"عبيط" معرض يحاكي تأثير انفجار بيروت في نفوس اللبنانيين

أدهم الدمشقي وكلبه غودو في سردية فنية لما بعد الفاجعة.
الجمعة 2022/04/22
الضحايا جزء من اللوحة

يعبّر الفنان التشكيلي اللبناني أدهم الدمشقي في معرضه الجديد “عبيط” عن الأثر العميق لانفجار مرفأ بيروت واللحظات الأولى لوقوع الكارثة في نفوس اللبنانيين، وهو واحد منهم، بالكثير من الغرائبية التي تنهل من المدرسة الوحشية لكنها تحاول البحث عن الطرافة في ما حدث، مسترجعا حضور شريكه في الذاكرة الكلب غودو.

افتتحت صالة “إكزود” في بيروت معرضا للفنان والشاعر أدهم الدمشقي بعنوان “عبيط”. معرض يستمر حتى الثالث والعشرين من شهر أبريل وجمع فيه الفنان لوحات مختلفة الأحجام ومشغولة بالميكست ميديا.

“عبيط” هو عنوان لمعرض فردي ثان للفنان والشاعر والسينمائي أدهم نظّم في صالة “إكزود” اللبنانية وضم لوحات مشغولة بتقنيات مختلفة ومعظمها بالحجم الكبير.

وتضمّن المعرض أربعة لقاءات حول الشعر والموسيقى، والسينما ودور الفنون في علاج الاضطراب ما بعد الصدمة والتحرر من المشاعر السلبية.

وكاد هذا المعرض أن يكون جزءا ثانيا أو استكمالا مفتوحا لمعرضه السابق الذي حمل عنوان “عنبر”.

"عَبيط" معرض يطرح مقاربة جديدة لاضطراب ما بعد الصدمة وحالة اللامبالاة الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت

وباختصار شديد ولضرورة استيعاب أعمق لمعرضه الجديد يجب ذكر كيف قدم الفنان معرضه الأول الذي انبثق من مأساة تفجير المرفأ البيروتي سنة 2020 بهذه الكلمات “بينما كنت أرافق كلبي ‘غودو’ برحلة في شوارع بيروت حدث الانفجار.. رأيته يركض بسرعة نحو منزلنا وكأنه ليطمئن عليه. كانت معالم الشارع تغيّرت بفعل الانفجار، تحركت لا شعوريا ولحقت به. وصلنا معا إلى محيط البيت، كان مقفرا، الردم يغطيه، وزجاج النوافذ والأبواب تناثر على كل شيء.. هكذا ولدت فكرة المعرض الذي أقمته في منزلي بين الزجاج المتناثر.. تخيلت غودو يركض بـ6 أقدام بدلا من أربع، كأنه استعار مني قدمي المتوقفتين عن الحركة في تلك اللحظات. فهو من أعادني من غيبوبتي المجازية، وحقنني بإكسير الحياة من جديد”.

ويستطرد الفنان قائلا “عندما وصل غودو قبلي إلى المنزل، أدركت أني أصبحت بأمان. فأثناء اندفاعي للوصول إلى منزلي كنت أحس أني أركض وبيروت تركض عكسي، وكأني أعيش الوهم. قررت إقامة معرضي في هذا المكان بالذات، لأنّه يتنفس كل المشاعر المتناقضة التي راودتني في تلك اللحظات”.

وإن كان معرض “عنبر” قد ضم ما يقارب 15 لوحة فهو في معرضه الجديد ضم 40 لوحة ومن بينها البضع من اللوحات التي عرضها في معرضه الأول.

زخم على زخم، هكذا بدت مجموعة أعماله الجديدة التي خطفت المُشاهد نحو عالم مُكتظ وصاخب الألوان وعابق بحدتها وبعيدا كل البعد عن الألوان التي تتنفس الصعداء لتنقل سكونها إلى الناظر إليها. ما من مُلطف لأجوائها إلا “غودو” الكلب الصديق الذي حضر في العديد من اللوحات كشاهد وكمهدئ لروع الأشياء والنباتات والبشر.

وبالرغم من أن المشاهد التي رسمها الفنان تحاكي حدث الانفجار البيروتي وتأثيره العميق في نفوس اللبنانيين لاسيما من كانوا قريبين من مكان الانفجار، اكتست لوحاته خُضرة غامقة التدرجات تذكر بالغابات المكتظة والموحشة التي لا يصل إليها ضوء الشمس إلا محملا بحرارة عالية تجمّد أوراق الأشجار وتمنع متنفس الهواء من التغلغل بين أوراقها. هي مدينة – غابة ما بعد حريق نوّد أن نسميه “غرائبي” رغم أنه حدث فعلا بكل واقعيته الفجة.

لوحات تسهم في علاج اضطراب ما بعد الصدمة

ومن ملامح هذه الغرائبية اللاذعة التي عبّر عنها الفنان بعفوية وبراعة تقنية في آن واحد: ظهور الشخوص الشهود والضحايا وكأنهم جزء من حدوث الانفجار.

طرافة كئيبة فيها الكثير من الخطوط والزوايا الحادة ونبات كأنه مصنوع من الشمع الساخن، وجنون متزن يريد أن يظهر طبيعيا – عاديا – روتينيا. جنون بارد لأنه إما مقموع أو لأنه تم تطويره على يد المصابين به كي يكون واقع حال مُكرس. واقع جنونيّ منضبط استحال إلى مكان يعبر فيه “غودو”، كلب الفنان بهامته المُحببة مباليا وغير مبال لهول ما حدث وصعوبة استيعابه على أنه خارج منطق العيش العام في مدينة كبيروت وبلد كلبنان لم تكف الضربات أن تنهال عليه من الخارج والداخل على السواء.

تذكّر لوحات الفنان أدهم من ناحية بالمدرسة الوحشية في الفن ذات الألوان الفجة والمتفجرة ولكنها من ناحية أخرى لا تسجل طغيان الطبيعة وفوضاها بقدر ما تتناول بيئة تضخمت فيها الأشجار وغلظت جذوعها وأوراقها حتى كادت أن تكون بلاستيكية لم يتبق فيها من نسغ ورطوبة إلا ما يمكن أن يتخطى موته ليحظى بفرصة جديدة للعيش وإن مبتورا مما عهده واطمأن إليه من قبل أن تحدث الفاجعة.

وأكد هذه الأجواء التي تفشت في جميع لوحاته ما قاله الفنان “بعدَ سنة تقريبا على معرضَي الفرديّ الأوّل معرضي الجديد ‘عَبيط’ يطرحُ مقاربة جديدة لاضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن انفجار مرفأ بيروت الرابع من أغسطس 2020.. تظهرُ فيه الشخصياتُ، وبطلُها غودو، في هيئةِ انفصام عن الواقعِ المَعِيش، وفي حضور ساخر من الصدماتِ والموت. فالعَبَطُ يَصبغُ ظاهرَ الأشياءِ والألوان، لكنَّهُ يكشِفُ في العمق عن حالة اللامبالاة التي تُصيبُ الإنسان في صراعه مع الصَّدمات.

يُطلُ علينا ‘عبيط’ قبل يوم من ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، ليذكّرنا بموت آخر سعيد، وبعدد الخيبات والهزائم، الحروب والانفجارات، الانتصارات الوهمية، والانتظارات الفارغة أمام عبثيّة الحياة والموت في هذه المدينة..

لوحات الفنان أدهم الدمشقي تذكر بالمدرسة الوحشية في الفن ذات الألوان الفجة والمتفجرة لكنها لا تسجل طغيان الطبيعة وفوضاها

ثم يهمسُ في أُذُنِ بيروت

قَد تحدثُ انفجاراتٌ أخرى

لكنّي هذه المرّة،

لن أركضَ، لن أهربَ، لن أخاف

سأهزُّ ذيلي فرحًا،

وأمدُّ لساني ضاحكا للموت…

سُعداءُ نحنُ في قبورنا”.

ويُذكر أن الفنان أدهم الدمشقي (14 – 4 – 1990)، شاعر ومسرحي وفنان تشكيلي لبناني، يقيم في محترفه الفني في بيروت. وهو أيضا محاضر جامعي في دور العلاج في الفنون والتنمية الذاتية.

وشارك الدمشقي في أعمال مسرحيّة عدّة مع المخرج الراحل منير أبودبس (مؤسس المسرح الحديث في لبنان) بين 2011 و2014. كما أعدَّ وأخرج مجموعة أفلام وثائقيّة بين عامي 2012 – 2019. حائز على ذهبية الشعر في ستوديو الفن وله أربعة كُتب تُرجِمَت إلى لغات عدة.

Thumbnail
14