فتح تحقيق ضد النهضة وقلب تونس بتهمة تمويل أجنبي للحملة الانتخابية

دعّمت شخصيات سياسية وحقوقية قرار القضاء التونسي بفتح تحقيق حول شبهات اعتماد أحزاب سياسية تتزعم المشهد على أموال أجنبية خلال حملاتها في آخر المحطات الانتخابية التي شهدتها البلاد، في مؤشر على فتح ملفات أوسع.
تونس - فتح القضاء التونسي تحقيقا ضد حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية “عيش تونسي” للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019 ، في خطوة قال مراقبون إنها بداية لتعافي القضاء التونسي وتحرره من ضغوط حركة النهضة وحكومة المشيشي.
وكشف الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي الأربعاء أن القطب القضائي الاقتصادي والمالي اتخذ قرارات في جملة من الملفات تشمل أحزاباً وسياسيين وشخصيات معروفة للاشتباه في تلقيها أموالاً من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الدالي قوله، إن النيابة العمومية قرّرت فتح تحقيق قضائي ضد كل من حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي من أجل شبهة الحصول على تمويلات أجنبية غير مشروعة، وذلك بعد دراسة ملفّ عقود مجموعات الضغط اللوبينغ.
وأشار إلى أن منطلق الأبحاث كان شكوى رفعها حزب التيار الديمقراطي وتقرير عن محكمة المحاسبات، لافتا إلى أن مراسلات إدارية تمت خاصة مع البنك المركزي والجمارك وإلى أنه تم توجيه التهم بعد استيفاء الأبحاث الأولوية.

أحمد صواب: بداية تحرر القضاء جاءت بعد سبات عميق من القضاة
وأضاف أن قضاة التحقيق سيباشرون أعمالهم ويتخذون ما يرتأون من قرارات احترازية على غرار تحجير السفر أو غيرها، مشيرا إلى أنه سيتم إصدار إنابات قضائية في الغرض.
ويعد حزب النهضة إضافة إلى حزب قلب تونس الذي يتزعمه قطب الإعلام نبيل القروي من بين أكبر الأحزاب في البرلمان الذي تم انتخابه في سبتمبر 2019.
ونافس القروي الرئيس قيس سعيد في انتخابات رئاسية جرت على جولتين في سبتمبر وأكتوبر 2019.
ويخضغ القروي، الذي يمتلك قناة تلفزية خاصة منذ فترة لتحقيق في اتهامات أخرى بارتكاب مخالفات مالية أدت إلى سجنه احتياطيا خلال معظم الحملة الانتخابية عام 2019 ومرة أخرى هذا العام.
وتم فتح التحقيق يوم 14 يوليو أي قبل قرارات الرئيس قيس سعيد بإقالة هشام المشيشي وتجميد البرلمان وتوليه رئاسة السلطة التنفيذية والنيابة العامة.
وترى شخصيات سياسية أن القرار القضائي خطوة إيجابية لبداية تعافي القضاء التونسي الذي ظلّ محلّ سيطرة حركة النهضة منذ سنوات.
وأفاد قيادي سياسي لـ”العرب”، أن “القرار جاء في سياق ظهرت فيه ضغوط على القضاء، والدليل على عدم استقلال القضاء التونسي هو فتح التحقيق لقرابة 11 شهرا، ثم 10 أشهر أخرى في التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية ضد النهضة وقلب تونس، ما يعني أن هناك رغبة من القضاء في تعطيل الملف”.
وأضاف القيادي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “هناك الكثير من القضاة لهم احترازات على القضايا المتعلقة بشخصيات سياسية، وأعتقد أن القضاء الآن سيبدأ في التعافي”.
وحول شروط تفعيل هذه الخطوة والدفع نحو تحرير القضاء، قال المتحدث “على القضاة أن يتحرروا من الخوف بعدم توريط أنفسهم مع الأحزاب، وأن يفتحوا الملفات بجدية، فضلا عن ضرورة تطهير القضاء”.
ويأتي ذلك بعد الإجراءات التي اتخذها سعيد، والتي كان آخرها الثلاثاء بإنهاء مهام مدير القضاء العسكري ومدير ديوان رئيس الحكومة، والأمين العام للحكومة، وعدد من المسؤولين المقربين من رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي.
وضمت آخر القرارات إقالة ثمانية مستشارين برئاسة الحكومة وتسعة أعضاء آخرين مكلفين بمهام في الديوان الحكومي، على غرار إقالة رئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية.
وأفاد القاضي السابق والمحامي، أحمد صواب بأن “فتح التحقيق في هذه الملفات بدأ منذ الرابع عشر من يوليو الجاري”.
القطب القضائي الاقتصادي والمالي التونسي اتخذ قرارات في جملة من الملفات تشمل أحزاباً وسياسيين وشخصيات معروفة للاشتباه في تلقيها أموالاً من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “بداية تحرر القضاء جاءت بعد سبات عميق من القضاة ومن المجلس الأعلى للقضاء، وبدأت بضغط شعبي على النظر في ملفات الطيب راشد وملفي شكري بلعيد ومحمد البراهمي”، مطالبا بـ”دفع القضاة لفتح ملفات فساد أخرى تتعلق بشخصيات سياسية نافذة في السلطة”.
وبخصوص قيادة فتح التحقيق إلى التحفظ على المتهمين أو المسؤولين المباشرين في التمويل من عناصر النهضة أو قلب تونس، أكّد القاضي صواب أنه “يقع التحقيق مع الممثل القانوني ويقع تتبع الأطراف التي موّلت ذلك الحزب من الناحية الجزائية”.
وقالت القاضية كلثوم كنّو الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين في تصريحات سابقة إن “هناك العديد من الملفات وضعت على أنظار القضاء”، لافتة إلى أن “تعاطي القضاء مع عدة ملفات فيه الكثير من اللبس”.
وأضافت “لقد أحيلت العديد من القضايا على القضاء لكن لم يقع التطرق إليها بعد”. وبيّنت أن “هذه القضايا تثار خصوصا عند الاحتجاجات (الأمنيين والجمارك وصفقات اللوبيات) على غرار ملف النفايات الإيطالية”، مشيرة إلى “وجود ضغط على القضاء بعدما تمت إحالة 16 قاضيا على مجلس التأديب للوزير السابق، لكن وزيرة العدل ألغت ثلاثة أسماء منهم وهذه مسألة سياسية بامتياز”.
وكانت فضيلة القرقوري، رئيسة دائرة بمحكمة المحاسبات، أفادت بأن المحكمة رصدت خلال عملها الرقابي على الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019، العديد من الإخلالات التي شابت الحسابات المالية للمرشحين وشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال مال مشبوه غير مصرّح به في الحملات الانتخابية وعدم احترام أحكام مرسوم الأحزاب.
وسبق أن انتقد عدد من نواب البرلمان تأخر البت في قضايا الفساد السياسي والمالي، بالإضافة إلى البطء في البت في القضايا الإرهاب وقضايا الأمن القومي.