عقبات محلية وخارجية تحبط طرح الشركات الحكومية المصرية

كشفت اللجنة العليا لإدارة برنامج طرح أسهم الشركات الحكومية المصرية في البورصة عن تحديات داخلية وخارجية تحول دون تنفيذ البرنامج، الذي التزمت به القاهرة أمام صندوق النقد الدولي، لطرح بدائل لتمويل تلك الشركات وتخفيف أعبائها على الموازنة العامة للبلاد.
القاهرة – تقف التحديات، التي شهدتها أسواق المال عالميا وإقليميا في الفترة الأخيرة حجر عثرة أمام خطط القاهرة الطامحة لطرح أسهم الشركات المملوكة للدولة في البورصة، ما دفعها إلى تأجيل أول طرح كان مقرّرا الشهر الحالي.
وكانت الحكومة تنوي طرح نحو 4.5 بالمئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان، المدرجة بالبورصة المصرية، بهدف جمع ملياري جنيه (112 مليون دولار) لتمويل توسعاتها الجديدة.
وأعلنت اللجنة العليا لإدارة برنامج طرح أسهم الشركات الحكومية في البورصة الجمعة الماضي، تأجيل تلك الخطوة، بسبب الهبوط الحادّ الذي طال مؤشر البورصة المصرية ودفعها إلى التراجع إلى مستويات هبوط قياسية.
وهبط مؤشر البورصة الأحد أكثر من واحد بالمئة بعد إعلان الحكومة تأجيل البرنامج. وفي المجمل فقد رأس المال السوقي للبورصة نحو 3.2 مليار دولار من قيمته منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تعاملات الأسبوع الماضي.
وأوضحت اللجنة أن تزايد سياسات الحمائية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والصعوبات التي تواجه عددا كبيرا من الأسواق الناشئة، وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية ساهم في تزايد تدفقات الأموال خارج الأسواق الناشئة مما أثر سلبا على سوق المال المصري.
وسبق إعلان اللجنة عددا من المؤشرات والرسائل التحذيرية، ردعت الحكومة عن تلك الخطوة، أهمها تراجع أسهم شركة “ثروة كابيتال” التي تم التداول على أسهمها بالبورصة الأسبوع الماضي بنحو 15 بالمئة، ما كان مؤشرا على فشل أي طروحات جديدة بالسوق.
وجمعت “ثروة” نحو 146 مليون دولار من خلال الاكتتاب العام للأفراد الذي تمت تغطيته بنحو 30 مرة، إضافة إلى الطرح الخاص للشركات والمؤسسات الذي تم تغطيته أيضا بنحو عشر مرات.
وتضم قائمة الشركات، التي تسعى الحكومة إلى طرح أسهمها في البورصة نحو 23 شركة، وتستهدف من خلال الخطوة جمع نحو 5.6 مليارات دولار.
وتضم المرحلة الأولي من البرنامج طرح 5 شركات هي: الشرقية للدخان، والإسكندرية للزيوت، والإسكندرية لتداول الحاويات، أبوقير للأسمدة، وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير.
وانتقد خبراء أسوق المال سياسات الحكومة في طرح هذه الأسهم، حيث نص قرار رئيس الوزراء المصري على تحديد سعر طرح أسهم هذه الشركات بنحو عشرة بالمئة ارتفاعا أو انخفاضا عن متوسط سعر إقفال السهم خلال الشهر السابق على عملية الطرح.
وقال إيهاب سعيد، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، لـ”العرب” إن “هناك عددا من الشركات الحكومية ضمن قائمة برنامج الحكومة مدرج بالفعل بالبورصة ومنها الشركة الشرقية للدخان”.
وأوضح أن قرار رئيس الوزراء يعني تحديد سعر جديد لسهم الشركة عند طرحة بالبورصة، وبالتالي فإن السعر سيختلف عن السعر المتداول في السوق وهو أمر غير منطقي.
والقاعدة الاقتصادية لطرح أسهم جديدة لشركة متداولة في البورصة أن يكون سعر الأسهم الجديدة بنفس سعر القيمة السوقية للسهم، أما الشركات التي يتم التداول عليها لأول مرة فيتم تحديد قيمة عادلة للسهم من خلال عمليات التقييم للشركة.
وأعلن هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، عن تعديل قائمة الشركات المؤهلة للإدراج في البورصة، مؤكدا أنه سيتم إجراء تعديلات عليها من خلال استبدال 10 شركات، لكنه لم يحدد بعد أسهم الشركات العشر التي سيتم استبدالها.
وقال لـ”العرب” إنه “من الممكن أن يتكرر سيناريو الشرقية للدخان مع باقي قائمة الشركات التي ستطرح في البورصة”.
وأوضح اقتصاديون أن مصر تأخرت في تنفيذ عملية الاكتتاب، حيث كان من المفترض أن تتم في أعقاب تعويم الجنيه، عندما تراجعت أسعار العملة المصرية بنحو مئة بالمئة أمام سلة العملات الأجنبية.
وأشار هؤلاء إلى أن الحكومة ركزت خلال تلك الفترة على معالجة التغييرات التي طرأت على سعر صرف العملة وتجاهلت الاستفادة من هذا التخفيض عن طرق جذب استثمارات محلية وأجنبية غير مباشرة لسوق المال.
ويرى محمد ماهر، رئيس الجمعية المصري للأوراق المالية، أن تأجيل برنامج طرح أسهم الشركات الحكومية كان متوقعا وذلك في ظل حالة الضبابية التي تشهدها الأسواق العالمية والإقليمية.
ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن قوة المركز المالي للشركة الشرقية للدخان، والتي تعتبر من الأسهم التي تقتنصها المؤسسات المالية لأربحاها الكبيرة، لم تشفع لها من تجاوز محنة أسواق المال.
ووفق البيانات الرسمية، حققت الشركة صافي ربح خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي بنحو 191 مليون دولار.
وأكد ماهر أن التأجيل لا يعني فشل البرنامج، لكن الحكومة تختار الوقت المناسب، خاصة لأول شركة يتم طرحها في القائمة لأنها بمثابة رسالة للمستثمرين، وحال فشلها فإن مستقبل البرنامج سيكون مهددا بالفشل.