"فاهيتا" تخيّب آمال جمهورها في أولى بطولاتها الدرامية

نتفليكس تستفيد من شهرة "أبلة فاهيتا" دون إضافة جديد على الدمية الساخرة.
الخميس 2021/03/25
الكوميديا شرط أساسي لاستمرار نجاح الدمية الساخرة

انتهى الموسم الأول من مسلسل “أبلة فاهيتا.. دراما كوين”، وهو يمثل البطولة الدرامية الأولى للدمية المصرية الساخرة من دون تقديم مضمون يلبي تطلعات جمهورها العريض بعدما ركّز على البعد الدرامي وخلا من مساحات الكوميديا المعتادة مع استثناءات طفيفة.

القاهرة - تمتلك الدُمية المصرية “أبلة فاهيتا” التي ابتكرها المخرج عمرو سلامة قبل عقد شعبية طاغية على مواقع التواصل الاجتماعي من بينها ما يزيد على خمسة ملايين متابع على موقع فيسبوك، جذبتهم جرأتها في مواجهة الضيوف بأسئلة شديدة الخصوصية وتنفيسها عنهم عبر التهكّم على المشكلات الاجتماعية والسياسية ولو بصورة مبطنة.

ودفعت تلك الشعبية شبكة نتفليكس الأميركية إلى إنتاج عمل من بطولة الدمية المصرية الشهيرة واختيار قصة تتماشى مع طبيعة أعمالها العالمية بتركيبة من الغموض والجريمة والإثارة، ما جار بشدة على مساحة الضحك في العمل وإظهاره بصورة تقليدية.

وحافظ المسلسل على شخصية الأرملة العصرية الأنيقة التي تهتم بالموضة أكثر من ابنتها “كارو” وابنها “بودي”، وقدّمهم كما لو كانوا بشرا طبيعيين يتحرّكون ويتنكّرون دون قدرة على تمييزهم، ويدخلون في صراعات مع باقي فريق العمل، بينها اقتحام مشرحة للجثث وتهريب أحد الموتى.

لغز المطربة المشهورة

البطولة الأولى للدمية الساخرة جاءت أقل من توقعات الجمهور الذي انتظر منها مساحات أوسع على مستوى الكوميديا والجرأة
الدراما قلصت مساحة الكوميديا لدى الدمية المصرية

تعتبر فكرة الجمع بين دمية والأبطال الحقيقيين نهجا معروفا في هوليوود، على عكس الدراما والسينما المحلية في الرعب والكوميديا، وتعطي انطباعات بصلاحية المضمون لقطاع أكبر من الجمهور على المستوى السني، وربما كان ذلك سببا في تقليل مساحات التهكّم الجنسي الذي يتردّد على لسان “فاهيتا” في  المسلسل عكس برامجها المصنفة لفئة الكبار، لأنه يتضمّن إيحاءات جنسية أحيانا.

وتمتلك “أبلة فاهيتا” من الناحية الإنتاجية كل المقومات التي يملكها البطل في العالم الحقيقي، من قدرة على جذب الجمهور وتميّز في إمكانية توظيفها بقصة محفوظة ومتكرّرة، اعتمادا على بحث المشاهد عن تعليقاتها الصوتية المغايرة وغير المنطقية التي تخالف ما يتوقّعه.

أندرو محسن: المسلسل تضمّن قدرا من الكوميديا ليس بقوة حلقات برنامج "أبلة فاهيتا"

وتدور فكرة العمل حول “فاهيتا” المغنية المشهورة التي ينتظر الجمهور حفلتها بلهفة وتشوّق، قبل أن تفقد كل شيء بسقوط فستانها على المسرح وتعرّضها لحملات ضارية إعلاميا، وفي الواقع الافتراضي تتّهمها بتعمّد التعرّي أمام الجمهور.

تذوق المطربة الشهيرة وأسرتها طعم الفقر والجوع إلى درجة تناول حساء من قشر البيض، فتضطر إلى القبول بعرض إنتاج فيلم من صاحب ملهى ليلي متواضع، لكن يتجادلان على بند إضافي يتعلّق بإحياء فقرة غنائية في ملهاه أسبوعيا، ويتعرّض للقتل خلال مناوشتهما من مجهول، وتصبح الدمية المتهم الأول وتقطع رحلة للبحث عن براءتها.

يتّسم العمل بأنه يحمل قدرا كبيرا من الدراما، بنوعية الموسيقى القوية التي وضعها الموسيقار حسن الشافعي وطبيعة القصة التي اتّخذت طابعا بوليسيا بالبحث عن القاتل، وهو أمر لم يهضمه الجمهور الذي لم يقتنع بقدرة الدمية على تجسيد مشاعر الحزن والقلق والتوتر والفرح مع عجز الأداء الصوتي عن التعبير عن تلك المشاعر بقوة.

وجاءت أغنية “إيزيس جالها عريس” شديدة الشبه بأوبريت “الحبيب المجهول” للفنانة ليلى مراد على مستوى الفكرة والتصميم، عند دخول الخاطبين كل منهم يعرض مزاياه ومؤهلاته في أجواء غنائية تتخلّلها الرقصات، وأتت مساحة الكوميديا فيها أقل بكثير من النسخة القديمة التي تضمنت أسماء ثقيلة مثل إسماعيل ياسين وشكوكو.

إسقاطات سياسية وجنسية

الإيحاءات أحد أسرار نجاح “فاهيتا”
الإيحاءات أحد أسرار نجاح “فاهيتا”

فرض الفقر التمثيلي في العمل مساحات ثناء كبيرة على الفنان باسم سمرة بحجم انفعال عريض أظهره في شخصية “أمين” الذي يتوعّد بالانتقام من مقتل شريكه في الملهى الليلي، قبل أن يتعرّض لمفاجأة غير متوقعة باكتشاف وجود علاقة آثمة بينه وبين زوجته.

تعامل المسلسل، الذي ألفه جورج عزمي ودنيا ماهر ومحمد الجمل، مع الدمية “أبلة فاهيتا” كما لو كانت ممثلة يمكنها تجسيد أي دور دون دراسة أفق انتظار الجمهور، في سلوك شبيه بما حدث حينما تعرّضت إحدى سينماوات الدرجة الثالثة “الترسو” بمصر للتدمير بسبب تلقي الفنان فريد شوقي ضربة على مؤخرة رقبته في فيلم “الفتوة”، بعدما صاح الجمهور “الملك لا يضرب على قفاه”.

وتؤكّد تلك الفكرة إعجاب الجمهور بالحلقة السادسة والأخيرة التي شهدت فتح هاتف القتيل المليء بالمشاهد الجنسية والتعليقات التهكمية لـ”فاهيتا” على أمزجة المشاهير في العلاقات الحميمية وسلوكهم المنحرف في حفلات العراة وتمكنها من تحقيق ثراء مفاجئ بابتزازها لهم، ما يؤكّد أن شعبية تلك الدمية نابعة من اللعب في منطقة بعينها.

البطولة الأولى للدمية الساخرة جاءت أقل من توقعات الجمهور الذي انتظر منها مساحات أوسع على مستوى الكوميديا والجرأة

ارتبطت “فاهيتا” بقدرتها على التنفيس عن المصريين طوال الفترة الانتقالية التي تلت ثورة 25 يناير 2011 وفتحت وقتها مجالا واسعا للانتقاد السياسي عبر البرامج الحوارية أو أغنية “هما أربع سنين” بعد فوز مرشح الإخوان محمد مرسي بالرئاسة في مصر، وقدرتها على رسم منطقة بعينها تعمل فيها لا يباريها أحد بالسخرية اللاذعة المعتمدة على الإيحاءات الجنسية.

ومثّل العمل مساحة عريضة للمخرج خالد مرعي لإظهار مواهبه بعدما جاءت الصورة مبهرة على مستوى الاستعراضات الغنائية والراقصة، والعزف على وتر الألوان والديكورات لتعويض نمطية أداء الدمى وقلة عدد حركاتها، لكن الأمر لم يخل من بعض الأخطاء الطفيفة كلقطات النرجيلة التي جاءت مشتعلة ثم مطفأة ثم مشتعلة مجدّدا في مشهد واحد، واستمرار الملهى الليلي في العمل دون توقف رغم حدوث جريمة قتل داخله.

وبدت النكت التي تضمنها العمل بليدة وغير مضحكة، كتشبيه “فاهيتا” نفسها بالأميرة ديانا، أو توصيفها لذاتها بأنها أرملة ذات أنياب، أو حتى تهديدها لـصاحب الملهي الليلي بأنها “عقربة ستلدغه من لبلوبه”، والأخيرة كلمة تعني في اللغة العامية منطقة في أسفل الفخذ.

وظهرت تلك النوعية من الجمل الحوارية أضعف بكثير من تعليقاتها في الفعاليات الفنية كالمهرجانات السينمائية العربية أو برنامج “لايف من الدوبليكس” شديد الجرأة الذي تجاوز العديد من الخطوط الحمراء المتعلقة بالنكتة الساخرة ذات التلميح السياسي، التي لا يقترب منها الإعلام المصري حاليا.

ويقول الناقد الفني أندرو محسن لـ”العرب” إن المسلسل تضمّن قدرا من الكوميديا ليس بقوة حلقات برنامج “أبلة فاهيتا” الشهير، أو المقاطع التي يتم بثها على موقع يوتيوب، مع التعامل معها كامرأة طبيعية وليس كدمية في مسلسل، وهو العنصر الذي فاجأ الجمهور.

وأضاف أن قصة المسلسل تمّت كتابتها بشكل متماسك مع اختيار فريق من الممثلين أدّى دوره بشكل جيد، بما يتماشى مع الطابع الدرامي الذي اتخذته القصة الخفيفة التي يمكن وصفها في النهاية باللطيفة، خاصة المقاطع الغنائية لـ”كارو” ابنة “فاهيتا”.

ويظل تقديم موسم ثان من “أبلة فاهيتا.. دراما كوين” مرهونا بتقييم نتفليكس لثمار الموسم الأول الذي تمت ترجمته إلى عشرين لغة للبث في 190 دولة، وما إذا كان سيحقّق هدفه في جذب 158 مليون مشاهد حول العالم أم لا؟ فالنجاح يُقاس في عُرف المنصات بحجم المشاهدة وليس بانطباعات الناس.

باسم سمرة خطف الأضواء بأدائه المتزن
باسم سمرة خطف الأضواء بأدائه المتزن

 

16