عن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران

لم نسمع عن ردة فعل قوية حتى اللحظة برد إيراني محتمل وتبدو الصورة أن هناك تنسيقًا كاملًا عبر الوسطاء بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى.
الاثنين 2024/10/28
الحرب العلنية أقرب ما تكون إلى مسرحية

شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على مواقع عسكرية إيرانية في طهران وما حولها. وكانت الضربات التي تعرضت لها المواقع في مناطق متفرقة من البلاد محدودة جدًا، حسب تصريحات أحد كبار قادة الجيش الإيراني، الذي قال إن الدفاعات الجوية الإيرانية تصدت للعدوان. في حين اعتبرت إسرائيل أن الرد على الهجمات الإيرانية الصاروخية على إسرائيل في وقت سابق كان قويّا. تبقى الأمور المتعلقة بدك المواقع العسكرية غير قابلة لعرض الخسائر، وذلك لأسباب أمنية وأخرى تتعلق بإبقاء الجبهة الداخلية متماسكة.

يمكن العودة إلى التاريخ لنتذكر الأواصر بين الإيرانيين واليهود التي تعود إلى قرون بعيدة قبل تشكيل إسرائيل. فتح قوروش الكبير، مؤسس سلالة الإخمينيين، في عام 538 قبل الميلاد مدينة بابل وحرر اليهود بين النهرين من الأسر بعد 59 عامًا، ليعودوا إلى فلسطين. لذلك يتمتع قوروش بمكانة كبيرة بين اليهود.

ما من ريب في أن إيران كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل بعد تأسيسها عام النكبة. الحقيقة التي يجمع عليها من غاص في أعماق تاريخ العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية هي أن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون، بقدر ما هو نزاع إستراتيجي قابل للحل. رغم لجوء الطرفين إلى استخدام أو تطبيق ما يعلنه كل طرف من خلال تصريحاتهما النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.

◄ الحرب العلنية بين إسرائيل وإيران تبدو أقرب ما تكون إلى مسرحية، ربما سيحقق الطرفان ما يصبوان إليه

في وقتٍ ما من سنة 1988، نشرت صحيفة هآرتس مقالًا أكدت فيه أن إسرائيل قد حافظت على علاقات صناعية عسكرية مع إيران، حيث قدمت لإيران أقنعة مضادة للغازات السامة من قبل شركة شالون للصناعات الكيماوية بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، وأيضًا تجهيز إيران بكاشفات للغازات من قبل شركة إيلبت تستعمل لغرض الكشف عن عوامل الأسلحة الكيماوية، وتجهيزها بأنظمة للسيطرة على الحرائق في الدبابات.

عليّ أن أشدّد أيضًا على تقلب الحقب بين البلدين. لقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحائز على جائزة نوبل للسلام، إسحاق رابين، إيران بأنها واحدة من “أفضل أصدقاء” إسرائيل، لكن في غضون سنوات قليلة غير لهجته، واصفًا الخميني بأنه يقود “نظامًا ظلاميّا وقاتلًا”. في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، التي أدت إلى قيام الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني، قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وبرزت القيادة الإيرانية الجديدة، التي تغذيها المشاعر المعادية لإسرائيل ودعم حركات التحرير الفلسطينية، كخصم قوي لإسرائيل. كما تقاطعت المصالح الإستراتيجية بين البلدين خلال الحرب الإيرانية – العراقية قبل أن تتدهور بشكل كبير خاصة خلال حكم الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد. وما تشي به على الخصوص مطالعة التصريحات الصادرة عن بنيامين نتنياهو، حيث قال إن الصفقة الوحيدة المنطقية مع إيران هي تلك التي من شأنها أن تزيل العقوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على برنامج إيران النووي مقابل تفكيك القدرات النووية العسكرية الإيرانية، وحدوث تغيير واضح في سلوك إيران تجاه إسرائيل.

لا تزال الحرب دائرةً ولا يبدو هيّنًا استطلاع مسارها ومآلها القريبين ناهيك عن أفقها البعيد وما يلوح فيه من حصيلة محتملة. فرغم ما يلح عليه جو بايدن، وهو ضرورة أن تتوقف دورة الهجمات بين إسرائيل وإيران، فإن هذا لا يعني نهاية الجولات بين الطرفين. رئيس مجلس النواب الأميركي قال إنه يجب أن يعرف العالم أننا سندعم إسرائيل بالكامل إذا استمرت إيران في عنفها، مؤكدًا أن “الكونغرس يقف بحزم إلى جانب إسرائيل وهي تضرب إيران دفاعًا عن نفسها”. في نفس السياق طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم استفزاز إيران. هذه التصريحات تعني تجنب الحرب خشية حرب شاملة تطال الجميع ما ينعكس على مصالح الدول الكبرى سلبًا.

◄ إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون، بقدر ما هو نزاع إستراتيجي قابل للحل

وفي ما يتعدّى هذه الجولة وتلك، هنالك من يقول بأن ما يجري اليوم بين إسرائيل وإيران مجرد مسرحية، ودليل ذلك حجم الضربات وكأنها ألعاب أطفال صغار. لقد شاهدنا قبل شهر تقريبًا حجم الرد الإيراني بعد اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله، كان عبارة عن رد باهت لا يساوي ما قامت به إسرائيل من اغتيالات وغيره في الاتجاه ولا حتى في المقدار. لهذا تبدو الحرب العلنية بين إسرائيل وإيران أقرب ما تكون إلى مسرحية، ربما سيحقق الطرفان ما يصبوان إليه. ستخرج إيران أكثر قوة وتأثيرًا في المنطقة، وكذلك إسرائيل. أما في ما يتعلق بأذرع إيران في المنطقة فلا يبدو حالها كما كان قبل السابع من أكتوبر على صعيد استمرارية الدعم الإيراني اللوجستي وحتى السياسي. ونستشف ذلك من خلال تصريحات كبار القادة العسكريين والسياسيين في طهران، بأنهم ضد الحرب والمواجهة مع إسرائيل، بمعنى أدق لقد تركوا حزب الله حليفهم الرئيسي يخلع شوكه بيده، وكذلك تركوا غزة تغرق في بحر من الدماء، المهم يسلم رأس إيران.

على وجه الإجمال، كانت المطابقة تبدو واضحة بين المعلن والواقع عند نتنياهو من تحقيق الأهداف. يصعب الافتراض بأنه حقق ما يريد لضرب المنشآت الإيرانية النووية، قد يعود ذلك إلى عدم قدرة الطائرات والصواريخ الإسرائيلية على الوصول إلى تلك المواقع بسهولة، بجانب الضغط الأميركي بعدم تشجيع إسرائيل على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية في الوقت الحالي مع تزامن الانتخابات الأميركية، وحسابات الولايات المتحدة الأخرى، ومن أبرزها الإبقاء على طهران قوة مهيمنة في الشرق الأوسط تشكل بعبعًا للدول العربية، وورقة ضغط على العرب من أجل أن تبقى الولايات المتحدة شرطي المنطقة والمسيطرة عليهم.

يبقى السؤال المطروح هنا: هل ستقوم طهران بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها؟ لم نسمع عن ردة فعل قوية حتى اللحظة برد إيراني محتمل، وتبدو الصورة بأن هنالك تنسيقًا كاملًا عبر الوسطاء بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، بحجم ونوعية الضربة الإسرائيلية الأخيرة ليطوى هذا الملف بلا رجعة.

8