غلاء أسعار السيارات يؤرق التونسيين

تونس - ارتفعت أسعار السيارات بصنفيها المورّد والمستعمل في الأسواق التونسية، ما بات يؤرق المواطن الذي يعاني أصلا من ضعف القدرة الشرائية في ظلّ تزايد النفقات اليومية والضرورية، حيث أصبح التفكير في شراء سيارة للتنقل أمرا صعب المنال.
ويقول مراقبون إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة منذ سنوات أثرت بشكل أو بآخر على ترويج السيارات، خصوصا بالنسبة إلى الشركات التي تراجعت مبيعاتها بنسبة أربعة في المئة.
ويؤكد هؤلاء أن ضعف أجور التونسيين عموما، والتي لم تعد تفي بتوفير الحاجيات المعيشية الأساسية مع تراجع قيمة الدينار، والخشية من الارتهان للمؤسسات المالية المقرضة (البنوك)، سحبت عملية اقتناء السيارة الشعبية من أفكار غالبية الفئات.
وراهنت الدولة التونسية بعد الاستقلال في 20 مارس 1956، على بيع السيارات الشعبية للمواطنين بأسعار في متناولهم، لكن أسعارها ارتفعت تدريجيا في السنوات الأخيرة.
ويبلغ متوسط سعر السيارة الشعبية في تونس حاليا 35 ألف دينار (11.2 ألف دولار)، وهو سعر يعتبره التونسيون باهظا نسبيا.
وقال أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله إن “هناك أبعادا عديدة لغلاء أسعار السيارات منها تراجع القدرة الشرائية للتونسيين، وهي أيضا متعلقة بعدة أشياء مثل شراء المنازل وصعوبة توزيع النفقات داخل الأسرة، حيث لم تعد الأنشطة الترفيهية والثقافية من الأساسيات في سلم اهتمامات المواطنين”.
وأضاف لـ”العرب”، “لا بدّ من مراجعة الأجر بالنسبة إلى التونسيين، والذي لا يزال ضعيفا مقارنة بعديد المهن في عدد من الدول الأخرى، فضلا عن تراجع قيمة الدينار مقارنة بالدولار، إلى جانب مشكلة حصرية التوريد التي تتحكم في السوق والشروط المجحفة للمؤسسات المالية والبنوك لإقراض المواطن”.
ولفت أولاد عبدالله إلى أن “سعر السيارة يناهز المئة ألف دينار وهامش الربح بالنسبة إلى الشركات يصل إلى 60 في المئة، ومصطلح السيارة الشعبية قبر، وعدم قدرة التونسيين على شراء سيارة ساهم في غلاء أسعار السيارات المستعملة، علاوة على تحديد سنّ السيارة عند الاستيراد وتفاقم أزمة النقل العمومي”.
ووفق أرقام رسمية، شهدت السوق التونسية في قطاع بيع السيارات بجميع أصنافها، في العام الماضي بيع 72332 سيارة مقابل 70377 سيارة في العام السابق له 2022 بزيادة بنحو سبعة في المئة.
وتمّ ترويج 55813 سيارة من قبل الوكلاء المعتمدين و16519 سيارة في السوق الموازية.
وأكد الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي أن “غلاء أسعار السيارات ناتج عن عدة عوامل وخصوصا إنهاء الاتفاقيات بين المورّدين والمؤسسات في تونس، التي أبرمت منذ التسعينات، إلى جانب تقلص قيمة الدينار خصوصا بعد سنة 2018، وتأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية التي خلفت ظاهرة تضخم عالمية في الأسعار”.
ولفت في تصريح لـ”العرب” أن “السيارة الشعبية كانت مخصصة للطبقة المتوسطة في تونس أي من دخلهم بين ألف وألف و500 دينار، (بين 329 دولارا و 494 دولارا) لكن الآن الأمور تغيرت والأسعار زادت إلى أكثر من 50 في المئة”.
إجمالي مبيعات السيارات (النفعية والسياحية) في تونس بلغ منذ بداية سنة 2024، إلى موفّى أغسطس الماضي، 35 ألف سيارة، مقارنة بـ37 ألف سيارة في العام الماضي
وأوضح أن “أهم المؤشرات التي كانت تميّز الطبقة الوسطى في تونس هي الأسر القادرة على اقتناء سيارة ومنزل، وهو ما بات أمرا صعب التحقيق”. وسبق أن أكد مهدي محجوب، عضو المكتب التنفيذي للغرفة الوطنية لوكلاء ومصنعي السيارات، أنّ “هامش الربح في السيارة الشعبية محدد من وزارة التجارة وهو ألف دينار”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “سعر السيارة الشعبية يتكون عمومًا من سعر المصنّع وسعر الشحن، وبما أنّ الباخرات غيّرت مساراتها واعتمدت طرقًا أطول بسبب الحروب الدائرة، فإنّ هذا يمثّل كلفة زائدة”، لافتا إلى أن “شحن سيارة ما بدل أن تكون كلفته حوالي 700 دولار مثلًا، تصبح كلفته 1200 دولار، أي أنه يقترب من الضعف، والشيء نفسه ينطبق على المصنّع الذي يستورد قطع الغيار من آسيا، وبالتالي فإنّ ارتفاع الأسعار عائد إلى الشحن والمصنّعين وحتى زيادة سعر المصنّع ترجع إلى شحن قطع الغيار”.
وأشار محجوب، إلى أنّ إجمالي مبيعات السيارات (النفعية والسياحية) في تونس بلغ منذ بداية سنة 2024، إلى موفّى أغسطس الماضي، 35 ألف سيارة، مقارنة بـ37 ألف سيارة في العام الماضي.
وأوضح أنّ الوكلاء الذين يمثلون 50 علامة في تونس، باعوا ما يقارب 71 في المئة من السوق مقارنة بالسوق الموازي الذي يمثّل 29 في المئة، أي أنّ 14 ألف سيارة بيعت في السوق الموازية”.
وتمّ بيع 4 آلاف سيارة حتى أغسطس الماضي، مقابل 4300 سيارة شعبية في العام السابق، لكنّ وزارة التجارة اتخذت قرارات بإعادة توزيع الحصص غير المستعملة.
ولفت عضو المكتب التنفيذي لغرفة وكلاء ومصنعي السيارات إلى أنّ مبيعات السيارات الكهربائية في تحسن مقارنة بالسنة الماضية، إذ بيعت 20 سنة كهربائية فقط السنة الماضية مقابل 70 سيارة خلال الثمانية أشهر الأولى من السنة الحالية، فضلًا عن ألفي سيارة هجينة. وكانت وزارة التجارة قد قررت في يونيو 2023 خفض حجم واردات السيارات الجديدة بنسبة 20 في المئة، في مسعى لتقليص العدد الإجمالي للسيارات الجديدة المعروضة للبيع.