فنانات ينتصرن للمؤنث في "غاليري الكحيلة" بالقاهرة

المعرض التشكيلي الجماعي "امرأة تعني العالم" يثير إشكالاته حول ما تعنيه المرأة فنيّا وحياتيّا، من خلال أعمال لافتة لتشكيليات متمردات يرين أن المرأة هي العالم.
الأحد 2018/04/15
زيزت سلطان: المرأة حقيقة العالم

ماذا تعني المرأة فنيّا؟ يجيب الفنان: هو نفسه الذي تعنيه المرأة حياتيّا، إنها باختصار وبساطة: تعني العالم.

أن تأخذ الألوان زينتها، فهذا تأويله الأبرز أن ترتدي إهاب الحقيقة وتاج الأنوثة، فلربما الصورة التي لا تؤنَّث لا يُعوَّل عليها، ولربما تاء التأنيث هي الوعاء المفتوح الذي فيه نقطتان: بداية الوجود، ونهايته.

المرأة، مفتاح الخصوبة والأمومة والتكوين والميلاد والنماء، خميرة التشكيل التي لا ينقطع أثرها النشط في الكائنات والموجودات، اتصال الأقدام ببطن الأرض والفروع السامقة بقلب السماء.

هكذا يثير المعرض التشكيلي الجماعي “امرأة تعني العالم”، المنعقد حاليا في القاهرة، إشكالاته حول ما تعنيه المرأة فنيّا وحياتيّا، من خلال أعمال لافتة لتشكيليات متمردات يرين أن المرأة هي العالم.

يحتضن غاليري الكحيلة بحي المهندسين بالجيزة، القريبة من القاهرة، المعرض الجماعي “امرأة تعني العالم” خلال الفترة من 9 إلى 19 إبريل الجاري، بمشاركة مجموعة من التشكيليات من أجيال مختلفة، جمعتهن الرغبة في الانتصار للأنوثة وإبراز قوتها وقدرتها وتمكينها من توصيل كلمتها وبث صوتها، بالقدر نفسه الذي تنشر فيه عطرها الناعم ووهجها الأخاذ.

بريت بطرس غالي: جوهر الأنوثة
بريت بطرس غالي: جوهر الأنوثة

“امرأة تعني العالم”، عنوان دال على أن الألوان ذاتها التي تأخذ زينتها عند كل لوحة وهي تصور المرأة هي أيضا التي تعري العالم وتفضح سوءاته وتفك شفراته الخفية من خلال تمثيل الوجوه والملامح والسمات النفسية والمشاعر الداخلية للنساء كبوابات سحرية للعبور إلى المعاني العميقة.

ولأنه ليس أقدر من المرأة على رسم تجاربها، فقد اضطلعت التشكيليات أكثر من الفنانين الرجال بمهمة استلهام المرأة كتيمة تعبيرية خصبة تسع الوجود، مع جرأة كبيرة في طرح البورتريه غير التقليدي، وفتح مساحات واسعة للتجريب والتجريد وتحرير المرأة من إطارها النمطي وتمثلاتها الجسدانية والغرائزية.

قماشة فنية خصبة

 من أبرز الفنانات المشاركات في معرض “امرأة تعني العالم”: وفاء النشاشيبي، بريت بطرس غالي، دينا فاضل، حنان يوسف، فتنة جلال، أماني شكري، زيزت سلطان وأخريات. ويثري هذا التعدد فكرة المعرض، بالانفتاح على تيارات ومدارس فنية مختلفة تتعدد آليات تفاعلها مع قماشة المرأة.

قوة المرأة هي ترجمة مباشرة لقوة ألوان الفنانة وفاء النشاشيبي، التي اختارت التفرغ لدراسة الفن اعتبارا من العام 1992، حيث حصلت على دورات تدريبية في الرسم والتلوين بمدارس الفنون التشكيلية، كما مارست التشكيل من خلال خامات الفخار والخزف.

تأتي الألوان المباشرة القوية في تجربة وفاء النشاشيبي للتعبير عن مشاعر الإنسان المتأججة ومعاناته، بغض النظر عن اختلافاته وتنوع بيئته وتحدياته، وتمثل المرأة لدى الفنانة حالة من السيولة والتوقد والتفجر الدائم للطاقة الخلاقة، والقدرة على التجدد، وملء الفراغ بعناصر الحياة الإيجابية، في البر والبحر والجو.

حنان يوسف: الجسد الأنثوي
حنان يوسف: الجسد الأنثوي

ومن ضمن ما تلجأ إليه وفاء النشاشيبي من الحيل الفنية، تقنية الإيهام، حيث المزج بين الحقيقة والخيال، والأجساد والأشباح، إذ تتخذ المرأة صفات أسطورية تجعلها غير بعيدة الصلة عن عروس البحر وجنية الحكايات الشعبية والنداهة والساحرة، بما يزيد طاقتها حيوية ويمنحها وجها من وجوه الخلود.

ويمنح التجريد الفنانة بريت بطرس غالي مساحة أرحب للكشف عن جوهر الأنوثة والمعاني الكامنة في جوانيات المرأة، حيث المشاعر الداخلية والانفجارات المتقدة التي تشمل بالتة الألوان كلها، خصوصا أحمرها وبنيها وأزرقها، ورمادياتها المتدرجة، فحيثما تكون المرأة يكون حريق التخلق، ويكون المخاض، والفوران، وتكون الأدخنة.

تحرر الفنانة بريت بطرس غالي المرأة أيضا من ضعفها المزعوم، فتجسدها عادة في عنفوانها واكتمالها لا في لحظات انكسارها كالمعتاد، وتتخلص من ميراث التعبير عن المرأة بوصفها جسدا غرائزيّا أو شجرة مثمرة بالرغبة، كما تتحلل ملامح المرأة لديها من الطابع المحلي أو السمات الإقليمية.

وقد ولدت بريت بطرس غالي ودرست النحت والرسم في النرويج، وأقامت أول معرض لها في باريس في العام 1965، وتجاوزت معارضها 35 معرضا خاصّا في سائر أرجاء العالم، ونالت جوائز دولية عدة، منها أرفع وسام في النرويج “سان أولاف” في 1996، لإسهاماتها المتميزة في الفن المعاصر.

أنوثة الطبيعة

 أما الفنانة دينا فاضل، التي ولدت في بريطانيا في العام 1982 لأبوين مصريين وأقامت العديد من المعارض داخل مصر وخارجها ونالت مجموعة من الأوسمة والجوائز، فإنها تفتح القماشة النسوية المتسعة على كائنات الطبيعة، بوصف المرأة أيقونة تلك الكائنات.

وفاء النشاشيبي: تقنية الإيهام
وفاء النشاشيبي: تقنية الإيهام

الأزهار، أوراق الأشجار، الأصداف، السحابات، الأمواج وغيرها، دوال أنثوية بامتياز، مثلما أن المرأة دفتر عملاق تنطوي صفحاته اللانهائية على الغابات والصحراوات ومنابع الأنهار ومنابت الأشجار وأوكار الطيور.

وتقترح الفنانة حنان يوسف في تشخيصها للجسد الأنثوي خرائط تفصيلية لجغرافيا المرأة تتجاوز أبعادها الفيزيائية إلى مدارات الروح المحلقة وهالات الضوء المصاحبة، وهي صاحبة رصيد في هذا السياق، حيث قدمت من قبل معرضا فرديّا بعنوان “ألوان البهجة” بلغت فيه المرأة ذروة شفافيتها.

وتستخدم الفنانة فتنة جلال الخامات المتنوعة في لوحاتها، وفي بورتريهاتها غير النمطية، تتداعى الرموز والدلالات، وربما الكـلمات، من العيون والشفاه، وتقترب الملامح أحيانا من الوجوه الأفريقية، حيث الحدة والصراحة والوضوح، وتكثيف التعبـير الانـفعـالي كـأنها تصـوّر بـؤرة ضـوء.

وتعيد التشكيلية زيزت سلطان المرأة إلى جذورها الحضارية، وتستعيد تاريخها الممتد عبر العصور، إذ تجسدها في بيئات وأزمنة مختلفة، فيمنحها هذا التعدد معنى أنها هي حقيقة العالم مهما تغيرت الأمكنة وتوالت الأزمنة.

وتحيط الفنانة أماني شكري نساءها بزخارف ونقوش ورسوم وطلاسم، خالعة على المرأة وأثوابها عناصر تراثية وتصاوير ذات دلالات وإيقاعات خاصة، تعرفها الحكايات الشعبية والذاكرة البصرية، بما يثري حضور المرأة ويعمقه، فتبدو كأيقونة حياة بسيطة، قابلة للتجدد.

“امرأة تعني العالم”، معرض تتسع رؤيته من تشخيص المرأة الكائنة إلى محاولة اقتراح عالم جديد لانهائي بأصابع نسوية بارعة تعي كينونتها.

12