غياب غير مسبوق للحزب الحاكم في الجزائر عن الاستحقاق الرئاسي

أبقى المجلس الدستوري الجزائري، السبت، على قائمة المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 12 ديسمبر، والتي تتألف من خمسة مرشحين، وغاب عن القائمة الرسمية لأول مرة مرشح الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني، وأرجع المراقبون ذلك إلى حالة ارتباك داخلي يعيشها الحزب منذ استقالة عبدالعزيز بوتفليقة، أمام توقعات بانقسامات داخلية حول دعم أحد المرشحين المقربين إلى جبهة التحرير الوطني، وهما علي بن فليس أو عبدالمجيد تبون.
الجزائر – غاب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، أكبر القوى السياسية عن القائمة النهائية لمرشحي الاستحقاق الرئاسي، بسبب عدم تقديمه لأي مرشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة قبل نهاية العام الجاري، رغم وجود مرشحين محسوبين عليه أو مقربين منه، على غرار رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، والمرشح المستقل عبدالمجيد تبون.
وكشف المسؤول الإعلامي في حزب جبهة التحرير الوطني محمد عماري، أن الحزب لم يحدد بعد مصير وعائه الانتخابي في الاستحقاق الرئاسي القادم، وأن المشاورات جارية داخل المؤسسات من أجل بلورة موقف نهائي في وقت لاحق.
ويعكس تأخر الحزب المستحوذ على الأغلبية في المجالس النيابية والمنتخبة، حالة الارتباك الداخلي، نتيجة التطورات التي أفرزتها عملية إجهاض مخطط النظام السابق القاضي بالتجديد للرئيس بوتفليقة للمرة الخامس على التوالي، بعد انفجار احتجاجات الحراك الشعبي، وإبطال موعدين للانتخابات الرئاسية، فضلا عن سجن أمينين عامين له، وهما جمال ولد عباس ومحمد جميعي، إلى جانب وزراء ومسؤولين ونواب رجال أعمال محسوبين عليه.
وحال الفراغ القائم في هياكل الحزب والتجاذبات الداخلية دون مواكبة الحزب للتطورات المتسارعة في البلاد، عكس القوى السياسية الأخرى، التي تتقاسم معه نفس الخندق في دعم سلطة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، على غرار التجمع الوطني الديمقراطي في البلاد، الذي رشح أمينه العام بالنيابة وزير الثقافة الأسبق عزالدين ميهوبي، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية.
الفراغ القائم في هياكل حزب جبهة التحرير الوطني والتجاذبات الداخلية حالا دون مواكبة الحزب للتطورات المتسارعة في البلاد، عكس القوى السياسية الأخرى
وكان المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية)، قد أعلن السبت عن سقوط جميع الطعون التي قدمت له من طرف مرشحين لم يقتنعوا بقرار السلطة المستقلة للانتخابات، ليترسم بذلك خوض الانتخابات المذكورة بالمرشحين الخمسة المعلن عنهم، وبرر قراره بـ”افتقاد الطاعنين للمبررات والأدلة الملموسة”.
وإذا كان ذلك لا يفيد الحزب الحاكم في شيء، فإنه سيؤشر على وعائه الانتخابي الذي سيكون موزعا بحسب مصادر من داخله بين المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، على اعتبار أنه مرشح النظام الأول وينحدر سياسيا من الحزب، وبين رئيس طلائع الحريات علي بن فليس، على اعتبار أنه أيضا ينحدر من صفوفه وكان في مطلع الألفية أمينه العام قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزبه الجديد، بسبب خلافاته مع الرئيس السابق بوتفليقة.
وتكون بوادر الانشطار الداخلي في جبهة التحرير الوطني، قد تجلت مع ظهور عناصر قيادية تتجه إلى تجنيد الوعاء الانتخابي لدعم رئيس الحكومة السابق عبدالمجيد تبون، نظرا للقواسم المشتركة بينه وبين جبهة التحرير الوطني وبين النظام السياسي، في حين عبرت عناصر أخرى عن إمكانية دعم رئيس الحكومة الآخر علي بن فليس، لأسباب متشابهة.
ويرى متابعون للشأن الحزبي الجزائري، بأن مساعي الوسطاء الذين يعتزمون تعبئة الحزب من أجل دعم أحد المرشحين أو الاثنين معا، ودفع هيئة المكتب السياسي لبلورة قرار نهائي في هذا الشأن، يصعب عليها التوصل إلى بلورة موقف محدد، في ظل الفراغ المؤسساتي الذي يعيشه الحزب واستحالة التوفيق بين جميع الأجنحة حتى في الأوضاع الطبيعية للحزب.
وكان مناضلون وأنصار من جبهة التحرير الوطني، قد انخرطوا في حملة جمع التوقيعات للمرشح المستقل عبدالمجيد تبون، مما يعيد إلى الأذهان سيناريو انخراط قطاع معتبر من وعاء الحزب في حملة المرشح المستقل في منتصف تسعينات القرن الماضي اليامين زروال، الذي قدمه حينها العسكر كمرشح للسلطة، رغم أن القيادة الرسمية للحزب حينها كانت متخندقة في صفوف المعارضة.
ويحاول قياديون مركزيون ومحليون فرض الأمر الواقع على هيئة المكتب السياسي، لإصدار قرار دعم المرشح عبدالمجيد تبون، من خلال الانخراط المبكر في المناوبات الانتخابية بالعاصمة وفي العديد من الولايات (المحافظات)، فضلا عن دعم وتنظيم ما بات يعرف بـ”المسيرات الشعبية المؤيدة للخيار الانتخابي”، والفاشلة لحد الآن في حشد الشارع الجزائري، من أجل استعادة التوازن مع الرافضين لها.
ورغم أن القيادة السابقة للحزب جردت عبدالمجيد تبون من الغطاء الحزبي في صائفة العام 2017، بعد تنحيته من رئاسة الوزراء، بسبب التجاذبات القوية آنذاك بينه وبين المقربين من جناح الرئاسة بقيادة سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وبإيعاز من لوبيات سياسية ومالية تضررت من قرارات تبون، إلا أن التيار الموالي للنظام داخل الحزب لا يولي القرارَ أهميةً ويهرول دائما من أجل البقاء قريبا من السلطة.
وفي المقابل يتجه جناح آخر إلى إرساء قطيعة سياسية مع القيادات المتعاقبة على الحزب منذ مطلع الألفية، وبدعوى قطع الطريق على المتورطين في انحرافات نظام بوتفليقة، يدعون إلى دعم المرشح علي بن فليس، قياسا بجذوره الجبهوية ومساره النضالي في الحزب إلى غاية التربع على عرشه في العام 2000، وما تعرض له من إجحاف من طرف الجناح الموالي لبوتفليقة حينها، لتجريده من الحزب.
ويعيش الحزب الحاكم في البلاد حالة من التيهان السياسي غير المسبوق، فبعدما قاد البوصلة السياسية والحزبية في كبريات الاستحقاقات الانتخابية خاصة خلال العشريتين الأخيرتين، اتجه إلى تكرار سيناريو منتصف التسعينات، لما انشطر بين تيار داعم لمرشح المؤسسة العسكرية، وبين تيار مقاطع، وهو الوضع الذي اضطر القيادة حينها إلى الإقرار بترك الحرية للوعاء الانتخابي، والتغيب عن الانتخابات الرئاسية.