عسكريون ليبيون ينأون بجهود توحيد الجيش عن الخلافات السياسية

يحاول الفرقاء السياسيون في ليبيا بحث آليات مشتركة لتوحيد المؤسسة العسكرية، في خطوة تعكس فهم مختلف الأطراف بأن سبل تجاوز الانقسام السياسي الذي غذاه الصراع المسلح والاستنجاد بالميليشيات والمرتزقة، تبدأ عبر تكوين جيش متماسك وموحّد.
سرت (ليبيا) - حمل لقاء بين القائد العام المكلف للجيش الليبي ورئيس أركان المنطقة الغربية مساعي لتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد والنأي بها عن الخلافات السياسية التي قسّمت الليبيين، في وقت تصر فيه حكومة تصريف الأعمال بقيادة عبدالحميد الدبيبة على عدم صرف مرتبات عناصر من الجيش في المنطقة الشرقية.
وعقد القائد العام المكلف للجيش الليبي عبدالرزاق الناظوري مساء السبت اجتماعا ثانيا مع رئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد في سرت، لاستكمال ومناقشة باقي بنود الاجتماع السابق، والتي من أبرزها توحيد المؤسسة العسكرية، عبر وضع آليات وخطط منظمة.
وقالت مصادر ليبية “إن الاجتماع الذي التأم في فندق المهاري بسرت بحث آليات وطرق توحيد المؤسسة العسكرية، وإجراءات إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من كامل التراب الليبي”.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا يبدأ عبر التخلّص من المرتزقة والقوات الأجنبية، فضلا عن ضرورة إيجاد عقيدة عسكرية قوية لضمان توحيد صفوف الجيش.
وأفاد الخبير التونسي في الشؤون الليبية رافع الطبيب أن “هناك ميليشيات ماسكة بوضعية انعدام الدولة في ليبيا، ورأينا كيف نزلت إلى الشارع في الرابع والعشرين من ديسمبر”، قائلا “لا يمكن إقامة أي شيء في ليبيا إلاّ عبر توحيد المؤسسة العسكرية”.

رافع الطبيب: لا يمكن إقامة أي شيء في ليبيا إلا عبر توحيد الجيش
وأضاف لـ”العرب”، “أصبح هناك حديث واضح عن تقسيم الدولة الليبية، لكن النقاش العام هو وفق أي عقيدة دفاعية سيتم توحيد الجيش”.
واعتبر الطبيب أن توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا مرتبط بتوفر جملة من الشروط تتعلّق بحل التشكيلات الميليشياوية الحاملة للفكر الإرهابي أو منطق الجهوية عبر تجريدها من سلاحها، فضلا عن اعتماد جيش ليبي بعقيدة جيش وطنية لا بأوامر قبلية أو ميليشياوية.
كما دعا إلى “ضرورة إخراج كل المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية”.
ووجدت اللقاءات التي كانت تغلفها السرية التامة، صدى شعبيا كبيرا بين الليبيين الذين استبشروا بأن تسهم في حلحلة الأزمة التي تمر بها بلادهم، بعد أن طالت لأكثر من عقد من الزمان.
وأكد مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي اللواء خالد المحجوب، في تصريح إعلامي، أن أهم محاور اللقاء كانت توحيد المؤسسة العسكرية وتعزيز الثقة بين أطرافها في شرقي وغربي البلاد، موضحا أن “مثل هذه اللقاءات ستكون قادرة على إذابة الجليد بين الأطراف، مما سيسهم في تسريع عملية توحيدها”.
وعوّل كثيرون على هذا الاجتماع للمساهمة في تسريع عملية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، والتغلب على مختلف الصعوبات والعراقيل التي تقف حجر عثرة أمام عودة الاستقرار الأمني والسياسي للبلد الغني بالنفط.
وعلق القيادي في مدينة مصراتة والناطق باسم المركز الإعلامي لـ“عملية البنيان المرصوص” التابعة لرئاسي الوفاق أحمد الروياتي على اللقاء.
وقال الروياتي عبر صفحته بفيسبوك “خطوة شُجاعة ويجب أن تُشجع إذا أردنا وطنا بعيدا عن القتال والانقسام والفوضى وخسارة الأحبة والوطن، ولكن لن يُقدرها أو يعترف بها من تحسب عليهم”.
وقالت مصادر عسكرية إن البند الثاني في الاجتماع ناقش كيفية إيجاد ضوابط لدمج كافة الوحدات العسكرية في الجيش الليبي الموحد وفقا لاتفاقية اللجنة العسكرية 5+5 الموقعة في جنيف في أكتوبر من العام الماضي، فضلا عن جهود مساندة الجهات الأمنية في تأمين المدن والمناطق.
وكان الفريق الناظوري أكد عقب الاجتماع السابق أن الطرفين اتفقا على توحيد المؤسسة العسكرية دون تدخل أطراف أجنبية، مشيرا إلى أن اللقاء كان ليبيا – ليبيا، تقاربت فيه وجهات النظر، باتجاه المحافظة على المؤسسة العسكرية واحترام الكيانات السياسية.
وقارن المحجوب بين ما قاله عن “تسلم المرتزقة السوريين في العاصمة طرابلس، التابعين لتركيا ضمن صفوف القوات الموالية للحكومة، مرتباتهم بالدولار، بينما ينتظر نصف مليون ليبي مرتبات أبنائهم، وأولياء أمورهم ليشتروا الدواء لمرضاهم، والكراسات والأدوات لأبنائهم، والحليب لأطفالهم الرضع من حكومة قيل إنها حكومة وحدة وطنية”.
الاجتماع الذي التأم في فندق المهاري بسرت بحث آليات وطرق توحيد المؤسسة العسكرية، وإجراءات إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من كامل التراب الليبي
وفي وقت سابق اتهم المحجوب عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية بمنع صرف رواتب “قوات حفتر” للشهر الرابع على التوالي، كما كشف في تصريحات تلفزيونية عن اتجاه قوات حفتر للاستدانة لتعويض النقص المالي في ميزانيته.
وأضاف “نحن نبحث عن قرض لتسيير عملنا، ويمكننا القيام بأعمال كثيرة لسد احتياجات قواتنا”.
ويرى مراقبون أن الدبيبة يحاول استغلال الأوضاع المتأججة إثر تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، خدمة لمصالحه السياسية الخاصة.
وتعليقا على تجاوزات الدبيبة، قال الخبير في الشؤون الليبية الطبيب “رئيس حكومة تصريف الأعمال بدأت تفلت منه كل الأوراق وتبيّن أنه لا يملك أي حضور في قائمة العشرة الأوائل للانتخابات، وبالتالي هو يسعى لتأجيج الوضع في البلاد وإرباكه”.
وتلعب الأمم المتحدة دورا مهما في البحث عن صيغ توافقية بين الفرقاء الليبيين، فضلا عن دورها في الجهود المبذولة على مختلف المستويات لتوحيد المؤسسة العسكرية.
وجدّدت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، في تغريدة على حسابها بموقع تويتر الأحد، التأكيد على دعم الأمم المتحدة لكل الجهود المبذولة على مختلف المستويات لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا.
واجتماع الحداد والناظوري هو الثاني خلال أقل من شهر، حيث اجتمع الطرفان لأول مرة في الحادي عشر من ديسمبر الماضي، وأعلن الحداد الاتفاق على حل ودمج التشكيلات المسلحة من الطرفين، مشيرا إلى أن توحيد المؤسسة العسكرية يحتاج إلى “قيادة سياسية رشيدة”.