غازي باكر يخاطر بريشته مُتجولا في الألوان المُعولمة

أعمال الفنان اللبناني غازي باكر مُخادعة لأنها ترتدي ما ليست عليه، لذا وجب التروي جيدا عند النظر إليها.
الخميس 2018/09/27
خليط متجانس من أنماط تشكيلية متباعدة

يستعد الفنان التشكيلي والمهندس اللبناني غازي باكر لتقديم معرض جديد في مطلع السنة القادمة في صالة “مارك هاشم” في العاصمة اللبنانية بيروت بعد غياب سنتين، ويتابع الفنان في المعرض حسب قوله الدخول إلى متاهات العالم المعاصر المزروعة بأفخاخ لا يبدو أنها بصدد أن تُنزع، بل يُصار على اعتبارها جزءا لا يتجزأ من طبيعة حياة البشر على هذا الكوكب.

بيروت – من المتوقع ألاّ يحيد الفنان التشكيلي والمهندس اللبناني غازي باكر في معرضه المرتقب إقامته في صالة “مارك هاشم” البيروتية مطلع العام 2019، عن تناوله لمواضيع مُترابطة تدور في فلك العولمة والنزعة الاستهلاكية المُتعاظمة التي تلتهم صنّاعها وضحاياها على السواء في أناقة خبيثة تخفي خلفها آفات ومخاطر عديدة.

وعالم باكر يقوم ليس فقط على ازدواجية المعاني المطروحة في ما يقدّمه للمُشاهد، بل ويقوم على تشعب تلك المعاني في فروع عدة ليست أقل تناقضا أو مرارة من نقطة انطلاقها.

ولعل ما يميز عمل الفنان اللبناني بشكل عام أن قدرته على طرح “مُعضلات” عدة في لوحاته بشكل متداخل يذكّر بخلفيته كمهندس تمرّس طويلا على تحويل التصوّرات البنائية الممُكنة وغير الممكنة إلى حقائق يُمكن السكن إليها.

ولا يحيد الفنان في معظم لوحاته عن خاصية التأليف المدروس وتوظيف شتى التنويعات الهندسية بغية تركيب صوره المتداخلة وواضحة الملامح في آن واحد، ربما لذلك تبدو أعماله، حتى تلك التي يختصرها برسم شخص واحد أشبه بمدينة مؤلفة ويمكن تفكيكها لمجرد النظر إليها.

بعد ملاحظة القدرة على التأليف المتنوع تدخل جميع الألوان إلى ساحة لوحاته لتكون على اختلافها وتعددها مُنتمية إلى صبغة واحدة، وهي الضجيج، بمؤازرة هذا الضجيج الذي يبدو للوهلة الأولى كأنه تعبير عن فرح ما يدخل الفنان إلى المواضيع الشائكة والمُلحّة من باب السخرية وتخفيف وطأة ما يقدّمه من معان سوداوية على المُشاهد دون أن يزيغ نظره عمّا أراد باكر أن يعبر عنه. ولا شك أن استخدام الفنان لتلك الألوان الأكريليكية/ البلاستيكية الفجة والمُحدَدَة بخطوط تبرز ملامح الأشكال بوضوح لا لُبس فيه، لا تسعفه سريعا في إيصال المعنى الذي يهجس به، وقد تنزع جراء ذلك النبرة “الفكاهية” التي طّعم بها الفنان أعماله وفي أحيان كثيرة حتى التخمة، في خلق نوع من بلبلة لن تهدأ إلاّ بعد أن يتمعّن المُشاهد أكثر في الأعمال وخاصة في تناسلها من بعضها البعض.

أعمال الفنان غازي باكر مُخادعة لأنها ترتدي ما ليست عليه، لذا وجب التروي في النظر إليها، فلا الانقشاع اللوني دليل على زمن منير مُشبع بالآمال، ولا الزرقة هي اتساع الأفق ووفرة الفرص، ما الحمرة الزاهية إلاّ إحالة ساخرة إلى الرمق الأخير الذي تلفظه الإنسانية كما عرفناها منذ زمن ليس ببعيد.

أما غياب أو شبه غياب اللون الأخضر، فاستطاع أن ينقل أعماله إلى ضفة أخرى حيث التعبير عن اللاحياة وانعدام جريان الزمن الذي بدا في معظم لوحاته وكأنه تشنّج، فتجمّد عند لحظة واحدة ومتكررة ومعبرة أشد التعبير عن الزيف والاهتراء الروحي واختفاء هواجس الموت والحياة وتداعيات معنى الأبدية التي كانت تشحذ جوهره وتدفع بذكائه إلى التبلور أكثر فأكثر.

وبالرغم من تداخل الأنواع الفنية وتلاقحها ببعضها البعض وتأثر بعضها بالديجيتالية لا زال هناك نوع من التصنيف “يفرز” الأعمال الفنية ويميزها عن بعضها البعض، فهناك الفن التشكيلي والفن المفهومي، والفن السردي/ التصويري وغيرها من أنماط فنية لا تقل حضورا على الساحة.

أما أعمال الفنان غازي باكر فتجيء “مُخادعة” وخطيرة لأنها خليط متجانس جدا من عدة أنماط قد تبدو في ظاهرها مُتباعدة، ولكنها ليست كذلك.

مهندس وتشكيلي لبناني يؤلف بالعناصر الاستهلاكية عالما آيلا للسقوط
مهندس وتشكيلي لبناني يؤلف بالعناصر الاستهلاكية عالما آيلا للسقوط

مزيج أو خليط أقل ما يقال عنه أنه خطر، لأنه قد يأخذ المُشاهد إلى عكس ما أراد الفنان التعبير عنه، فعلى سبيل المثال، في معرضه الأخير المعنون “ذنوب، مزايا وألوان” الذي أقامه في صالة “مارك هاشم” سنة 2016 بدت العديد من الأعمال وكأنها تتغنى بآفات معاصرة، في حين أنها كانت تنتقدها وتزدريها بسخرية لاذعة، ولذا، يقتضي وجوب كتابة نوع من تقديم أو مدخل إلى أعمال الفنان التي هي أعمال مفهومية بامتياز، وبعد ذلك لتُشرع أبواب حرية التأويل والتقييم على مصراعيها أمام مُشاهد أعماله.

وغازي باكر من مواليد بيروت في العام 1967، ترعرع خلال سنوات الحرب اللبنانية وسط عائلة ذات أصول إيرانية/ أرمنية ساهمت في تعميق ثقافته وتنمية حسّه الفني.

وعلى الرغم من أنه لم يشارك في معارض جماعية ولم يُقم معرضا فنيا فرديا قبل 2013، إلاّ أنه واظب على الرسم سنوات طويلة وعكف على تنمية قدراته الفنية/ التشكيلية إلى جانب عمله المُستمر إلى الآن كمهندس.

وانضمت مجموعة كبيرة من أعماله إلى كنف مؤسسات فنية كبرى في باريس ودبي ونيويورك، كما شارك في معارض جماعية عديدة في لبنان والعالم، نذكر منها نيويورك وبالم بيتش وميامي وبازل في سويسرا وباريس وإسطنبول وغيرها من المدن.

ولغازي باكر معارض فردية نذكر منها معرضه الأخير “ذنوب، مزايا وألوان” و”إحساس مصاحب للون” وهو معرض أقامه في باريس وقارب فيه ما بين الموسيقى التي يحبها وريشته الملونة، ومعرض فردي آخر حمل عنوان “تردّي” في بيروت سنة 2014.

16