غلق القنوات الجزائرية يعمق أزمة البطالة في قطاع الإعلام المريض

الانفتاح العشوائي لمجال الإعلام أنتج حالة فساد مقننة في القطاع.
الخميس 2021/08/26
شاشة أخرى انتهت إلى العتمة

حذر المجلس الوطني للصحافيين من سياسة الحكومة الخاصة بقطاع الإعلام ولجوئها إلى غلق القنوات الفضائية التي مارست مخالفات مهنية، والذي تسبب بـ”تشريد الصحافيين”، بسبب وضع لا يتحملون مسؤوليته نجم عن أخطاء السلطة في وقت سابق.

الجزائر – تعززت البطالة بأرقام جديدة من الصحافيين والفنيين في قطاع الإعلام، بعد قرار الحكومة غلق قنوات تلفزيونية خاصة لأسباب مختلفة، دون اعتبار لوضعية العاملين في القطاع المأزوم أساسا.

ويبدو أن الوصاية التي تريد تطهير المشهد الإعلامي من التركة الثقيلة التي خلفها نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وضعت بصمتها على شكل تعقيدات جديدة تنعكس على العاملين أكثر من الملاك، لأنهم يدفعون فاتورة وضع تأسس في وقت سابق إثر تواطؤ بين رجال المال والسلطة، وهم لا يتحملون مسؤوليته.

ودق المجلس الوطني للصحافيين (نقابة مستقلة) جرس الإنذار نتيجة استمرار الحكومة في الغلق النهائي والمؤقت لقنوات تلفزيونية مملوكة للقطاع الخاص، ودعت في بيان إلى “عدم تشريد الصحافيين”، بسبب وضع لا يتحملون مسؤوليته نجم عن أخطاء السلطة في وقت سابق.

وأشار المجلس إلى أن تطهير المشهد الإعلامي في البلاد، يستوجب العودة إلى العاملين فيه لبحث المخارج والنتائج، على اعتبار أن عملية التطهير التي تعكف الحكومة على تنفيذها بإيعاز من القيادة السياسية العليا للبلاد، تتطلب مراعاة الوضع الاجتماعي والمهني للموظفين والصحافيين والأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة عند اتخاذ قرارات من هذا القبيل.

تطهير المشهد الإعلامي من التركة الثقيلة التي خلفها نظام بوتفليقة، تسبب بتعقيدات جديدة تنعكس على العاملين أكثر من الملاك

وأعلنت وزارة الاتصال خلال الأسابيع الماضية، عن غلق عدة قنوات تلفزيونية خاصة لأسباب مختلفة، بدأت بتوقيف قناة “لينا” نهائيا، بسبب عدم امتثالها لتوصيات سلطة ضبط نشاط السمعي البصري، ثم قناة “الحياة” مؤقتا لأسباب مهنية، ثم جاء الدور في بحر هذا الأسبوع على قناة “الجزائرية وان” نهائيا، وقناة “البلاد” مؤقتا لأسباب مشابهة.

وخلفت هذه القرارات حالة من الغضب والخوف من المجهول، في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن تعاطي السلطة مع المشهد الإعلامي والضوابط التي تريد وضعها، بعد عقد ما وصف بـ”الفوضى والعشوائية” نتيجة عدم حسم الوصاية في الآليات والنصوص العملية التي تؤسس لمشهد إعلامي محلي.

ورغم انطلاق التعددية الإعلامية في 2011، بقرار من الرئيس السابق بوتفليقة تحت ضغط موجة “الربيع العربي” آنذاك، إلا أن الوضع لا زال يراوح مكانه بالنسبة لأكثر من 40 قناة تلفزيونية لا زالت تمارس نشاطها كمؤسسات أجنبية تملك مكاتب فقط في الجزائر، وذلك في ظل تعمد السلطة المماطلة في وضع أطر تشريعية وإمكانيات لوجستية، مما أفضى إلى إنتاج حالة فساد مقننة على حساب المهنية والاحترافية، حيث يسود الغموض حول عائدات الإعلان وتحويل العملة الصعبة إلى الخارج، وانتهاك حقوق الصحافيين والعمال.

وقال المجلس بأن “قطاع الإعلام في الجزائر يعيش وضعا صعبا ومتأزما سواء بالنسبة إلى الصحافيين أو للمهنة عموما، وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه حلولا لهذا الوضع المتدهور، يتفاجأ المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، بتوالي قرارات الغلق النهائي لبعض القنوات، دون الأخذ بعين الاعتبار مستقبل الصحافيين والعمال في كلا المؤسستين”.

ودعا في بيانه، وزارة الاتصال إلى “التدخل من أجل حماية حقوق الصحافيين ومراجعة قراراتها، لما في ذلك من انعكاسات خطيرة على الصحافيين والعاملين بهاتين المؤسستين”.

وأضاف “الصحافيون والعمال لا ذنب لهم في تحمل مسؤولية تبعات الوضع القانوني الغامض الذي تعيشه بعض القنوات الفضائية الجزائرية الخاضعة أساسا للقانون الأجنبي، بالإضافة إلى معاناة الكثير من الصحافيين من التعسف الممارس ضدهم من قبل بعض المسيّريين، ومشكلة تأخر الأجور لعدة شهور”.

Thumbnail

وتابع “رغم أن المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، طرح هذا الملف سابقا على الوزارة الوصية، وأكد أن أكثر من 700 صحافي جزائري يعانون خلال السنتين الأخيرتين سواء من عدم تلقي الأجور أو تأخرها أو فقدان مناصب عملهم، تفاجأنا بقرارات الغلق النهائي من دون الأخذ بالحسبان مصير الصحافيين والعاملين بكلتا المؤسستين (الجزائرية وان، ولينا تي.في)”.

وإذ عبرت النقابة عن تضامنها مع الصحافيين والمصورين والتقنيين الذين تعرضت مؤسساتهم للغلق، فقد دعت وزارة الاتصال إلى التكفل التام والكامل بهم، وإلى فتح باب الحوار بين الوزارة الوصية وملاك المؤسسات الإعلامية، من أجل التوصل إلى حلول مجدية تحفظ كرامة الصحافي وتضمن استمرارية المؤسسات الإعلامية في عملها دون المساس بالمصلحة العليا للوطن، أو بالصحافيين أو بأخلاقيات المهنة.

وكان بيان لوزارة الاتصال قد برر قرار غلق قناة “الجزائرية وان” نهائيا، وقناة “البلاد” مؤقتا، بما أسماه “عدم احترام متطلبات الأمن العام”، بالنسبة للأولى، و”ارتكابها خروقات تتعلق بعدم احترامها للتوصيات الخاصة بحماية الأطفال القصر والأحداث خلال بث برامجها”، بالنسبة للثانية.

وذكر بأنه “من منطلق مهامها الضبطية والرقابية على المشهد السمعي البصري، فإن سلطة الضبط سجلت خروقات مهنية من قبل قناة ‘الجزائرية وان’ تتعلق أساسا بعدم احترام متطلبات الأمن العام، وخرق أحد شركاء القناة لقانون النشاط السمعي البصري القاضي بمنع امتلاك أسهم في أكثر من قناة تلفزيونية، فضلا عن المتابعات القضائية، وصدور مذكرة توقيف وأمر بالقبض من قبل العدالة الجزائرية في حق الإخوة مالكي ومؤسسي ومسيري هذه القناة، بسبب مخالفة قانون الصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الجزائر من جهة وتبييض الأموال من جهة أخرى”.

وبذلك تكون الحكومة قد وضعت يدها على إحدى نتائج الفتح العشوائي للقطاع منذ العام 2011، وهي ممارسات كانت محل اشتباه وتنديد، بسبب تحويل تلك القنوات إلى وسائل تحصيل أموال بطرق غير مشروعة (عائدات الإعلان لمؤسسات هي على الورق أجنبية)، وتبييض الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج.

غير أن ذلك لا يحجب حالة الفوضى التي تسود القطاع، وتوجه الحكومة إلى فرض المزيد من القيود، حيث يذكر عاملون في القنوات المذكورة، بأنه كان جديرا “مرافقة القنوات وليس توقيفها”، كما أن تزامن ذلك مع سحب اعتمادات قنوات أجنبية وعربية على غرار “فرانس24”، و”العربية”، يوحي أن السلطة بصدد العمل على إنتاج مشهد إعلامي جديد يتحرك وفق أطر محددة.

18