غمغمة باللون في عالم مكتظ بالشاعرية النبيلة

التشكيلي رياض الشعار يرسم حلمه السوري المشتهى بين تجريد وتشخيص.
الجمعة 2021/10/01
حرارة الألوان تعكس قلق الانتظار

تتفاعل الألوان في الفضاءات التشكيلية عند الفنان التشكيلي السوري رياض الشعار وتتحرّك ضمن ديناميكية تشمل كل مكونات اللوحة، ووفق إيقاع انفعالي لفرشاة مغمّسة بالإحساس والقلق، إيقاع يكاد يقترب من حدود التشظي اللوني، حيث تتماهى معه مكوّنات اللوحة وكياناتها التشخيصية، ممّا يمنحها طاقة انفعالية تحرّرها من المُتعارف عليه.

يُجيد الفنان التشكيلي السوري رياض الشعار صناعة التناغم وفق خفقات القلب في أعماله الفنية، حالة من الموسيقى والرقص تستدعي متعة بصرية بفعل انسجام وتناغم نصوصه البصرية المرسومة بدم القلب والمفعمة بالبهجة، رغم الألم الذي يعتصرها في سنوات عجاف والتي تمرّ بها أوطاننا بغمرة تغيرات كبرى في مزاج العالم بأسره.

بوتقة النفس العميقة وما يحدث بها من احتراق داخلي تنصهر فيها كل الألوان بتناغم متقن ونسب كل منها بقدر، هو انعكاس لما تلتقطه مرشحات الفنان المختلفة في أدائها ودرجة حساسيتها عن الكثير من التجارب الفنية في المنطقة العربية، فهي لا تنتبه إلى النتائج بقدر تركيزها على عملية الفعل نفسها وطريقة أدائها، حالة من المناجاة بين الفنان وروحه بين العفوي والمقصود، التلقائي والمدرك في خطوطها وألوانها، ما بين التشخيص والتجريد لثيمة المرأة، فهي لحن أساسي لا محيد عنه في أغلب أعماله تلك الأم، الحبيبة، الزوجة والابنة. نصف الكون المتلألئ والنابض بالحياة والخصوبة.

حياة بديلة

مساءلة جمالية للعبة الحضور والغياب

تجربته الشعار الفنية حالة ذهنية بمثابة التقاطات شاعر وانتباه من فنان يتتبّع الحدود الداخلية ويمتلك القدرة على ترجمة اللامرئي من الأحاسيس إلى أعمال فنية بديعة يدركها الجميع بعد أن كانت مزيجا من الأفكار والمشاعر تعتمل في داخل الفنان.

اللوحة عنده حياة بديلة، مكان للحلم، للعيش، كأنها ملجأ كل الأرواح، تشترك بأفراحها وأحزانها في مساحة واحدة تصبح مستقرا لكل الأماكن المسكونة بالحنين والبهجة، بالفرح والحزن بالماضي والحاضر بالنور والعتمة وبالضوء والظلمة بالخير والشر بالأبيض والأسود.

وهو القائل “أنا أكثر من متمرّد، لديّ هوس اللوحة، وهي هاجسي الأكبر، عندما أكون معها أنسى كل ما يحيط بي، ومتى وقفت عن الرسم يعني أني وقفت عن الحياة”.

ويضيف “الفن التشكيلي بالنسبة لي شعر بالألوان، وذلك لأن الحالة الشعرية هي جزء من شخصيتي، كما أنني لا أقبل اللوحة التي تخلو منها، والحالة الشاعرية ليست مقتصرة على الشعر أو الفن التشكيلي بل هي المشكاة التي يستمدّ الفنان إبداعه من نورها ذلك أيا كان توجهه، من هنا أستطيع القول إن كل لوحة تفتقد للشاعرية هي لوحة ناقصة، وما الفن إلاّ عمل منجز بإبداع، وغير ذلك فهو أمر كاذب”.

تجربة فنية تنتمي إلى جيل مدفوع بحب الفن والعيش في تفاصيله، فالفنان يرسم الحياة ويفصح دائما عن قصة انتظار في ركن قصي على خشبة مسرح طموحات البشر وأحلامهم.

كل الألوان عنده مفعمة بالمعاني، ترجمة للأحلام المعلنة والأخرى المكبوتة لكافة الناس في رسم معاصر يتكئ على خبرة طويلة في التعامل مع العمل الفني، مع اطلاع على ما تمّ إنتاجه في الغرب من فن الرسم عبر مراحل تاريخ الفنون كافة والتعبيرية التجريدية خاصة.

ضد العتمة

Thumbnail

الشعار في الكثير من الحالات يقترب من مناخات الأميركي ويليم دي كوننغ ذات العنفوان التعبيري، وكأن اللوحة عليها أثار لواقعة ما، كما تظهر حكايات الإنجليزي فرانسيس بيكون الرمزية في بعض ملامح البورتريهات، وفي حالات أخرى تنخفض وتيرة العاطفي وتتصاعد وتيرة الذهني في مشاهد يكون الفنان قد استغنى فيها عن أجزاء أقل من الحياة الواقعية لتكون أكثر وضوحا وتشخيصا بكثافة لونية متناغمة وجرأة في استبدال ألوان الأشياء بأخرى حسب مزاج شاعري مرهف كمشاهد الألماني التعبيري فرانز مارك.

وغمغمة باللون في عالم مكتظ بكل القيم النبيلة، تغدو فيها قيمة الثيمة هنا ليست في الأشياء في حد ذاتها بل في تلك التي تتركها من انطباعات من كل المحسنات التشكيلية الممكنة، وهي عابرة كالإضاءات الساقطة على سطوح مفعمة بالبهجة المنبعثة من خلالها، أو عبر عناق ألوانها واصطفاف ظلالها واختباء خطوطها الواهية وخربشاتها المرتبكة.

وكل ذلك يأتي عنده اعتمادا على مهارات في التنفيذ وفي رسم أنامل تخرج من العتمة وانعكاسات الظلال على وجنات النسوة، علاوة على طريقة أداء التلوين وأثر الفرشاة والإحساس الرفيع برسم الحالة التعبيرية ما بين التشخيص والتجريد، فتبهرنا القصة وتشدّنا ألوانها ومفرداتها وما بينهما، حينها يتكوّن المعنى الذي يغازل ذاكرتنا ووعينا ويوقظ فينا المئات من القصص والحكايات.

المرأة في لوحات رياض الشعار لحن أساسي لا محيد عنه، فهي عنده نصف الكون المتلألئ والنابض بالحياة والخصوبة

وعن الشعار وتجربته يقول الناقد العراقي محسن الذهبي “الفنان يحاول في كل مرة الخروج عن التقاليد التي أرستها الحداثة الفنية في سوريا، حيث أن الشعر جزء رئيسيّ من تجربته التشكيلية، وهو يتحرّك في بناء اللوحة بين ثنائية المألوف واللامألوف، إذ يحافظ على عنصر التجسيم الشكلي في حين يمزجه بانزياحات تجريدية تعكس صورة الواقع في كليّتها، فلا انفصال عنده في كل ما يدخل في صياغة الدلالات عن هذا التمثيل من أجل أن يصبح المُشاهد قادرا على الوعي بالرسالة المشفّرة التي يريد الفنان إيصالها. فهو يحدّق بنظره في الحياة من نافذته الخاصة كي يصنع لنا واقعا يريد أن يطلعنا على أسراره فنشاركه بهاءه أو قبحه”.

أما الفنان والناقد التشكيلي الأردني محمد الجالوس فيقول “إن نسيج اللوحة عند الشعار يحمل قصة إنسانية، أما الحالة الشعرية فتتمثل في حركة الألوان والفرشاة التي تتنقل برشاقة واختزال على فضاء اللوحة لتعبّر عن مشهد واقعي مغلّف برمزية شعرية تصل حد الموسيقى”.

ورياض الشعار فنان سوري من مواليد مدينة سلمية 1966، تخرّج من معهد الفنون الجميلة في حماة عام 1988، عمل في تدريس مادة الرسم، وهو حاليا متفرّغ للرسم.

شارك في العديد من المعارض الجماعية في دمشق وبيروت وباريس ومدريد، كما أقام العديد من المعارض الفردية بغاليري عشتار وغاليري فاتح المدرس في دمشق، وغاليري وادي فينان في العاصمة الأردنية عمّان، وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية والمتحف الوطني في دمشق وضمن مجموعات خاصة في العديد من الدول العربية والأجنبية.

الفنان السوري يمتلك قدرة عجيبة على ترجمة اللامرئي من الأحاسيس إلى أعمال فنية بديعة مشبعة بالأفكار والمشاعر

 

17