عودة الثنائيات تصحّح مسار الدراما المصرية

"ملوك الجدعنة" و"نسل الأغراب" يردّان الاعتبار إلى السيناريو.
الأربعاء 2021/04/21
"ملوك الجدعنة".. عمل يجمع مصطفى شعبان بعمرو سعد

يمتاز الموسم الدرامي المصري هذه السنة بعودة ظاهرة غابت منذ أعوام وتتمثل في البطولة الثنائية والجماعية للأعمال، فلم يعد العمل مقتصرا على النجم الواحد الذي تدور كافة الأحداث في فلكه. وعلى الرغم من بديهية ثراء التداخل وكثرة الشخصيات في العمل وتعزيز فرص نجاحه إلا أن العديد من الأجواء والظروف تجعل الظاهرة محل تساؤلات عن أسباب قبول نجوم اعتادوا تصدّر الإعلان الترويجي بمفردهم بهذه الثنائيات وعلاقتها بسطوة شركات بعينها على الإنتاج وما تحمله من توقعات مستقبلية.

القاهرة - اعتادت الشابة منة رجب متابعة مسلسلي أحمد السقا وأمير كرارة كل عام، وأعمال الفنانين مصطفى شعبان وعمرو سعد، ما يعني أن أربعة مسلسلات في عملين محجوزة في قوائم مشاهدتها مهما كانت طبيعة العمل، في ظل حبها لهؤلاء الفنانين.

ومع انطلاق الموسم الدرامي الجاري أبدت رجب سعادتها بالأعمال التي جمعت فنانيها المفضلين في أعمال واحدة، ما وفّر لها الوقت لمتابعة أعمال أخرى أو متابعة دراستها.

وتلفت الفتاة، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، إلى المتعة التي تضيفها مشاهدة هؤلاء الفنانين معا في عمل واحد، وعلى الرغم من الكوميكس الساخرة التي تصاغ لمسلسل “نسل الأغراب” بطولة كرارة والسقا، تعتبره من أفضل الأعمال، وتستمتع بالمبارزة الفنية بين البطلين، معربة عن أمنيتها لـ”العرب” أن يتكرّر ذلك النهج كل عام.

ولم تتابع الشابة التي ولدت في الألفينات مسلسلات الثمانينات والتسعينات التي كانت البطولة الجماعية عنوانا لها، فهي لم تر “ليالي الحلمية” أو “الشهد والدموع” أو “العائلة”.. وتعد تلك الظاهرة جديدة بالنسبة لجيلها المرتبط بجيل من الفنانين اتسم عصرهم بشدة المنافسة وتراجع قيمة السيناريو لصالح النجم.

يعجّ الموسم الرمضاني لسنوات بالكثافة الشديدة للأعمال، وتجاوزت أحيانا الأربعين مسلسلا، والسمة الرئيسية أن كل نجم حمل على عاتقه المسلسل منفردا، وهو مسؤول عن نجاحه أو فشله أكثر من أي شخص آخر في العمل. وأمام ذلك تراجعت قيمة الأعمال الدارمية المتكاملة التي تعتمد على السيناريو كأول خطوات إنتاج عمل قيّم، ثم الإخراج والأبطال والتصوير والإضاءة، والتوليفة كلها.

القاعدة والاستثناء

حنان شومان: الدراما مرآة للمجتمع، والمجتمع لا يتكوّن من شخص واحد متصدّر
حنان شومان: الدراما مرآة للمجتمع، والمجتمع لا يتكوّن من شخص واحد متصدّر

ترى الناقدة الفنية حنان شومان في عودة بعض الأعمال ذات الصفة الجماعية إضافة إلى الدراما المصرية، وفي ذلك تقول “البطولات الثنائية أو الجماعية ظاهرة جيدة مقارنة بما كان سائدا من بطولات فردية، ومن المفترض أن تسود وتصبح القاعدة وليست الاستثناء”.

وقالت شومان لـ”العرب”، “ذلك لا يمنع بالطبع أن بعض الأعمال تحتاج إلى النجم الواحد، لكن في المطلق يتوقف الأمر على السيناريو الذي يعد الأساس لإقامة عمل جيد”.

ويعتبر النقاد الدراما مرآة للمجتمع والحياة اليومية التي لا يتصدّر فيها شخص أو نجم واحد المشهد، لذا فالتعبير عن الحياة وتداخلاتها يتطلب عملا بأكثر من نجم.

وأكّد الناقد الفني أحمد سعدالدين، أن عودة البطولات الجماعية تصحيح لمسار الدراما المصرية، وردّ لاعتبار السيناريو الذي هو أساس إقبال الفنانين للموافقة على المشاركة أو الرفض، وهي علامة في ذاتها على موسم درامي قوي.

تعرض هذا الموسم بطولات ثنائية، كما في مسلسل “الاختيار 2” الذي يقوم ببطولته كريم عبدالعزيز وأحمد مكي، ويتناول قصص ضباط في الشرطة خلال مكافحة الإرهاب عقب سقوط جماعة الإخوان، ومسلسل “نسل الأغراب” لأحمد السقا وأمير كرارة، ويدور حول خلافات عائلية في الصعيد (جنوب مصر)، ومسلسل “ملوك الجدعنة” لعمرو سعد ومصطفى شعبان، ويقوم حول الحارة الشعبية المصرية، فضلا عن البطولة الجماعية في مسلسل “القاهرة- كابول” ويتشارك فيه طارق لطفي وفتحي عبدالوهاب وخالد الصاوي وأحمد رزق وحنان مطاوع.

وأوضح سعدالدين لـ”العرب” أن ظاهرة الثنائيات أصل الدراما، لكن خلال السنوات الماضية اختل ذلك الأصل وانزوى لصالح أعمال لبطولات فردية، مؤكّدا المؤلف الذي يستطيع أن يكتب عملا لأكثر من نجم، ويدفع نجمين كبيرين أو أكثر للمشاركة فيه دون حسابات ضيقة حول مساحة الأدوار يعزّز فكرة أهمية الكتابة الفنية، فالورق الجيد هو مركز البطولات الثنائية والجماعية.

أحمد سعدالدين: عودة البطولات الثنائية أساسه شركات الإنتاج، التي غيّرت أهدافها
أحمد سعدالدين: عودة البطولات الثنائية أساسه شركات الإنتاج، التي غيّرت أهدافها

وتذكّر الناقد المصري زمنا كان فيه البطل الأول هو المؤلف الراحل أسامة أنور عكاشة، فوجود اسمه على العمل كان يعني تذكرة دخول للبيوت المصرية والعربية، وأحد عوامل الجذب الرئيسية للنجوم، فكتاباته مفتاح النجاح الباهر.

وأضاف أن عودة البطولات الثنائية لها علاقة بشركة الإنتاج، فعادة ما تكون أجور النجوم كبيرة، لذا فقيام العمل على أكثر من نجم يحتاج ميزانية ضخمة، وتلك تغيرات ظهرت وتعني أن هناك عناية بالجودة على حساب الكثافة، فالمشاهد ليس خارقا ليشاهد كل يوم عشرة أعمال أو أكثر.

وأوضحت الناقدة منى يسري لـ”العرب” أن الأعمال الكثيرة “حشو زائد” من دون تقديم قيمة حقيقية، وفي مصر ثمة مشكلة كبيرة في الكتابة الدرامية، ليس لعدم وجود كتاب جيدين، بل بسبب الأجواء، وبات الأمر روتينيا، فكل عام نرى الأعمال من تأليف أسماء معينة، وتمثيل نجوم بعينهم، دون مساحة لتجربة إبداعية جديدة.

غير أن سعدالدين اختلف مع يسري، لافتا إلى وجود تجارب جديدة، منها مسلسل “الطاووس” الذي تقدّمه الفنانة سهر الصايغ، حول فتاة تتعرّض لاغتصاب جماعي، متوقعا أن ينتقل تقييمها كفنانة إلى مكانة أخرى بعده، فسهر ليست من نجوم الصف الأول وتقديمها في عمل من بطولتها منفردة، من وجهة نظره تجربة جديدة.

وتعود يسري إلى الأجواء العامة كسبب رئيسي لتردي الأوضاع الدرامية والإبداعية، في ظل سيطرة شركات معينة على الإنتاج ما يجعل الدراما أمام إنتاج في اتجاه واحد، مشيرة إلى أن انخفاض أعداد المسلسلات هذا العام من أسباب جمع العمل الواحد لأكثر من بطل لإرضاء النجوم وعدم إقصائهم عن الموسم الجماهيري.

في المقابل، أكّدت شومان أن الحديث عن انخفاض أعداد المسلسلات غير صحيح، فالإنتاج هذا العام أكثر من العام الماضي، “نستطيع القول إن بعض الفنانين كانوا سيغيبون عن الساحة لعدم وجود مسلسل واحد لهم، لولا الثنائيات”.

وزادت أعداد المسلسلات عن العام الماضي بنحو خمسة أعمال، وتظل منخفضة مقارنة بالإنتاج الدرامي في فترة ما قبل جائحة كورونا، علما بأن الأجواء في مصر مفتوحة تماما للعمل والتصوير من دون إغلاق بسبب الوباء.

سواء أكان قبول الفنانين بالأعمال جاء من قبيل الاقتناع التام بالسيناريو والعمل، أم لمجرد القبول بالأمر الواقع في ظل محدودية العروض مع وجود شبه خطة للإنتاج مع سطوة شركات معينة، فقد صبّ ذلك في صالح المُشاهد الذي بات أمام تجارب يراها لأول مرة، خاصة لدى الجيل الحالي، أو تجربة تداعب ذكريات البطولات الجماعية مع اختلاف المضمون والجودة.

منافسة أم مبارزة

تضع الأعمال الثنائية أو الجماعية عبئا إضافيا على الممثل، مع وجود جيل من الفنانين اعتاد الفردية في أعماله، وسطوع نجمه أو خفوته مرتبط بمقارنات مع آخرين، حيث ييسّر العمل الواحد عملية المقارنة على الجمهور، واجتماع أكثر من نجم في عمل يجعل المسلسل ساحة نزال كل يرغب في إبراز أكبر قدرات فنية عنده على أمل سرقة الشاشة أو ترك انطباع إيجابي كبير عند المشاهد، ما يجعل الأداء ينفلت في أحيان كثيرة إلى المبالغات ويجلب النقد بدلا من الإشادة.

ومع أن الموسم الدرامي لا يزال في بدايته، لكن ثمة مؤشرات يصعب تجاهلها حول تقييم الجماهير لتلك التجارب، حيث تعجّ مواقع التواصل منذ عرض الإعلان الترويجي وحتى عرض الحلقات الأولى بالنقد للمبالغات في مسلسل “نسل الأغراب”.

ومن اللافت الجمع بين السقا وكرارة في عمل واحد، والفنانان متنافسان خلال السنوات الماضية، فكرارة هو الفنان الأبرز الذي استطاع السطوع في منطقة كان يسيطر عليها السقا، وهي منطقة الحركة أو الأكشن.

على خلاف حديث المبالغات في “نسل الأغراب”، نلاحظ إشادة بالمبارزة الفنية في مسلسل “القاهرة- كابول” بين تمكّن طاغ ومعايشة كاملة وقدرة على نقل شخصية الإرهابي التي يقوم بها طارق لطفي، أو الصحافي والإعلامي التي يجسّدها فتحي عبدالوهاب، وشخصية الضابط التي أجادها خالد الصاوي.

15