عدم الأمانة حيلة الرجل لإسقاط ولاية الأبناء عن المطلقة بمصر

الأم تطارَد لتوثيق إهمال أولادها من أجل منع احتكار الحضانة.
الاثنين 2024/11/18
اتهام الأم بالتقصير يفقدها حقها في الحضانة

يعطي القانون لأبناء الأزواج المطلقين في مصر الحق في أن يكونوا في حضانة الأم وحدها، وتصبح رؤية الأب لهم مرة كل أسبوع، وهو ما يعتبره متخصصون في العلاقات الأسرية إجحافا في حق الأب. ويرون أنه ليس منطقيا ولا تربويا أن يُحرم الأب من أولاده لمجرد أن العلاقة مع زوجته وصلت إلى مرحلة الانفصال الرسمي.

القاهرة - أصبحت حيلة إثبات عدم أمانة الأم المطلقة في رعاية أولادها وسيلة جيدة لدى البعض من الرجال لإسقاط الحضانة عنها وانتقالها إلى الأب، وبدأت الكثير من النساء في مصر يعانين أمام انشغالهن بصعوبات الحياة وعدم اهتمامهن بأولادهن بالقدر الكافي، ما يسمح لبعض الآباء باستغلال تلك الحيلة لرفع دعوى قضائية للمطالبة بإسقاط الولاية عن الأم، وقد يأتي الحكم ليحرمها من أبنائها.

قضت محكمة الأسرة في مصر مؤخرا بانتقال الولاية على الأبناء من الأم المطلقة إلى زوجها السابق، بعد أن تبين للقضاة صحة ما يسوقه الرجل من أن استمرار الأبناء مع مطلقته يهدد سلامتهم، فهي منشغلة عنهم أو لا تهتم بأمورهم العامة، وحال أثبت كلامه بأدلة موثقة وشهادة من بعض الجيران والمعارف تتم إدانة الأم والحكم عليها بحرمانها من أن يستمر أولادها في حضانتها وانتقالهم إلى الأب.

جزء أساسي من انتقام الأب من مطلقته بعد الانفصال أن قانون الأحوال الشخصية المطبق حاليا في مصر يضع الأب في مرتبة متأخرة في ما يخص الولاية على الأولاد، إذ لا يحق له أن يتقدم لهم في مدرسة بعينها أو ينقلهم منها أو تكون له علاقة بهم، تعليميا وصحيا واجتماعيا إلا لبضع دقائق يراهم فيها، وهو ما يعرف بـ"الرؤية".

يعطي القانون الحق لأبناء الأزواج المطلقين أن يكونوا في حضانة الأم وحدها، وتصبح رؤية الأب لهم مرة كل أسبوع، وبناء على حكم قضائي نهائي يحدد المدة ومكان اللقاء بين الطفل وأبيه، ويلتقي بهم غالبا في أحد الأندية أو مكان عام يحدده القاضي، وهو ما يراه الأب إجحافا بحقه وتوجها غير إنساني ليس في مصلحة الطفل.

علاء الغندور: تقاسم الحضانة بين المطلقين حل أمثل لهما
علاء الغندور: تقاسم الحضانة بين المطلقين حل أمثل لهما

وبسبب القانون المطبق منذ سنوات طويلة تحولت وقائع استغلال الأبناء وقت الخلافات الزوجية إلى ظاهرة أسرية، تعكس إلى أي درجة تراجع مستوى الخلافات المتحضرة بين الشريكين، إذ يعمد كل طرف، لاسيما الرجل، إلى استغلال الأبناء وسيلة للانتقام من الزوجة ولو لم تصل الأمور إلى مستوى الطلاق النهائي. ولأن محاكم الأسرة تحكم بما لديها من أوراق فقط، لجأت منظمات نسوية وأخرى ذكورية، إلى المطالبة بأن تكون الولاية على الأبناء مناصفة بين الطرفين ولا يحتكرها أحدهما، سواء أكانت العلاقة الزوجية قائمة أم انتهت بالانفصال، لأنه من حق الأب والأم أن يكون لكل منهما الحق في احتضان الأولاد بعيدا عن تحكم الآخر من خلال ولاية أبدية تجلب للآخر الابتزاز.

يرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أنه ليس منطقيا ولا تربويا أن يُحرم الأب من أولاده لمجرد أن العلاقة مع زوجته وصلت إلى مرحلة الانفصال الرسمي، دون أن يكون له دور في تربية ورعاية وتعليم ورؤية أولاده بشكل مناسب، مقابل أن تحتكر الأم تلك الميزة ولا بديل عن الوصول إلى حل يوفر مشاركة الطرفين بعد الطلاق.

وطالما ظلت أحكام القضاء الأسري منصفة للأم وحدها في مسألة الولاية والحضانة للأبناء، من الطبيعي أن يطاردها الأب للوصول إلى ثغرة تجعلها متهمة ومقصرة ومهملة كي يحصل على حقه في أن يكون قريبا من أولاده، ما يؤثر بالتبعية على الأبناء ويجعلهم حلقة ضعيفة في الصراعات التي تقع بين المطلقين بسبب الولاية.

أصبح من السهل أن يثبت الرجل حجم إهمال الأم في رعاية أولادها، وأن وجودهم معها ربما يمثل خطورة على حياتهم، مثلما كشفت عنه وقائع حكم قضائي صدر مؤخرا بانتقال الولاية من الأم إلى الأب، لأنها ذهبت لتزور شقيقها المريض وتركت ولديها وحدهما في المنزل، وقاما بإشعال النيران في بعض الأوراق وتصاعد الدخان من الشرفات بشهادة الجيران.

كانت تلك الواقعة كافية للأب لرفع دعوى قضائية ضد مطلقته لإسقاط الولاية عنها، وحرمانها من أولادها كي يحصل وحده على تلك الميزة، مستندا إلى شهادة الجيران، وبالفعل جاء الحكم لصالحه، وهناك وقائع مماثلة عديدة يترصد فيها الأب لمطلقته بحثا عن وسيلة يؤكد بها أن الأم غير أمينة على الأولاد، ولا تستحق أن يظلوا في حضانتها.

يرفض الكثير من الآباء تلك المبررات التي تسوق لها منظمات نسوية وحقوقية بأن حضانة النساء للصغار حق مكتسب للأم بعد الطلاق، باعتبار أنها أكثر رحمة وإنسانية من الأب في التعامل مع الأطفال على مستوى التربية والاحتواء العاطفي بلا إدراك لمخاطر القطيعة الممتدة بين الطفل ووالده، وعدم العيش معه ليوم واحد بعد الطلاق.

◙ الحكومة المصرية تخطط لإنهاء النزاع بين المطلقين حول الأبناء في مسألة الولاية عبر استبدال الرؤية بالاستضافة

وتخطط الحكومة المصرية لإنهاء النزاع بين المطلقين حول الأبناء في مسألة الولاية عبر استبدال الرؤية بالاستضافة، ليُتاح للأب أن يصطحب أولاده للمبيت في منزله عدة أيام كل شهر، مع إمكانية تقاسم الحضانة بين الأب والأم، ويكون مسموح للأعمام والأجداد برؤية الأبناء والأحفاد والجلوس معهم فترة طويلة بدلا عن احتكار الأم لهم.

ويدعم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذا النص القانوني في التشريع المرتبط بالأحوال الشخصية الجديد، لأنه من الصعب على الأبناء التعايش بشكل طبيعي في ظل ظروف مغايرة لتلك التي اعتادوا عليها وقت أن كان الأبوان يعيشان معا، وحرمان الأب من أولاده أو العكس لا يجعل الصغار أسوياء نفسيا وسلوكيا مع غياب الأب.

قال علاء الغندور، استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة، إن تقاسم الولاية والحضانة بين المطلقين حل أمثل لجميع الأطراف، بحيث لا يتم ابتزاز الأب أو الأم، لأن فترة التوترات الأسرية فرصة لانتقام كل شريك من الآخر من خلال الأبناء، وهذا يضر بمستقبلهم ويجعلهم يكبرون بشكل غير سوي مهما وفر لهم أحد الطرفين احتياجاتهم.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تقاسم الولاية يؤسس لحياة خالية من المنغصات بعد الطلاق، بالنسبة للأبناء تحديدا، حيث يجعلهم بعيدين عن الاستغلال السيء من جانب أي طرف، بما يحفظ حقهم في التعليم والترابط العائلي ويعيشون حياة طبيعية، ولكن احتكار أي طرف لهذا الحق يثير الضغينة والكراهية ويوسع دائرة الانتقام.

وميزة التقاسم في الولاية، وإن كانت الحضانة مع شخص واحد، أنه يعيد التوازن في علاقة الزوجين بعد الطلاق، وربما يساعد في ترميم العلاقة بينهما وإمكانية عودتهما مرة أخرى بعد الانفصال، ويجعل تربية الأبناء مشتركة بينهما ولو عن بُعد، أما انفراد طرف بكل ما يخص الأبناء فلن يوقف الصراع ويؤدي إلى استمرار الكيدية بما لا يخدم كلا الطرفين.

16