عبدالله رشدي "إمام المتحرشين" الذي يوهم أنصاره بمفاتيح النار والجنة

الداعية الإشكالي لا يترك حدثا مجتمعيا مثيرا للجدل إلا وشارك فيه برأي ديني متشدد، في محاولة مستمرة ومعتادة لتصدر المشهد وركوب "الترند" والبقاء في الواجهة لأطول فترة.
الثلاثاء 2020/08/18
عبدالله رشدي أزهري يغازل المتطرفين متربّحا من فتاوى الفتنة

في ذروة حرب الحكومة المصرية على الإرهاب ومحاصرة المتشددين، والضغط على المؤسسة الدينية لتجديد الخطاب وتطهير نفسها من المتطرفين، ما زال الداعية الأزهري عبدالله رشدي يمارس هواية إصدار فتاوى تخطت حدود التشدد، بالتحريض على انتهاك جسد المرأة، وإثارة الفتنة، وترهيب الأقباط وتبرير سبي النساء.

يختلف رشدي عن أغلب الدعاة في الوصول إلى الجمهور، فقد خلع عن نفسه العباءة الأزهرية، وذهب إلى ارتداء الملابس المعاصرة، حتى يُشعر الشباب بأنه جزء منهم ويتحدث بلسانهم، وفي نفس الوقت يلعب على وتر التدين الفطري عند شريحة كبيرة، فتراه يُخاطبها بطريقة تُناسب عقلها ويذهب بها إلى عصور الجاهلية.

بدأ مبكرا في تحديد جمهوره المستهدف، فاختار المتعصبين بالفطرة، وبعض أبناء الطبقة الوسطى التي تحصل على معلوماتها الدينية بشكل عشوائي بعيدا عن الخطاب الرسمي، وأنصار التيارات الإسلامية والمتعاطفين معها، وفئة من دارسي وخريجي الأزهر الذين اعتبروه انعكاسا واضحا للمناهج التي درسوها.

لم يترك حدثا مجتمعيا مثيرا للجدل إلا وشارك فيه برأي ديني متشدد، في محاولة مستمرة ومعتادة لتصدر المشهد وركوب “الترند” والبقاء في الواجهة لأطول فترة.

الطريق إلى الشهرة

شخص يجيد التلون واقتناص أنصاف الفرص والتلاعب بالكلمات لإثبات وجهة نظره، وإن كان يُدرك أنه على خطأ بتعمده خلط الدين برؤيته القاصرة، ليجعل من خطابه الدعوي أداة للشهرة وجني المال وزيادة نسب المشاهدة حتى حصل مؤخرا على الدرع الذهبية لموقع “يوتيوب”.

صحيح أن المؤسسات الدينية تبرأت من آرائه، لكنها تتحمل وحدها دون غيرها تقديمه للشارع كنموذج معاصر للداعية الشاب الذي يستطيع سحق العلمانيين وأعداء التراث.

المسلم الذي يهنئ المسيحي بأعياده، يصفه رشدي بأنه "كافر مثله"، لأنه يرتكب إثما يستحيل غفرانه، وهي قناعات سلفية – إخوانية شائعة

بدأت شهرته مع استعانة الأزهر به ليقوم بمناظرة الباحث إسلام بحيري على الهواء قبل 3 سنوات، في ذروة الهجوم الأخير على المؤسسة الدينية ووصفها بالمتشددة.

بات بعدها الشاب مثلا أعلى لكثير من أصحاب الفكر السلفي ودعاة تقديس التراث ومن يستهويهم الإمام المتمرد الذي يُفتي في كل شيء يعرفه وما لا يعرفه، في ظل تنامي الشعور بأن الفتاوى التي تصدر عن مؤسسات رسمية تبدو أكثر عقلانية بحكم أنها لا تستطيع التغريد خارج السرب خشية الدخول في صدام مع الحكومة.

يصنف رشدي على أنه الداعية الأزهري المشغول بأجساد النساء أكثر من بحثه عن تثقيف نفسه دينيا وفق متطلبات العصر. قد لا تكون هذه معضلة إذا استهدفت الفتوى الدفاع عن المرأة وكرامتها ووضعها الاجتماعي، لكنه اعتاد تحقيرها، والتعامل معها على أنها كائن خُلق لإمتاع الرجل.

إذا وقع حادث تحرش جنسي، تراه يُفتي بأن المرأة هي السبب لأن ملابسها شبه عارية، وهو نفس المنطق السلفي الذي يبرر الجريمة ويحرض عليها، وإذا حدثت واقعة اغتصاب، يصوّب أصابع الاتهام إلى الضحية باحثا عن أسباب واهية لإنصاف الجاني، مستخدما في ذلك قدرته على التلاعب بالألفاظ لتكريس المنهج الذكوري.

وصفه كثيرون بـ”إمام المتحرشين”، ومفتي المغتصبين، فلم يخرج مرة واحدة لإنصاف النساء ضحايا العنف اللفظي والجسدي، وبلغ الأمر حدّ التحريض على ارتكاب أفعال يُجرمها القانون المحلي والدولي، وتخص المرأة، على غرار الدعوة إلى ختان الإناث لخفض منسوب الشهوة عندهن، وتزويج القاصرات لضمان عدم لجوئهن إلى الرذيلة.

الأزهر الذي يتبرأ من آراء رشدي يتحمل المسؤولية دون غيره عن تقديمه للشارع كنموذج معاصر للداعية الشاب الذي يستطيع سحق العلمانيين وأعداء التراث
الأزهر الذي يتبرأ من آراء رشدي يتحمل المسؤولية دون غيره عن تقديمه للشارع كنموذج معاصر للداعية الشاب الذي يستطيع سحق العلمانيين وأعداء التراث

إذا سعى أحد العقلانيين إلى مناقشته بالحجة ليكشف ضحالة أفكاره، تراه يحتمي بنصوص دينية تجاوزها الزمن، مثل تزويج الفتاة وهي في سن التاسعة، بذريعة أن هذا الفعل لم يكن محرما في بداية نشر الإسلام، ما يعكس أنه ضحية من ضحايا المناهج الأزهرية العقيمة، والتراث الذي ترفض المؤسسة الدينية الاقتراب منه، ولو كان ينتهك الإنسانية ويدعو إلى ارتكاب العنف ضد الآخرين.

سعى الأزهر إلى اتهام منتقديه بالكذب والضلال لمجرد أنهم طالبوا بتنقيح مناهجه والابتعاد عن الحض على التطرف، ويعدّ رشدي مثالا حيا لمخاطر استمرار النهج الأزهري دون تطوير أو إصلاح، أو على الأقل يكون خطابه عصريا دون الاقتراب من الثوابت. يُنظر إليه على أنه صورة مصغّرة للتشدد الخفي داخل المؤسسات الدينية، ففي كثير من الأحيان يتحدث بلسانها ويروّج لنفس أفكارها، ويكفي أنه يرى أصحاب الفكر العلماني أساس “نشر الانحطاط والتحرر الأعمى وهدم أخلاقيات المجتمع ومحاربة الدين”، وهي نفس قناعات الكثير من العقليات السلفية.

عند البحث في خلفيات جمهوره تجد أغلبه من المتشددين، إلى درجة أنه عندما حاول إظهار الولاء للسلطة لتحصين نفسه من الاستهداف الأمني، ترحم على شهداء حادث سيناء الإرهابي الأخير، وتعرض لهجوم ضارٍ من أنصاره على منصات التواصل الاجتماعي، وهي ذات الشريحة التي رأت فيه القدوة والمثل الأعلى لمحاربة أعداء الدين، ولو كانوا من رجال الأمن.

الشخص والظاهرة

نفس الجمهور، وضعه في مكانة القديس، عندما كتب تدوينات ساخرة فُهمت على أنها موجهة ضد الجيش على موقع “تويتر” قبل أشهر، حيث وقع أكثر من حادث إرهابي على فترات متقاربة في سيناء، وحينها طالب كثيرون بمحاكمته، لكنه عاد للتلاعب بالكلمات ليوحي بأن حديثه كان عاما، ولم يقصد الجيش المصري تحديدا.

يرى متابعون لظاهرة رشدي، أن تطرفه أمر طبيعي في ظل نشأته داخل أسرة يسيطر عليه الفكر الإخواني، فوالده، حسبما نُشر ولم يخرج لنفي الكلام، هو محمد رشدي الذي كان من أشد المدافعين عن الإخوان، وتبنى حملات واسعة للترويج للجماعة إبان ثورة 25 يناير 2011 التي أزاحت نظام حسني مبارك، والتي كانت سببا في وصول الإخوان إلى الحكم.

رشدي يمارس هواية إصدار فتاوى تتخطى حدود التشدد، بالتحريض على انتهاك جسد المرأة، وإثارة الفتنة، وترهيب الأقباط وتبرير سبي النساء

لعب رشدي الابن على وتر الإخوان، فصار مع تيار والده في استخدام فكر الجماعة، وتقرب أيضا من النهج السلفي والمشاركة في الاجتماعات التي كان يُحاضر فيها حازم أبوإسماعيل القطب السلفي الذي ترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية عام 2012، حتى يضمن لنفسه مكانة مع كليهما.

ولأنه يجيد خداع الجمهور، تبرأ من الاثنين مع تصاعد الغضب المجتمعي ضدهما، وقال إنه منح صوته في انتخابات الرئاسة للفريق أحمد شفيق، آخر رؤساء الحكومة في عهد مبارك، حتى يرفع عن نفسه تهمة الإخواني أو السلفي، ويعيش في مأمن عن إدراجه مع الفصيلين الإسلاميين اللذين تكن لهما السلطة العداء المطلق.

بغض النظر عن ميوله، فخطابه الديني يتطابق حرفيا مع نهجهما، ويكفي أنه مع كل هجوم يتعرض له بسبب فتاواه المتشددة تتحول منابر الإعلام الإخواني التي تُبث من قطر وتركيا إلى منصات محامين للدفاع عنه، وتبرير أفكاره وتوجهاته، وتقديمه على أنه داعية شجاع ولا يهاب السلطة.

صمت المؤسسات

ما زال صمت المؤسسة الدينية على آرائه محل استنكار مجتمعي، وكأن هناك حالة من الرضا والقبول النسبي على ما يقوله ويروج له من أفكار تتناقض مع تحرك الحكومة لضبط المشهد الديني، وتجديده بشكل يناسب العصر، لقطع الطريق أمام الدعوة إلى التطرف وتكدير السلم العام من توظيف التراث لخدمة التيارات الإرهابية.

تصور الكثير من المتابعين لفتاوى رشدي، أن يقوم الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء بالرد عليه، وتفنيد ادعاءاته، قبل أن تكون مرجعية شرعية لضعاف النفوس والمتعاطفين مع المتطرفين، لكن جاء الرد بالتبرّؤ منه، ومنعه من الخطابة، فيما استمرت فتاواه مصدر إلهام لكثير ممّن يتعاملون مع الرجل على أنه داعية العصر.

حوادث التحرش الجنسي يُبرّرها رشدي بأن المرأة هي السبب فيها، لأن ملابسها شبه عارية، وهو نفس المنطق السلفي الذي يبرر الجريمة ويحرض عليها.
حوادث التحرش الجنسي يُبرّرها رشدي بأن المرأة هي السبب فيها، لأن ملابسها شبه عارية، وهو نفس المنطق السلفي الذي يبرر الجريمة ويحرض عليها

يجيد الترويج لنفسه، واستثمر مجموعة من الصور القديمة التي تجمعه بالإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر في جلسات خاصة، للإيحاء بأنه يحظى بدعم رأس المؤسسة الدينية، كي يجلب لنفسه حصانة خاصة تضفي مشروعية على فتاواه وتضمن تمريرها إلى جمهوره دون نقاش. عندما سُئل عن الأقباط، زعم أنهم “كفار ومن أهل النار”، لكنه لم يجرؤ على التحدث عن عناصر تنظيم داعش بنفس النبرة، وقال عن تكفيرهم “سفكهم للدماء لا يعني خروجهم عن الملّة طالما أنهم يوحدون الله، ولو جرى تكفيرهم سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام تكفير من لا يستحقون”.

ما زال دفاع رشدي عن إباحة سبي النساء تهمة تطارده طوال الوقت، ولاسيما عندما وصف هذا الفعل بأنه ليس اغتصابا، لكنه كان موجودا في العصور القديمة، وأفتى قائلا “إنه يجوز معاشرة السبايا من غير المسلمات في الحرب، لتلبية احتياجاتهن”.

وصفه معارضوه بأنه “مفتي داعش”، بعدما أظهر تعاطفه الفكري مع بعض تصرفاتهم، وكأنه يلتمس الأعذار ويعطي المبررات الكافية للتنظيم والتيارات التي تعمل تحت لوائه، بالتمادي في انتهاك أجساد النساء إذا اقتضت الضرورة، بل ومحاولة إقناع الناس بأن ذلك ليس من المحرمات.

لسان التطرّف

نجحت الحكومة في قصقصة الكثير من أجنحة السلفيين، غير أنها لأسباب غير معلومة، تركت رشدي متحدثا بلسانهم ومروجا لأفكارهم، حتى أصبح الأزهري الذي يخدم توجهاتهم التي لم يعد بإمكانهم توصيلها إلى الناس للتضييق المفروض عليهم.

لكن يتوقع كثيرون انتهاء ظاهرة رشدي قريبا بعد المصادقة البرلمانية على قانون الفتوى العامة، حيث يُعاقب كل من يُفتي بشكل غير رسمي بالسجن والغرامة المالية.

بوق ديني للنظام التركي وأتباعه
بوق ديني للنظام التركي وأتباعه

وتظل خطورة استمرار الأزهري الذي يصفه البعض بـ”إمام الطائفية”، في أنه لا يكف عن ضرب العلاقة بين المسلمين والأقباط وبث الفتنة بين الطرفين، فتراه يحرض على عدم إقامة علاقات إنسانية بينهما، لأن القبطي يكره أصحاب الديانات الأخرى لكنه لا يفصح عن ذلك علانية، بل يريد الانتقام منهم في أقرب فرصة.

وصف المسلم الذي يهنّئ المسيحي بأعياده، بأنه “كافر مثله”، لأنه يرتكب إثما يستحيل غفرانه، وهي قناعات سلفية – إخوانية. وما يثير الاستغراب، أنه مع إصراره على إثارة الفتنة لا يتعرض للمساءلة، أو تخرج آراء عقلانية تدحض آراءه. خلقت سلبية التعامل مع رشدي لدى الكثير من الأقباط حالة احتقان مكتومة، فالمؤسسة الدينية الرسمية تقف موقف المتفرج، وجهات حكومية ترفض إقحام نفسها في سجال ديني، ولا يلبث الأمر أن يتحول إلى معركة كلامية.

بلغت درجة جرأة التشدد التي أصيب بها أنه أفتى بأن جرّاح القلب العالمي مجدي يعقوب، صاحب الديانة المسيحية والتاريخ الحافل بالأعمال الإنسانية والخيرية، لن يدخل الجنة، لأن أفعاله في الدنيا لن تشفع له في الآخرة، وزاد على ذلك، بأن “كل المسيحيين محرومون من الجنة”. ما ينذر بقرب انتهاء ظاهرة رشدي الصوتية، أنه صار على نفس النهج الذي اتبعه دعاة الجيل الثالث، حيث تركزت استراتيجيتهم على جني الشهرة والمال، وإثارة الجدل والسير عكس اتجاه رغبات الأغلبية المعتدلة.

اللعب على وتر العثمانية

الفارق بين رشدي وسابقيه من دعاة الفتنة، أنه لم يرهق نفسه عناء البحث عن جمهور يبدأ معه من الصفر، حيث وجد شريحة مهيّأة لتقبل آرائه الجدلية بسبب الفراغ الذي تركته المؤسسات الرسمية وصراعها الظاهر على إقصاء المتطرفين من المشهد. إذا كان رُشدي يلعب على وتر العداء المطلق من جانب المتدينين بالفطرة مع العلمانيين لاستمرار شعبيته لأطول فترة ممكنة، فالشواهد السابقة تُثبت أن هذا المسار نهايته قصيرة، لأن الشخص المتلون من السهل افتضاح أمره وانفضاض أنصاره من حوله مع تكرار سقطاته، فليست لديه خبرة في صناعة شعبية أبدية من جمهور منصات التواصل الاجتماعي، وهو جمهور متقلب المزاج.

وما يوحي بأنه دخل مرحلة الصراع من أجل البقاء، لجوء رشدي إلى مغازلة أنصار الإخوان بتركيز خطابه على مزايا الحكم العثماني، والترحم على زمانهم، والتعبير صراحة عن انبهاره بدولتهم، في محاولة لتثبيت المتطرفين كقوة شعبية تُبقي على حضوره لأطول فترة ممكنة، ما عرّضه لهجوم من فئات كانت تعتبره قدوة دينية مستقلة الرأي، قبل أن يظهر على حقيقته ويتحوّل إلى بوق ديني للنظام التركي وأتباعه.

كثيرون يتوقعون انتهاء ظاهرة رشدي قريبا بعد المصادقة البرلمانية على قانون الفتوى العامة
كثيرون يتوقعون انتهاء ظاهرة رشدي قريبا بعد المصادقة البرلمانية على قانون الفتوى العامة

 

13