبلوغ الغضب أقصى مداه، كي لا يصبح مصيرهم مثل دول مجاورة. ويلجأ مسؤولون في مصر إلى هذه النغمة كثيرا، ويضربون أمثلة بما جرى في سوريا وليبيا واليمن والعراق، لتصوير الأمر على أن هناك متربصين دائمين ببلدهم، وما الإخوان إلا أداة لتنفيذ مؤامرة على مصر.