"عمتي نوير" يعيد تعريف الدراما العائلية بطرح جريء

مسلسل “عمتي نوير” هو دراما عائلية سعودية، من تأليف علاء حمزة، وإخراج محمد سندي، وبطولة ريم الحبيب، زارا البلوشي، مريم عبدالرحمن، عبدالعزيز المليفي، عبدالرحمن بن نافع وفتون الجار الله. يتناول العمل الصراعات المالية والعاطفية داخل أسرة راشد بعد وفاته، حيث يتنازع أبناؤه حول ثروته بينما تحاول ابنته الكبرى نوير الحفاظ على تماسك العائلة، بعد وفاة راشد، يكتشف أبناؤه أنه أخفى ثروته في حساب بنكي سري، مما يدفعهم للبحث عن كلمة السر، بينما يتهمون نوير بالسيطرة على الأمر.
تظهر خلافات بين الإخوة خاصة مع تورط بعضهم في أعمال غير قانونية مثل سلطان بن غانم الذي يعمل في غسيل الأموال مع رجل عصابات يُدعى أبوكسار. تتعرض نوير لمحاولات انتقامية من شقيقها عدنان بعد فضحها علاقته بالخادمة فطيمة، كما تواجه ضغوطا من زوجات إخوتها مثل العنود التي تحرض ضدها، تكشف الأحداث أن راشد أوصى بجزء من أمواله لزوجته وضحة، مما يزيد التوتر، بينما تحاول نوير حل مشاكل العائلة، مثل إطلاق سراح مسفر من السجن وإصلاح ذات البين، تنتهي القصة باكتشاف سر الوصية، وزواج حمد من أشجان، ومسفر من شهد، مع تبعات أخلاقية لأفعال بعض الشخصيات مثل أبوكسار.
لكن ما الذي ميّز هذا العمل عن غيره من المسلسلات الخليجية؟ هل هو الطرح الجريء؟ الحبكة المشحونة بالدراما؟ أم الشخصيات التي تتراوح بين القوة والضعف، الخير والشر؟
حقيقة هناك الكثير من أوجه التشابه والاختلاف بين “عمتي نوير” وباقي المسلسلات الخليجية، والتي جعلته عملا استثنائيا يستحق المشاهدة، من أوجه التشابه مع المسلسلات الخليجية التقليدية فكرة الصراع على الميراث، إذ أن معظم الأعمال الخليجية تدور في فلك هذه الفكرة، ويدور الصراع المركزي في “عمتي نوير” حول الثروة العائلية، حيث تتحول الأسرة إلى ساحة معركة بين الأبناء الطامعين والوالد الذي يحاول الحفاظ على تماسك العائلة، وهذا الموضوع في حقيقته ليس جديدا، فقد تطرقت له مسلسلات عدة من قبل، لكن الفرق هنا هو ما يمكن أن ندعوه بالعمق النفسي للشخصيات وتعدد طبقات الصراع.
◙ "عمتي نوير" استطاع أن يخلع عنه عباءة التكرار والتنميط، رغم اشتراكه في بعض العناصر التقليدية مع المسلسلات الخليجية
ومن التشابهات التي ظهرت في هذا العمل، العلاقات العائلية المتوترة، فالمشاجرات بين الأشقاء، والتدخلات الخارجية (مثل زواج الأب من وضحة)، والتآمر بين الأصهار (كالعنود وغانم) كلها عناصر مألوفة في الدراما الخليجية، إلا أن “عمتي نوير” استطاع أن يضيف لمسة درامية مكثفة، خاصة مع وجود شخصية “نوير” القوية التي تقف كحائط صد ضد النزاعات، كما لا يمكن إغفال تركيز العمل كغيره من الأعمال الخليجية على ثيمة القيم الاجتماعية، فقد ظل المسلسل متمسكا بالقيم المحافظة مثل: أهمية الصلح العائلي مثل محاولات نوير المستمرة لإصلاح ذات البين.
أما الاختلاف والتميز، فقد بديا واضحيْن جليا من خلال تعقيد الشخصيات، فعندما تعتمد بعض المسلسلات الخليجية على الشخصيات النمطية مثل الابن الطماع، والابنة الضحية، نجد في “عمتي نوير” شخصيات متناقضة ومتطورة مثل شخصية نوير فهي لم تكن مجرد “أمينة الأسرة”، بل هي امرأة تعاني من صدمات متتالية تمثلت في وفاة الأب، واكتشاف مرضه، ومحاولات أشقائها الانقلاب عليها، وهناك أيضا شخصية سلطان الشاب الضائع الذي يقع في شباك غسيل الأموال، لكنه يحتفظ ببصيص أمل في التغيير، وكذلك شخصية فوز التي تتحول من فتاة مدللة إلى ضحية تشويه الوجه، ثم محاولة التكفير عن أخطائها.
ومن الأمور التي أكدت اختلاف هذا العمل ما امتلكه من جرأة الطرح، فهو لم يخش من تناول قضايا حساسة مثل مرض السرطان والخوف من الموت متمثلة في قصة راشد، وغسيل الأموال في قصة سلطان وأبوكسار، والعنف الأسري من خلال ضرب فوز، وصراع عدنان مع موضي. ومن الاختلافات التي تحسب لهذا العمل وترفع من أسهمه ذلك الإيقاع السريع والمفاجآت، فقد جاء “عمتي نوير” على عكس المسلسلات التي تمتد حلقاتها بلا تطور درامي، بـإيقاع سريع مليء بالمفاجآت مثل وفاة راشد المفاجئة، في حادث سيارة نوير وغيبوبتها، والكشف عن وصية الأب في التسجيلات الصوتية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عوامل أخرى ساهمت في نجاح هذا العمل مثل السيناريو المكتوب باحترافية حيث تم توزيع الأحداث بين الدراما العائلية، الرومانسية والإثارة المالية، كما لا يمكن تناسي الأداء التمثيلي القوي، خاصة الممثلة التي جسدت دور “نوير”، حيث نقلت مشاعر القوة والضعف في آن واحد، كما يمكن اعتبار التفاصيل الواقعية ذات دور كبير في تحقيق هذا النجاح مثل مشاهد العزاء، الصراع على الهاتف والكمبيوتر، وحتى مشهد انسكاب ماء النار على فوز.
مسلسل “عمتي نوير” استطاع أن يخلع عنه عباءة التكرار والتنميط، رغم اشتراكه في بعض العناصر التقليدية مع المسلسلات الخليجية، إلا أنه استطاع أن يقدم مزيجا جديدا من الدراما النفسية والاجتماعية، مع تجنب السقوط في فخ التكرار، المسلسل ليس مجرد قصة عن الصراع حول الميراث بل هو مرآة تعكس تعقيدات العلاقات الإنسانية، عندما تختلط المصلحة بالحقد، والحب بالخيانة.