عدم تباعد فترات الإنجاب يؤثر سلبا على العلاقة الأسرية

الاهتمام بالطفل الأول وانتظار قدوم الثاني يعرض الصحة النفسية للزوجين للاختلال.
الاثنين 2020/12/14
تتالي الإنجاب يفقد الأم حريتها واستقلاليتها

يحذر مستشارو العلاقات الأسرية من تقارب فترات الإنجاب لما يسببه ذلك الأمر من إنهاك لصحة الأم من جهة، ولمَا له من تأثير سلبي على العلاقة بين الزوجين من جهة ثانية. كما أنهم يؤكدون أن الإنجاب المتكرر وغير المتباعد يصيب الصحة النفسية للزوجين بالاعتلال، ذلك أن التركيز الوجداني بين الزوجين ينقلب إلى اهتمام بالطفل الأول وانتظار للطفل الثاني في ذات الوقت.

يؤثر التقارب في فترة إنجاب الأطفال على العلاقات الأسرية وينتج نوعا من الفتور في علاقة الزوج بزوجته. وزيادة على الآثار الجانبية التي ينتجها التقارب في إنجاب الأطفال على صحة الأم ونفسيتها فإنه يلحق الضرر بطبيعة العلاقة بين الزوجين، وفق ما أشار إليه خبراء العلاقات الأسرية وخبراء علم النفس.

ويؤكد محمود الموقيدة المستشار التونسي في العلاقات الأسرية، معلم التفوق الحياتي وخبير البرمجة الدماغية، على سلبيات تتالي الإنجاب، مشيرا إلى أن الأم التي تنجب طفلها الأول و بعد سنة تنتظر طفلا ثانيا تصاب بتضخم في حقلها الحيوي ما ينجر عنه فقدانها لصورة الحرية التي كانت تتمتع بها من قبل، إضافة إلى أنها لم تعد تتوفر على تلك الاستقلالية التي كانت تشعر بها قبل إنجابها لطفلها الأول وانتظارها لمولودها الثاني لتعيش روتينا حياتيا مملا.

وقال الموقيدة إن الأم التي تحمل شهادة جامعية وتنجب أكثر من طفل في فترة زمنية متقاربة ستجد نفسها مضطرة للبقاء في المنزل وستضمحل لديها فكرة الإنجاز وستتضخم الطاقة السلبية في حقل حياتها الحيوي، وسينعكس ذلك على بنيتها الجسمانية والعقلية ما يؤدي إلى إصابتها بالشيخوخة الفكرية والوجدانية.

زيادة على الآثار الجانبية للتقارب في إنجاب الأطفال على صحة الأم ونفسيتها فإنه يلحق الضرر بطبيعة العلاقة بين الزوجين

وأكد الموقيدة في تصريح لـ”العرب”على التحول العميق في طبيعة العلاقة بين الزوجين حيث ينتقل التركيز الوجداني بينهما إلى تركيز واهتمام بالطفل الموجود والآخر القادم ما يصيب علاقتهما بالاعتلال ويؤثر على صحتيهما العقلية والنفسية وهو ما من شأنه أن ينعكس سلبا على تربية الأبناء ويجعلهم لا يتمتعون بقدر كاف من الرعاية.

وقال الموقيدة إن ارتفاع منسوب التوتر والشد العصبي الذي يرافق عملية الإنجاب يؤثر على نظام تواصل الشريكين لكثرة الضغوط التي تعتري الفترة الأولى من الولادة، ما يؤدي إلى فتور المشاعر بينهما.

وأضاف أن تتالي الإنجاب والتقارب يجعل الشريكين غير قادرين على إدارة خلافاتهما ما يدفع كل شريك لإلقاء المسؤولية على الطرف الثاني فيحصل بينهما الصدام.

بدورها أكدت خزاري الصايل المستشارة الأسرية والغذائية في مركز أساس العناية في المنطقة الشرقية بالسعودية أن الإنجاب لا بد أن يكون وفقا لإرادة كلا الوالدين، ويتناسب مع الوضع الصحي والنفسي والعاطفي للمرأة التي سيكون عليها الحمل الأكبر في التربية والعناية بهذا المولود، وحتى تستطيع إشباع هذا الطفل بالعاطفة والحنان.

وأشارت إلى أن أسمى أنواع التنظيم هو تنظيم الأسرة الذي لا يعتمد على الأمور المادية الملموسة فحسب، بل يجب أن يلم هذا التنظيم بالنواحي المعنوية والعاطفية لكل فرد.

وتساءلت الصايل كيف كانت الأمهات في الأجيال السابقة ينجبن عدداً كبيراً من الأولاد وعلى التوالي وهن بصحة جيدة ونفسيه سوية. وفي إجابتها أكدت أن الحياة القديمة ببساطتها، وبتكاتف أفرادها وتآلفهم هي التي ساعدت على ذلك.

وأوضحت أن البنت سابقا إن لم تجد حنان الأم كانت لها بدائل من خلال الجدة والعمة والأخت الكبرى، بينما حالياً ومع انتشار التكنولوجيا، وانشغال الناس وتباعدهم، وانصراف الأم إلى أمور أخرى غير أبنائها، بات الأطفال يعانون من نقص في العاطفة والحنان.

وقالت الصايل إن الأم حاليا تمنح أولادها كل شيء يلهيهم من إلكترونيات ووسائل حتى تكون بعيدة عنهم، في حين أن التربية السليمة لا بد أن تهتم أولا بالبناء النفسي لهؤلاء الأبناء، ومصادقتهم على مبدأ احترام آرائهم، وإعطائهم الوقت الكافي منذ لحظة إنجابهم، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى تنظيم وقت الإنجاب، لإعطاء كل طفل المساحة الكافية التي يحتاجها لتكوين شخصية سوية.

التخطيط السليم للإنجاب هو أساس تكوين أسرة سليمة
التخطيط السليم للإنجاب هو أساس تكوين أسرة سليمة

من جهتها أكدت الدكتورة وفاء محمد فقيه الأكاديمية والأستاذة المشاركة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، استشارية نساء وولادة، أن مسألة الحمل والولادة المتكررة ليست ضارة على الأنثى، بل على العكس تماماً فالحمل حماية للأم، وبالذات من سرطان الرحم وسرطان الثدي، ولكن تعد مسألة الفترة ما بين الحمل والحمل الذي يليه هي النقطة الشائكة، والتي لها مضار على الأم، مما يعني أن الأجدر هو إرضاع الطفل لمدة عامين كاملين، لصحة المولود أولاً، ولإعطاء جسم الأم فترة من الراحة والنقاهة ثانياً.

وأشارت فقيه إلى أن تهاون بعض السيدات في هذه المسألة يجعلهن عرضة للحمل المتتابع أكثر، مؤكدة أن معظم السيدات اللواتي يعانين من تكرار الحمل يعانين أيضا من زيادة الوزن بعد الولادة، وهذا بالتأكيد لا يعود إلى مسألة الحمل نفسها، بل إلى مسألة الثقافة العربية التي تمنح الأم الحامل حرية عدم الانتباه لنظامها الغذائي، والذي يسبب بلا شك زيادة مفرطة للوزن وقت الحمل، وبالذات في ظل إهمال ممارسة الرياضة سواء قبل الحمل أو أثناءه أو بعد الولادة، مما يجعل عودة شكل الجسم إلى طبيعته مسألة صعبة. وتؤكد فقيه أن تأثير زيادة الوزن خلال الحمل على الجنين يعرضه لمشكلات خاصة خلال تكوّن شرايينه، فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال المولودين من أمهات كن يعانين من زيادة في الوزن وقت الحمل أكثر عرضة لأمراض انسداد الشرايين.

بدورها أبرزت دراسة أميركية حديثة تم إجراؤها في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا، أن تقارب الحمل يزيد من مخاطر إنجاب طفل متوحد، مشيرة إلى أن مرض التوحد تزيد الإصابة به بنسبة 50 في المئة. وظهرت هذه النتائج بعد إطلاع الباحثين على تواريخ إنجاب الأمهات للأطفال المصابين بمرض التوحد.

وكشفت الدراسة أيضاً، أن تقارب الحمل يتسبب بمشاكل في الخصوبة لدى الأمهات، هذا بالإضافة إلى إصابة الأطفال ببعض الأمراض العصبية ومشاكل في النمو. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الأم تحتاج على الأقل إلى سنة ونصف السنة قبل الحمل الثاني لتستعيد صحتها والمغذيات اللازمة في جسمها للحمل من جديد وإنجاب طفل سليم صحيا وعقليا.

ويؤكد مستشارو العلاقات الأسرية، أن التخطيط هو أساس تكوين أسرة سليمة، ويرون أن الإنجاب في الوقت المناسب للأم والأب والاستعداد النفسي والعاطفي هما الأهم. ويشيرون إلى أن التباعد في الإنجاب من شأنه أن يمكّن من إعطاء الطفل حقه الكامل، سواء من ناحية الواجبات أو من الناحية النفسية والعاطفية، دون مشاركة أخ له. حيث أنه طفل وله الحق في أن يعيش طفولته، ويأخذ حظه من الدلال والحب.

ويقول الموقيدة إن تقاسم المسؤوليات بين الشريكين والتعامل مع الوضعية على أنها فرصة لاحتراف إدارة الأسرة يقللان من الضغوط التي تصاحب عملية الإنجاب المتتالية.

ويرى أن عملية الإنجاب المتتالية والمتقاربة تمكن من تعلم الطرفين إدارة المشاعر وتجاوز الغضب وتجعلهما يتأقلمان مع الضغوط المتواصلة.

21