غزة والشرق الأوسط.. القيامة لن تهدأ

لا تحتاج أن تكون محللا سياسيا فذا لتدرك أن الحرب في غزة ستعود، وأن الخيار العسكري سيُستأنف بشكل أو آخر. هناك ملفات معقدة أكثر مما يتخيله العقل، ولا حل سحريا لها.
يبدو أن منطقة الشرق الأوسط ملعونة، فسرطان الصراعات والحروب فيها يتمدد، وشبح الموت لا يغيب عنها أبدا. الشرق الأوسط ما زال في مرحلة الغليان الأعظم، والقيامة التي قامت لن تهدأ بسهولة. فسفينة نوح عجزت عن إنقاذ أي أحد من الطوفان، بل غرقت هي نفسها بين ثنايا تعقيدات المشهد.
نمط الصراعات والتصعيد يتكرر مرة بعد مرة، ليؤكد أن هذه المنطقة لم يُكتب لها السلام يوما. ومن الواضح أنه لا رجال سلام في هذا العالم.
الوضع في غزة وفلسطين يعكس فشلا تاما للنظام العالمي في التعامل مع الصراعات طويلة الأمد والحروب، ومدى عجزه عن إيقاف دوامة الدماء المتجددة. فما يحدث ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو حلقة جديدة في مسلسل استنزاف إنساني مستمر، حيث تتحول الحروب إلى دورات متكررة تعيد إنتاج نفسها مع تغييرات طفيفة في السيناريوهات والأبطال.
◄ ما نراه جليا وواضحا عبر الشاشات، أن استمرار الحرب سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، مما سيزيد من عزلة القطاع دوليا وإقليميا
كل ما نراه منذ أكثر من عام هو إدارة للصراع، وليس محاولات لحلّه. هناك غياب للحلول الحقيقية عن طاولة الحوار المهجورة. المشهد واحد: حصار، ثم تصعيد، ثم تهدئة مؤقتة، ثم عودة إلى الحرب. وكل طرف يحاول استخدام ما تيسر له من أوراق ضغط للمساومة، أما الضحية فهم الأفراد، في ظل غياب كامل لأي إرادة حقيقية لوضع نهاية لهذا النزيف المستمر، سواء من الأطراف الرئيسية أو من القوى الإقليمية والدولية التي تستخدم الصراع كأداة نفوذ.
هناك نمط متكرر في تدمير أي محاولة لإيجاد استقرار في الشرق الأوسط، لتبقى المنطقة متاهة دائمة الاشتعال. فالهدوء فيها يعني خسارة الكثير من الجهات الفاعلة لسلطتها ومصالحها واستثماراتها، سواء كانت دولا أو أنظمة أو حتى ميليشيات وتيارات فكرية.
أما بالنسبة إلى الإنسان في غزة، فبالرغم من أن القصة بدأت من عنده، إلا أنه لم يعد جزءًا من المعادلة. لا أحد يُفكر في أهالي غزة كأشخاص لهم حياة وأحلام، بل يتم التعامل معهم كأرقام في نشرات الأخبار أو “أضرار جانبية” في الحروب المستمرة.
هكذا يتم التعامل مع الأفراد في العصر الحديث، أو ربما عبر التاريخ. النكبات التي تمددت، والمعاناة المتزايدة في المنطقة المحيطة بغزة، وحجم الخسائر المتعاظمة سواء في الضفة الغربية، لبنان، سوريا، العراق، اليمن وأبعد، أدت إلى تجاهل العالم لغزة، وكأنها خارج الجغرافيا والزمن.
أصبحت غزة ككل القضايا الإنسانية التي شهدها التاريخ البشري، تُختصر في كلمات ببيانات هشة وشعارات تعجز عن ترميم منزل واحد.
◄ الوضع في غزة وفلسطين يعكس فشلا تاما للنظام العالمي في التعامل مع الصراعات طويلة الأمد والحروب، ومدى عجزه عن إيقاف دوامة الدماء المتجددة
أما التوقعات لمستقبل غزة وفلسطين، فيبدو أن التصعيد مستمر وسيستمر، خصوصا في ظل الغليان في المنطقة بأكملها، ومشروع التقسيم الذي لم ينتهِ وما زال مستمرا، وفي ظل محاولات إعادة تعريف هوية المنطقة وشعوبها غير المكتملة بعد.
لا يوجد أي مؤشر على أن غزة ستشهد فترة استقرار طويلة. بل على العكس، كل الظروف تدفع باتجاه المزيد من التصعيد في المستقبل القريب والبعيد، ويتجسد ذلك في المزيد من الاستنزاف البشري.
ما نراه جليا وواضحا عبر الشاشات، أن استمرار الحرب سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، مما سيزيد من عزلة القطاع دوليا وإقليميا.
إن حجم الخسائر فاق المحتمل، وسيكون من الصعب احتواؤها ولملمة الأشلاء. حتى وإن شهدت الساحة الفلسطينية تغييرات في قيادتها أو توجهاتها، لكن هل سيؤدي ذلك إلى تغيير جذري في المعادلة؟ لا أعتقد.
والسبب، لا توجد أطراف جادة في طرح أي حلول أو خطط بديلة، ولا يبدو أن هناك محاولات لإيجاد مخرج حقيقي من الجحيم.