عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر لا يبدد الغضب الشعبي

انتخب عبدالمجيد تبون رئيسا جديدا للجزائر لكن ذلك لم يهدئ غضبة الشارع المنتفض منذ أشهر ويتطلع لتغيير منظومة الحكم السابق، إذ يعتبرون الانتخابات الأخيرة ليست سوى إعادة تدوير النظام لوجوهه وآلياته القديمة. وستثبت الأيام القادمة مدى جدية تبون في الالتزام بوعد التغيير الذي قطعه أثناء حملته الدعائية لحشد أصوات الناخبين، لكن الأمر يبدو محسوما سلفا على اعتبار أن الرئيس الجديد ليس سوى واحد من رجالات النظام القديم إذ تقلد مناصب ومسؤوليات حكومية عديدة خلال العقد الأخير من القرن الماضي.
الجزائر – أسفرت نتائج انتخابات الرئاسة في الجزائر عن فوز المرشح المستقل عبدالمجيد تبون ليخلف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي اضطر للتنحي عن السلطة في أبريل، تحت ضغط الشارع الغاضب والمؤسسة العسكرية النافذة، ليكون بذلك ثامن رئيس للجزائر يأتي في ظروف استثنائية واحتجاجات شعبية مستمرة منذ عشرة أشهر.
وأعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي فوز تبون برئاسة البلاد بعد حصوله على 58 بالمئة من أصوات المقترعين، الذين بلغ عددهم نحو ثمانية ملايين ناخب من مجموع 24 مليون مسجّل في اللوائح الانتخابية.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي جرت الخميس، عموما أقل من 40 بالمئة، وفق الإحصائيات التي قدمتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
ويعكس ضعف نسبة المشاركة في الاقتراع حجم المقاطعة الواسعة للانتخابات الرئاسية، وهي نسبة تدحض مزاعم السلطة القائمة التي سعت طيلة الفترة الماضية للترويج لكون أغلبية الجزائريين يدعمون خيار الانتخابات، ويضع المعارضين لها -والرافضين للانتخابات- في موقع قوي.
وسارع المرشح عزالدين ميهوبي، الذي أربك حسابات المراقبين خلال الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، إلى تهنئة الرئيس الجديد للبلاد والاعتراف بالنتائج المعلن عنها.
من جهته، وفي أول ردود الفعل عن الهزيمة في الانتخابات الرئاسية، طلب المرشح للانتخابات الرئاسية عبدالقادر بن قرينة من حزب حركة البناء الوطني الإسلامي إعفاءه من قيادة الحزب.
وكان المرشح المحسوب على المعارضة علي بن فليس قد لمّح، في تصريح له مساء الخميس بمقر حملته الانتخابية، إلى “انسحابه من الحزب ومن المشهد السياسي، وفسح المجال أمام شباب حزب طلائع الحريات”.
ويعتبر بن فليس المتضرر الأكبر من الانتخابات الرئاسية كونها جسدت فشله في منافسة مرشح السلطة وتحقيق فوز ضده في ثلاث محطات سابقة. وكان بن فليس قد خسر الانتخابات أمام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في مناسبتين في العامين 2004 و2014. واعتبر مراقبون أن هذه الهزيمة الأخيرة ستنهي المسار السياسي لبن فليس.
وغابت مظاهر الاحتفال بفوز تبون بكرسي الرئاسة في العاصمة وفي عموم البلاد، باستثناء أجواء الفرحة التي تخيم على المقر المركزي لحملته الانتخابية. وأخفى أنصاره والمتعاطفون معه مظاهر الابتهاج عكس ما يحدث في مثل هذه المناسبات، وهو ما يبرز حالة التوجس القائمة بسبب الرفض الشعبي الواسع للانتخابات.
وفي أول تغريدة بعد فوزه في الانتخابات، قدم تبون عبر حسابه الرسمي على تويتر تهانيه وشكره للذين وضعوا فيه الثقة ليكون رئيسا للبلاد. كما أكد التزامه بشعار حملته الانتخابية وهو “التغيير الشامل”، الذي كشف عن خطوطه العريضة في أول تصريح لوسائل الإعلام الخميس.
وعاشت العاصمة الجزائرية والعديد من المدن والمحافظات، الجمعة، على وقع مظاهرات رافضة للانتخابات. وأكد المحتجون مواصلتهم رفض الانتخابات الرئاسية في يوم الاقتراع وشددوا على تمسكهم بمطالب رحيل السلطة وإطلاق مسار انتقالي يكفل إحداث التغيير السياسي الشامل في البلاد، لتكون بذلك استكمالا للاحتجاجات التي تعيشها الجزائر منذ أشهر.
وأعلن ناشطون في الحراك الشعبي أنهم ليسوا معنيين بالانتخابات ولا بالرئيس الجديد للبلاد، لأنها مرفوضة من طرف الشارع منذ أشهر طويلة، وأن تطور الأحداث بيّن أن السلطة جددت نفسها بانتخاب رئيس جديد ينتمي لنفس المنظومة القديمة والتي ثار ضدها الشارع.
وتقلد تبون العديد من المسؤوليات الحكومية وتولى مناصب مختلفة في الدولة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
وكان حزب تجمع أمل الجزائر “تاج”، الذي يتواجد أمينه العام الوزير السابق عمار غول في السجن بتهم فساد، أول المهنئين للرئيس الجديد والمشيدين بالانتخابات الرئاسية. وكان هذا الحزب أحد أطراف التحالف الرئاسي المؤيد لعبدالعزيز بوتفليقة عندما كان في الحكم.
وفي المقابل، ذكر تكتل البديل الديمقراطي المعارض أنه “لا يعترف بالانتخابات الرئاسية ولا بالنتائج التي أفرزتها”. وأكد، في بيان، على تموقعه الدائم في صف قوى الحراك الشعبي، وتمسكه بمطالب رحيل السلطة، والذهاب إلى مرحلة انتقال ديمقراطي تضع جميع الأطراف في خط واحد.
ولف الاستحقاق الجزائري لغط كبير بشأن سير عملية الاقتراع والاتهامات بالتزوير والتلاعب بالنتائج خاصة في ظل الشكوك حول دور أفراد الجيش في الاقتراع أكثر من مرة بغية رفع نسبة المشاركة، فضلا عن تعبئة وحشو صناديق الاقتراع وتهيئتها مسبقا، بحسب ما أوضحته تسجيلات في عدد من المدن كبني عمران وبرج منايل بولاية بومرداس الواقعة شرق العاصمة.
ويدور في الجزائر جدل كبير حول مصير الجنرال قايد صالح، وهو الرجل القويّ في السلطة وفي المؤسسة العسكرية، بعد الانتخابات الرئاسية بسبب استهلاكه سياسيا ورمزيا وتقدمه في السن إذ يبلغ 80 عاما.
وأشاد رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في الندوة الصحافية التي خصصت لإعلان النتائج، بجهود المؤسسة العسكرية في تنظيم وتأمين الانتخابات الرئاسية، وهو ما يوحي بحسب البعض من المتابعين للشأن الجزائري بأن المسار الذي كرّسته المؤسسة العسكرية خلال الأشهر الماضية، سيواصل رسم ملامح وخطوط المرحلة الجديدة.