عقبات أمام لجنة العفو الرئاسي في مصر

تسوية ملف السجناء السياسيين تعترض تقارب الحكومة والمعارضة.
الأربعاء 2022/05/25
تفاؤل حذر بشأن الحوار الوطني

تعترض لجنة العفو الرئاسي في مصر التي تشكلت تمهيدا لبدء حوار وطني عقبات قانونية لأداء عملها وتنفيذ تعهداتها. وتشترط المعارضة المصرية الإفراج عن سجناء الرأي كخطوة بناء ثقة والدخول في حوار وطني يفضي إلى إصلاحات جوهرية.

القاهرة - عكس الحكم النهائي الصادر بحبس السياسي المصري يحيى حسين عبدالهادي مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية لمدة أربع سنوات، وجود عراقيل قضائية تعترض طريق الرئيس عبدالفتاح السيسي في الانفتاح على القوى الحزبية والتيارات المعارضة بالإفراج عن سجناء الرأي تمهيدا لعقد حوار وطني يُفضي إلى تقارب وجهات النظر حول القضايا المختلفة، في ظل وجود نية سابقة للإفراج عنه.

وأظهر بيان أصدرته لجنة العفو الرئاسي الاثنين حجم العراقيل التي تواجهها لتحقيق رغبة الحكومة في إثبات حسن النوايا مع القوى السياسية قبل انطلاق الحوار.

وأعلنت اللجنة أنها قامت بزيارة يحيى حسين في محسبه خلال عيد الفطر، وفور تلقيها نبأ حبسه تواصلت مع رئاسة الجمهورية لإدراج اسمه في قائمة تصدر بعد أيام.

وأكدت اللجنة على احترامها للقانون والدستور، وأن أحكام القضاء واجبة النفاذ، وأنها تتمسك بالدفاع الدائم عن استقلال السلطة القضائية وعدم التغول على اختصاصاتها، لكنها تواصلت مع مؤسسة الرئاسة لبحث حالة عبدالهادي وتلقت ردا منها ببحث عملية إدراجه ضمن القائمة المقبلة، مؤكدة أن سيادة القانون ستظل حاكمة لأعمالها.

طارق الخولي: خلاء سبيل المحبوسين من مهام السلطة القضائية

ويرى مراقبون أن استمرار وجود مطبات أمام توسيع قاعدة المفرج عنهم سيظل معضلة لتثبيت أركان الحوار الوطني، ولا سبيل أمام الحكومة سوى التدخل لإجراء تعديلات تشريعية لإزالة الحواجز أمام تسوية ملف سجناء الرأي.

ويرى هؤلاء أن أي زخم سياسي يراد تحقيقه في مصر يرتبط بمدى استجابة السلطة لمطالب القوى المدنية، وعلى رأسها الإفراج عن السجناء السياسيين وقضايا الرأي، وكل من لم تثبت عليه جريمة الإخلال بالأمن القومي والانخراط في عمل إرهابي، أو دعم جماعات تخريبية ومتطرفة.

وأعاد الحكم على يحيى حسين المقبوض عليه منذ يناير 2019 بتهمة إذاعة أخبار كاذبة عمدا الحديث عن حدود لجنة العفو الرئاسي وصلاحيات السيسي طالما أن الجهتين ليس لديهما موانع للإفراج عنه (قبل إدانته رسميا) لكن القضاء مضى في طريق محاكمته بلا تدخل من أي جهة لإخلاء سبيله أو مساعدته قانونا للإفراج عنه.

وكشف مصدر من داخل المجلس القومي لحقوق الإنسان لـ”العرب” أن المجلس ولجنة العفو الرئاسي يواجهان عقبات قانونية عدة في أداء مهمة تسوية ملف السجناء بالتشاور مع جهات حكومية، وأن العبء الأكبر أصبح على لجنة العفو لأنها مكبلة بعراقيل لا تستطيع من خلالها إرضاء القوى السياسية الممتعضة من الحبس الاحتياطي.

وقال المصدر ذاته إن المجلس القومي لحقوق الإنسان يسعى لفتح ملف التعديلات التشريعية الخاصة بالحبس الاحتياطي كجزء من الإصلاح السياسي، لأن هناك فهما خاطئا لصلاحيات السيسي في مسألة العفو الرئاسي، فهي ليست مطلقة، كما في حالة السياسي يحيى حسين، وثمة إصرار من الرئاسة والحكومة بعدم التدخل في شؤون القضاء أو القفز على صلاحياته أو تصوير الأمر أنه بلا أنياب.

ويوحي المشهد الراهن بأن الحكومة وهي تحاول توسيع دائرة تحركاتها للتعامل مع ملف المحبوسين تصطدم بعراقيل قانونية تغل يديها، لأنها لا تملك سوى السير في اتجاه توظيف الآليات الرسمية للإفراج عن أكبر عدد من المحتجزين لإقناع القوى المدنية والحزبية المعارضة بأنها ماضية في حوار وطني جاد من دون مراوغات.

وأكد طارق الخولي عضو لجنة العفو الرئاسي والبرلمان المصري لـ”العرب” وجود معيارين تتحرك اللجنة على أساسهما، الأول عدم انتماء الشخص إلى تنظيم إرهابي، والثاني ألا يكون ارتكب جرائم عنف، وهناك حدود يتم التحرك فيها، فلا يمكن إدراج أسماء سياسيين أو غيرهم لم تصدر بحقهم أحكام نهائية من القضاء.

وأوضح الخولي أن إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا يكون من السلطة القضائية وحدها، سواء النائب العام أو المحكمة التي تنظر في القضية، وتتحرك لجنة العفو بعد صدور الحكم النهائي، لافتا إلى أن قرارات العفو الرئاسي معنية بالعفو عن باقي فترة العقوبة أو العقوبة، وطالما لم يصدر حكم قضائي فلم تُثبت العقوبة بعد.

وتبدو قوى المعارضة في مصر غير مكترثة بالتعقيدات القانونية الخاصة بتسوية ملف المطلوب الإفراج عنهم من سياسيين، فهناك توافق بينها على أن الاستجابة لمطالبها لا بد أن تشمل الإفراج عن محبوسين احتياطيا ومتهمين في قضايا رأي وحريات كمدخل لتقليص الفجوة مع الحكومة وتثبيت قواعد الحوار الوطني وتأكيد جديته، وتم وضع مسؤولية نجاح أو إفشال الحوار في جعبة السلطة وتنتظر رد فعلها، ومدى توافر الإرادة الكاملة لديها من عدمه.

وأصبح إجراء تعديلات تشريعية مرتبطة بقانون الحبس الاحتياطي ضرورة سياسية، لوجود محتجزين يقبعون في السجون لأشهر طويلة دون أن تتم محاكمتهم.

ومطلوب وضع سقف زمني للحبس دون عقوبة محددة وبعدها إصدار الحكم ليتسنى للجنة العفو الرئاسي التحرك لطلب الإفراج أو تبرئة المحبوس من القضية برمتها.

ويحتاج ذلك إلى أن يكون لمجلس النواب دور قوي في هذا الشأن، لأن ملف السجناء السياسيين يحظى بأولوية لدى قوى داخلية وخارجية، ويثير استمرار الوضع الراهن بعض الشكوك في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها السيسي مؤخرا، ويعقد مهمة الحكومة في خلق أجواء هادئة تدعم الحوار الوطني المنشود.

وما يعزز أولوية هذه الخطوة عند بعض القوى السياسية أن الاجتماع الذي عقدته مجموعة من الأحزاب المعارضة لبحث أولويات الحوار الوطني أخيرا انتهى إلى أن الإصلاح السياسي يبدأ بالإفراج عن سجناء الرأي بلا قيود أو شروط، في إشارة إلى حتمية إزالة العراقيل القانونية أمام لجنة العفو الرئاسي لتوسيع قاعدة صلاحياتها.

أي زخم سياسي يراد تحقيقه في مصر من خلال الحوار الوطني يرتبط بمدى استجابة السلطة لمطالب القوى المدنية

وجاء في نتائج لقاء الأحزاب أن معالجة كل حالة لمحبوس على حدة وتبرير استمرار حبس سياسيين بمشكلة تشريعية يدفع نحو استمرار الملف سنوات من غير الوصول إلى حلول جذرية لتسوية ملف المحبوسين، ومن الأفضل للحكومة ولجنة العفو إقناع المعارضة بإجراء حوار جاد يبدأ باتخاذ قرار جماعي بشأن المحبوسين لتكون الفرصة مواتية للانفتاح على الإصلاح السياسي.

ولم يحدد القائمون على إدارة الحوار أهدافه الرئيسية، وما إذا كان يستهدف إدخال تعديلات جوهرية على سياسات الحكومة أم أن الغرض منه مناقشة الأمور الفنية التي تؤدي في النهاية إلى عرض وجهات نظر مختلفة لا تفضي إلى تغيير حقيقي على الأرض.

ويقول مراقبون إنه “في حال لم تتمخض نتائج إيجابية عن الحوار الوطني تعيد التفكير في تغيير توجهات الحكومة في ملفات مختلفة لن تكون هناك فائدة منه”.

ويؤكد المراقبون أن رؤية الحكومة فضفاضة وتشي بأن الحوار يمكن أن يتم مع مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مجالات متعددة، وتشارك المعارضة برموزها السياسية لعرض رؤيتها بشأن السياسات العامة دون الخوض في التفاصيل، ما يخلق مشكلة جوهرية بين الطرفين ويضاعف الخلاف الذي نشب منذ إطلاق الدعوة إلى الحوار قبل نحو شهر، حيث تخشى المعارضة دخوله في دهاليز تحرفه عن مساره.

وتبدي الأحزاب المصرية انزعاجا من وجود جملة من الإشارات السلبية التي تسبق الدخول في الحوار المباشر.

2