غضب أسري في مصر ضد الطلاق الغيابي

الطلاق دون علم الزوجة إذلال لها ويحملها مسؤولية رعاية أبنائها
الخميس 2023/06/22
المطلقة غيابيا تتحمل مسؤولية الإنفاق على نفسها وأطفالها

يطالب الحقوقيون وخبراء الأسرة في مصر بتقنين الطلاق الغيابي أو إلغائه كليا، ويمارسون الضغط على مجلس النواب لإصدار تشريع يتضمن إجراءات إلغائه أو اســـــتبداله بالطلاق الموثق، لخطورته على الأسرة والمجتمع، ولما يخلفه من إذلال ومهانة للزوجة والأبناء. ويستخدم الرجال الطلاق الغيابي ذريعة لحرمان النساء من الحقوق القانونية والشرعية فيتركونهن يواجهن مصيرهن وحيدات دون عائل ويحملونهن مسؤولية الأطفال أيضا.

القاهرة - أثارت واقعة تفوق طالبة مصرية بشكل لافت في الشهادة الإعدادية، على الرغم من الظروف القاسية التي تعانيها أسرتها جراء طلاق أمها غيابيا، غضبا مجتمعيا وبرلمانيا وحقوقيا واسعا في البلاد، وبدأت تتصاعد المطالبات بوضع حد حاسم للطلاق الغيابي الذي يعمق إذلال الزوجة والأبناء وقد يحوّل حياتهم إلى جحيم.

بدأت القصة بانتشار رواية عن طالبة حصدت المرتبة الأولى دراسيا في محافظة كفر الشيخ، في شمال القاهرة، لكنها تعاني من ظروف نفسية وأسرية بالغة الصعوبة، لأن والدها تخلى عن أمها وقام بتطليقها غيابيا ولم ينفق على أبنائه منذ سنوات طويلة، ولا يعرفون عنه شيئا وتركهم في حياة اقتصادية بائسة.

تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرعاية الطالبة، أسريا وتعليميا ومعيشيا، وكلّف الجهات المعنية في الدولة بتحمل نفقات تعليم الطالبة منة الله إلى حين تخرجها في الجامعة، مع توفير مستلزمات البيت الذي تعيش فيه برفقة الأم وأشقائها، كون المنزل يفتقد لجميع مقومات الراحة.

وهاتفت انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، الطالبة منة الله، لتعرب لها عن فخرها بتفوقها الدراسي رغم الظروف القاسية التي تعانيها، بعد أن قرر الأب أن يعيش وحده بإحدى الدول الخليجية ويتخلى عن الإنفاق على أولاده، ويتركهم للأم تنفق عليهم رغم أنها لا تعمل وليس لها مصدر رزق بعد الطلاق الغيابي.

حركت واقعة الطالبة المتفوقة المياه الراكدة في قضية الطلاق دون علم أو رغبة الزوجة، وتركها وحيدة تبحث عن الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لأولادها، وتسعى لإثبات وقوع الطلاق تمهيدا لرفع دعوى قضائية أمام محاكم الأسرة للمطالبة بحقوقها الشرعية المالية من مطلقها.

ضجت شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة بتقنين هذا النوع من الطلاق أو إلغائه كليا، فيما تبنت منظمات حقوقية نسوية رؤية موحدة للضغط على مجلس النواب لإصدار تشريع يتضمن إجراءات إلغاء الطلاق الغيابي أو استبداله بالطلاق الموثق، لخطورته على الأسرة والمجتمع عموما، والزوجة والأبناء خصيصا.

يؤكد خبراء في العلاقات الأسرية بمصر أن واقعة الطالبة منة الله كانت رسالة واقعية مؤلمة لأعلى سلطة في الدولة بأن الطلاق الغيابي يجب أن ينتهي حفاظا على كرامة المرأة وحقوق الأبناء، لأن النتيجة واضحة وتضر بكل أطراف الأسرة.

واقعة الطالبة المتفوقة حركت قضية الطلاق دون علم الزوجة وتركها وحيدة تبحث عن مقومات الحياة الكريمة

تزايدت المطالبات بحتمية وجود تشريع يقر وقوع الطلاق أمام المحكمة، ولا يعتد به قبل توثيقه، وهي خطوة لإلغاء الطلاق الغيابي الذي يكرس إهانة الزوجة والحط من قيمتها ويجعل أولادها أشبه بالمشردين، فيما خرجت تقارير برلمانية تتحدث عن وجود توجه لوقف التعامل به قريبا.

ويستخدم الرجال الحق في إنهاء العلاقة وفق رغباتهم باللجوء إلى الطلاق الغيابي عبر استخدامه ذريعة لقهر النساء وإذلالهن وحرمانهن من الحقوق القانونية والشرعية لسنوات طويلة، حيث إن والدة الطالبة منة الله مطلقة نظريا منذ خمس سنوات ولم تستطع توثيقه أو جلب حقوقها.

تشتمل المطالبات البرلمانية والحقوقية الراهنة على أن يتم وقف التعامل بالطلاق الغيابي أو الاعتراف به وتقنينه، على أن يكون مقتصرا على حضور الزوجين معا أمام المحكمة لإثبات الواقعة كي لا تفاجأ الزوجة بعد شهور وربما سنوات بأن شريكها قام بتطليقها دون معرفتها، ما يحمل خداعا صريحا لها.

يبرر أصحاب هذا الرأي بأن حل مشكلة الطلاق الغيابي ضرورة لأن الزوجة قد تفاجأ بأن زوجها طلقها غيابيا وتظل معلقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة فترة طويلة من الوقت، ويفترض أن يكون هناك تشريع لا يقر الطلاق إلا إذا جرى توثيقه في المحكمة وتُبلغ المرأة بأنها مطلقة.

في هذه الحالة تستفيد المطلقة من الحقوق المنصوص عليها في القانون، مثل النفقة وغيرها من أمور الطلاق التي تستدعي حصول المرأة عليها كاملة، وفور توثيق ذلك أمام المحكمة من دون أن تكون بحاجة إلى أن ترهق نفسها وأولادها من خلال عناء البحث عن وثيقة تثبت بها أنها لم تعد متزوجة.

بلغت درجة استغلال بعض الرجال للطلاق الغيابي أن المرأة قد يتم تطليقها دون علمها، ويعيش معها الرجل داخل المنزل ويحصل على حقوقه الزوجية، وهي حالات وثقتها منظمات حقوقية معنية بالدفاع عن المرأة، وبدأت تفصح عنها للضغط على صانع القرار والتعريف بمخاطر الطلاق الغيابي.

تصنف المنظمات النسوية والجمعيات الحقوقية المعنية بحقوق المرأة استمرار الرجل في منزل الزوجية بعد الطلاق الغيابي للمرأة بأنه “فعل اغتصاب مع سبق الإصرار يستغل جهل الأنثى بأنها مطلقة ويتمادى في استغلال جسدها دون حق”، وهي أزمة دخيلة على الأسرة المصرية وبحاجة إلى حل جذري.

من يدفع فاتورة الطلاق في مصر
من يدفع فاتورة الطلاق في مصر

وأثيرت من قبل واقعة صادمة عن سيدة مصرية طالبت بمحاكمة زوجها السابق بعدما تبين أنه عاشرها معاشرة الأزواج وحملت منه وفوجئت بالصدفة بأنه طلقها غيابيا منذ شهور ولم يبلغها، وتبين لها أنها حامل منه في تاريخ لاحق للطلاق الغيابي، وقررت المحكمة نسب الطفل إليه لأن الزوجة لم تكن تعلم بالطلاق.

تعول الكثير من النساء على الرئيس السيسي في أن يتدخل بحكم سلطاته الدستورية في أن تقدم الحكومة تشريعا للبرلمان يقضي بإلغاء الطلاق غيابيا بحكم أنه اقترب من واقعة الطالبة منة الله، وتعامل معها بشكل شخصي وتعاطف مع ظروفها ولامس الأزمة على أرض الواقع وشاهد تداعياتها السلبية.

قالت هالة حماد استشارية العلاقة الأسرية بالقاهرة إن وجود تدخل رئاسي في واقعة مرتبطة بالطلاق الغيابي قد يمهد لوضع حد لهذا النوع من الانفصال بطريقة مهينة للمرأة، لكن تظل المعضلة في بعض المأذونين الشرعيين الذين قد يشاركون الرجل في خديعة الزوجة بكتابة عنوان وهمي لمقر سكنها حتى لا يصل إليها إخطار الطلاق.

ولا يلزم القانون المصري الرجل بإخطار زوجته مباشرة بأنه طلقها غيابيا، باعتبار أن هذه ليست مسؤوليته ويكتفي بإبلاغ المأذون الشرعي بعنوان الزوجة، وفي حالة القيام بكتابة عنوان خاطئ أو مزور لا تتم محاسبته، لأن قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ العشرات من السنين لا يتضمن عقوبات ضد هذه الحيلة.

وأضافت لـ”العرب” أن بعيدا عن ضياع حقوق المرأة المطلقة غيابيا، فهي تشعر بقهر وذل وضغط نفسي يصعب تجاوزه، وللأسف المجتمع لا يرحم المرأة المطلقة بإرادتها، فما بالك بتلك التي فوجئت بأنها تحمل لقب مطلقة بالمصادفة دون أن تطلب ذلك أو تسعى إليه، أي أنها تتعرض لانتكاسة طويلة المدى.

لا تزال هناك ممانعات من بعض رجال الدين في مصر لإلغاء العمل بالطلاق الغيابي بدعوى أن الطلاق في المطلق حق شرعي للزوج بلا إدراك لتبعات هذا النهج القاسي على المرأة والأبناء، الذين يكتشفون فجأة أنهم بلا أب ولا عائل، بعدما قرر والدهم هدم كيان الأسرة دون سابق علم أو إنذار.

15