غلاء الأعلاف يوسّع دائرة تذمر المزارعين في تونس

عكس تصاعد تذمر مربي الماشية والدواجن في تونس من الغلاء المتواتر في أسعار الأعلاف حجم الأزمة التي يعيشها القطاع منذ فترة بسبب سوء إدارة السلطات لهذا الملف بالنظر إلى ارتدادات المشاكل المتعلقة بالاقتصاد العالمي وموجة الجفاف المستمرة، مما جعلهم يدخلون في معركة مفتوحة مع الحكومة لمعالجة هذا الملف.
تونس - تدفع تداعيات حرب أوكرانيا وموجة الجفاف التي تضرب تونس، إلى جانب غياب البرامج الحكومية الداعمة للمزارعين جراء الأزمة المالية، إلى تقويض مردودية الإنتاج الحيواني بسبب التكاليف الباهظة، الأمر الذي يعيق تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ومارس العشرات من مربي المواشي والدواجن في الأيام الماضية ضغوطا على الحكومة رفضا للزيادات المتتالية في أسعار الأعلاف التي اعتبروا أنها ستنعكس على كلفة الإنتاج، وسط دعوات إلى ضرورة التدخل لتنظيم القطاع بتعديل الأسعار أو تحريره.
ونتيجة للضغوط من المقرر أن تعلن وزارة الفلاحة الخميس عن تعديلات في الأسعار. لكنها في الوقت الذي قد تعمل فيه على تهدئة غضب المزارعين، فإنها قد تفاقم الضغوط على القدرة الشرائية للتونسيين، ما يؤكد ارتباك الحكومة في حل هذه المشكلة.

الطاهر بن عامر: المزارعون غاضبون بشدة والزيادة بلغت 23 في المئة
وشهدت الكثير من ولايات (محافظات) البلاد حالة غضب في صفوف الناشطين في القطاع احتجاجا على الزيادات الأخيرة في أسعار الأعلاف.
وبينما أقدم مزارعون من ولاية المهدية على سكب كميات من الحليب أمام مقر الولاية، عمد آخرون بمنطقة قصر مزوار التابعة لولاية باجة الاثنين الماضي إلى إغلاق الطرقات.
وتكرر المشهد ذاته في صفاقس حيث احتج مزارعون أمام مقر الولاية وقاموا بركن شاحناتهم المحملة بأبقارهم وأغنامهم في الطريق تعبيرا عن غضبهم وامتعاضهم، مطالبين بالتدخل وإيجاد حلول في أقرب الآجال.
ولم تكن ولاية المنستير بعيدة عن هذا الوضع فقد أغلق مزارعون من منطقة بعميرة التوازرة الطريق العام تنديدا “بتهميش الحكومة للمزارع والمساس بقوت آلاف المنتجين” ولدفع السلطات إلى التحرك لمعالجة هذه المعضلة.
واعتبر أهل القطاع أن كلفة إنتاج الحليب أصبحت تثقل كاهل المزارع أكثر من أي وقت مضى، مقابل صمت الأطراف المشرفة على هذا النشاط أمام تواصل ارتفاع الأسعار.
وأكّد محسن البوعلي (أحد المحتجين) أن الزيادات تتسبّب في إثقال كاهل مربي الماشية. وقال في تصريح لإذاعة محلية إن “الاحتجاج هو نقطة البداية لسلسلة من التحركات قد تصل إلى التوجّه إلى العاصمة بعد أن أصبحنا غير قادرين على توفير العلف لدوابنا”.
وشملت الزيادة التي أقرتها وزارة الفلاحة مؤخرا كامل منظومة الإنتاج الحيواني ومنها الألبان واللحوم الحمراء (التسمين)، واللحوم البيضاء (تربية الدواجن والبيض).
وقال الطاهر بن عامر، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالمهدية، إن “الأعلاف المركبة (الصوجا والشعير وغيرهما) هي العنصر الأساسي في قطاع الإنتاج الحيواني، وهي مرتبطة بالتوريد”.
وأكد لـ”العرب” أنه في ظل تدهور قيمة الدينار وارتفاع تكاليف النقل “هناك ارتفاع جنوني ومرعب لأسعار الأعلاف والمزارع بات يرضخ للضغوط على غرار الزيادة الأخيرة التي بلغت 23 في المئة”.
وتابع بن عامر “هناك حالة من الغضب لدى المزارعين، وهو ما قد ينعكس على المستهلك في شكل زيادة في أسعار الحليب ومشتقاته”.

أنيس الخرباش: بين 10 و20 في المئة من المربين يغادرون القطاع سنويا
وأصبحت كلفة اللتر الواحد من الحليب أكثر من 1.8 دينار (0.56 دولار)، بينما يبيعه المنتج للدولة بسعر 0.37 دولار ويباع للمستهلك بمبلغ 0.44 دولار.
ويرى بن عامر أن الضرورة تقتضي رفع السعر على مستوى الإنتاج ليبلغ 1.6 دينار (0.52 دولار) أو تحرير بيع الحليب للمصانع وتنظيم منظومة الإنتاج.
وأوضح أن الزيادة الأخيرة لها وقع شديد على منظومة الإنتاج وقدرة المربين على مواصلة نشاطهم في انتظار الزيادة في الأسعار عند البيع بما سيرهق المستهلك.
وتشير التقديرات إلى أن القطاع الزراعي الذي يسهم بنحو 10 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي يوفر فرص عمل بشكل مباشر وغير مباشر لنحو 3 ملايين شخص، ما يعد الأكبر في الاستئثار بالقوة العاملة النشيطة في البلاد.
والجمعة الماضية استنكر مربو الماشية بمنطقتي بومرداس والجم من المهدية خطوة زيادة أسعار الأعلاف ليصبح السعر في حدود 300 دينار للطن (98.1 دولار)، أي بواقع 15 دينارا (4.9 دولار) لكيس العلف وزن 50 كلغ، والذي بات سعره في حدود 25.9 دولار.
وينشط في المهدية حوالي 14 ألف مربي ماشية يمتلكون بين رأسين و3 رؤوس من الأغنام والأبقار، فيما تبلغ الحصة الشهرية للجهة ألفي طن من الشعير العلفي.
وينتظر، وفق تصريح إعلامي أدلى به رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، أن ينتج عن الزيادة المذكورة ارتفاع في سعر أربع بيضات عند البيع للمستهلك بنحو 0.2 دينار و0.4 دينار في سعر لتر الحليب ودينار واحد في سعر لحوم الدواجن.
ويرى خبراء أن ارتفاع أسعار الأعلاف من فترة إلى أخرى يساهم في عزوف المزارعين عن ممارسة نشاطهم، فضلا عن كونه أصبح عاملا منفرا من الاهتمام بهذا القطاع الحيوي.
وقال نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (اتحاد المزارعين) أنيس الخرباش لـ”العرب” إن “الاحتجاجات تبدو منطقية لأن معظم القطاعات صارت مأزومة في العشرية الأخيرة، خاصة تربية الماشية وقطاع الدواجن”.
وأضاف “هناك انهيار تام للمنظومة، حيث يغادر من 10 إلى 20 في المئة من المربين سنويا، فضلا عن عزوف المزارعين عن مواصلة نشاطهم بسبب تراجع هامش الربح”.

ولفت إلى أنه لا يوجد تنسيق واضح بين وزارتي التجارة والفلاحة، إضافة إلى مشكلة مسالك التوزيع، ما “يكرّس انعدام مفهوم الدولة”.
وتابع الخرباش “قلنا منذ سنوات أنه توجد لوبيات فساد في القطاع، ويبدو أنها أقوى من الدولة، وهذا ما يستدعي تنظيم حوار جدي بإرادة سياسية كبيرة لإصلاح القطاع، فضلا عن مجلس قومي للأمن الغذائي، وعلينا أن نتخلص من التبعية الغذائية للخارج”.
واستطرد “أهدرنا عشر سنوات كاملة دون وضع استراتيجية لإصلاح القطاع الزراعي الذي ظل القطاع الوحيد إيجابيا في السنوات الأخيرة”.
وكان مزارعو منطقة أولاد جاب الله التابعة للمهدية قد نفذوا احتجاجات في مارس الماضي، قبل إقرار الزيادة في الأسعار، مطالبين بتوفير العلف بالكمية الكافية مع دعم مربي الماشية لمواجهة ارتفاع التكاليف الذي يعيق مواصلة أعمالهم.
وأمام عجز السلطات التونسية على إيجاد الحلول وهشاشة الاقتصاد المحلي، يحذر خبراء الاقتصاد من خطر انهيار منظومات الانتاج عموما بسبب ارتفاع الكلفة وتأثيرات الأوضاع الدولية.
وفي وقت سابق عبّر اتحاد المزارعين عن استيائه من “تجاهل السلطة لمشاغل المزارعين والبحارة (الصيادين)”. وقال في بيان إن “مختلف منظومات الإنتاج الزراعي تواجه صعوبات”.
وعبر أيضا عن تخوّفه من شلل القطاع حينما أوضح في البيان أن “مختلف منظومات الإنتاج الزراعي مهددة بخطر الانهيار بسبب ارتفاع الكلفة وتداعيات التغيرات المناخية وتأثيرات الأوضاع الدولية”.