عبير موسي لا تستطيع العيش دون خصم سياسي

تونس- تثير ممارسات وسلوكيات رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي جدلا مستمرا على الساحة السياسية في تونس، وآخرها خلال قيادتها لتحرك احتجاجي لأنصارها في الذكرى الثانية عشرة للثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ويرى مراقبون أن ممارسات موسي الموغلة في “الشعبوية” يبدو أنها تنعكس بشكل سلبي على نظرة الشارع التونسي إليها، وتساهم بشكل كبير في تراجع الدعم الشعبي لها، مشيرين إلى أنه ومن خلال تتبع مسارها السياسي خلال السنوات الماضية فقد أظهرت أنها لا تستطيع العيش دون صنع خصم سياسي.
وعُرفت موسي (47 عاما) بمعارضتها الشرسة للنظام السياسي في تونس وحكومات ما بعد 2011. وقد لعبت دورا رئيسيا في التصدي لمنظومة الحكم السابقة التي قادتها حركة النهضة الإسلامية، واليوم حولت السياسية والمحامية البارزة بوصلة معارضتها نحو الرئيس قيس سعيد وتوجهاته.
وأعلنت موسي السبت أنه “تم منعها رفقة أنصار الحزب من التوجه نحو قرطاج، حيث سيتم تنفيذ مسيرة في اتجاه القصر الرئاسي”.
وأوضحت في مقطع مباشر على صفحتها الرسمية بفيسبوك، أنه “تم منع أنصار الحزب من حقهم في التنقل عبر وسائل النقل العمومي إلى قرطاج، وذلك بإيقاف حركة القطارات”، قائلة “بأي حق يتم منعنا من التنقل ومن استعمال النقل العمومي؟ وعن أي حقوق إنسان تتحدثون؟”، متابعة القول “ليس من حقّ أي أحد أن يمنعنا من تنظيم مسيرة”.
ورفع أنصار موسي شعارات منددة بسياسات الرئيس سعيّد على غرار “تزوير الإرادة الشعبية”، “الدولة التونسية على حافة الانهيار”، “البلد على أبواب الجوع”، “سنصنع ربيع تونس الوطني”، وغيرها من الشعارات.
وكان الحزب الدستوري الحر أحد الداعمين ضمنيا لمسار الخامس والعشرين من يوليو حيث يتقاطع الحزب مع الإجراءات المتخذة لاسيما لجهة حل البرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون، لكن سرعان ما أعلنت رئيسة الحزب عن معارضتها لهذا المسار، واتهمت سعيد بالاستفراد بالسلطة، واصفة إياه بـ”الحاكم بأمره”.
واعتبرت موسي في تصريحات سابقة أن معارضتها للرئيس سعيّد “فرضها الواقع بعد تعمده المضي قدما بالبلاد نحو المجهول وأنه لا يمكن لأحد أن يزايد عليها وحزبها في مواجهة الإسلاميين”، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية.
ويقول مراقبون إن موسي اختارت أن يكون سعيّد خصما سياسيا مباشرا بعد تراجع خصمها التقليدي المتمثل في تيار الإسلام السياسي، خصوصا بعد أن عجّلت قرارات الخامس والعشرين من يوليو بإزاحة منظومة الأحزاب وهمّشت دورها في المشهد.
ويرى هؤلاء أن الدستوري الحرّ لا يملك برامج سياسية واقتصادية واضحة، لكنه كوّن قاعدة شعبية من خلال خطاب موسي المعادي للمنظومة التي كانت تقودها حركة النهضة في السابق، وتسعى الآن لإحراج الرئيس سعيّد سياسيا برفض مساره وتوجهاته.
وأفاد الناشط السياسي باسل الترجمان أنه “لا بدّ من تقسيم تجربة موسي إلى مرحلتين، مرحلة البرلمان، حيث كوّنت كتلة من 17 نائبا وقدمت عددا من القوانين ومارست دورا سياسيا أثار اهتمام الشارع، ثم مرحلة ما بعد البرلمان، التي انتقلت فيها إلى ما يسمى بصناعة الاستعراضات تحت قبة باردو وخلق نوع من الكوميديا السياسية الساخرة وهو ما ساهم في اهتزاز صورتها في الشارع”.
وقال الترجمان لـ”العرب”، “موسي انتقلت إلى البحث عن أي طرف بعد سقوط المنظومة التي كانت تقودها حركة النهضة، حيث أنها تريد خلق شيء يجعلها موجودة في المشهد، وما حصل السبت كان مثيرا جدا وأعلن عن تراجع كبير في عدد أنصار الدستوري الحر جراء تغيّر خطاب زعيمته، وما فعلته هو إهانة للحماية الأمنية الشخصية التي تتمتع بها”.
وأضاف الترجمان “رئيسة الدستوري الحر تحولت من عدم القدرة على تقديم خطاب سياسي يثير اهتمام الشارع وحشد الأنصار، إلى ممارسة كوميديا سياسية تثير دهشة الجميع”.
وأردف المحلل السياسي “موسي تسيء لنفسها بتصرفاتها، وعوض أن تشتغل كطرف سياسي، انساقت خلف الاستعراض في الشارع الذي تحول إلى كوميديا”.
ويرفض الحزب الدستوري الذي خاض مواجهة في السابق مع الإسلاميين الدخول في أي مبادرات سياسية تتوارى خلفها حركة النهضة وذلك في وقت تسعى فيه الأخيرة للضغط على سعيد في الشارع.
ويعتبر متابعون للشأن السياسي أن موسي فشلت في معارضة الرئيس سعيّد واحتكرت كل الأدوار داخل حزبها وخسرت مكانها تدريجيا بعد أن تحوّل الرئيس سعيد إلى خصم ناجح ضدّ النهضة وحلفائها.
وأكّد الناشط نبيل الرابحي أنه “منذ 2011 عندما تسلمت حركة النهضة الحكم حتى 2019، تم ترذيل العمل السياسي، وفي غياب الحلول الاقتصادية والاجتماعية، أصبح البعض يحنّ إلى الماضي، فمرت تونس بمرحلة العائلة الوسطية بقيادة الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي وتحالفه مع الإسلاميين، ما جعل موسي تفكّر في العودة إلى المشهد في مستوى الخطاب منتقدة تلك التحالفات الهجينة”.
وقال الرابحي في تصريح لـ”العرب”، “بعد تصدّر الدستوري الحر لأرقام سبر الآراء، ثم جاء مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021 ولفظ كل المنظومة السابقة، خسرت موسي أنصارها وأصبحت اليوم تمارس نوعا من التهريج، وكأنها أيضا لا تريد العيش دون خصم سياسي”.
وأضاف “موسي تعتبر أن سعيّد استولى على الحكم وخطف منها الأضواء، وتريد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والعودة إلى دستور 2014″، الذي سبق وأن انتقدته وطالبت بتغييره.
ويواصل الرئيس سعيد تجاهل انتقادات المعارضة بالمضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق تدعمت بإجراء الدور الأول من الانتخابات التشريعية في ديسمبر الماضي.
واقتصرت نسبة المشاركة في الاستحقاق على 11.2 في المئة، وهي الأدنى على الإطلاق واعتبرت نكسة لسعيّد الذي وصفها بـ“الأفضل” من كل الانتخابات التي تم تنظيمها في البلاد.
ودعت المعارضة سعيّد للاستقالة والمغادرة بعد “فشل مساره”، لكنه يؤكد في المقابل تنظيم الدورة الثانية للانتخابات في التاسع والعشرين من يناير الجاري.