عبدالعزيز بوباكير: النخبة الجزائرية منقسمة بين معرب ومفرنس

الكاتب عبدالعزيز بوباكير يرى أن تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر مؤلم في علاقته بالغرب ومتناقض أيضا بفعل عوامل تاريخية عديدة.
الخميس 2020/06/18
أفضل تأليف كتاب على ترجمة كتاب

الكثير من المفكرين والكتاب حاولوا تحديد مفهوم للمثقف ووظائفه، لكن يبقى اللافت هو علاقة المثقف المزدوجة بين عالم الأدب والفنون والفكر، وعالم السياسة، حيث كثير من المثقفين يتحولون إلى جنود للسلطة متنكرين لشعوبهم. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المثقف الجزائري عبدالعزيز بوباكير حول مفهوم المثقف وتجربته مع الأدب والفكر والسياسة.

يحتل المثقف الجزائري عبدالعزيز بوباكير مكانة بارزة داخل الأوساط الثقافية بفضل حضور أطروحاته الفكرية الفاعلة والمتميزة في الحراك الثقافي والإعلامي الجزائري والعربي على السواء، فهو كاتب متعدد: صحافي، ومترجم، وأستاذ بمعهد علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، شغل العديد من المناصب وشارك وكرّم في العشرات من الملتقيات الوطنية والدولية في مجالات الأدب والإعلام والترجمة.

على امتداد مسيرته قدم بوباكير مؤلفات مهمة منها: “الأدب الجزائري في مرآة استشراقية”، “الجزائر في عيون الآخر” (في جزئين)، “صفحات منسية من ذاكرة الجزائر”، “19 جوان انقلاب أم تصحيح ثوري؟” (كتاب جماعي)، “الجزائر في الاستشراق الروسي”، “كارل ماركس في الجزائر”، “تداعيات في الفكر والأدب والسياسة” وغيرها.

كما ترجم عن الروسية “الأنتليجنسيا في بلدان المغرب: أفكار ونزعات فلاديمير ماكسيمنكو”، “جيش الثورة الجزائرية يوري كوندراتييف”، “النخبة الجزائرية في مطلع القرن العشرين نيكولاي دياكوف”، وترجم عن الفرنسية كتب “الليل الاستعماري”، “فرحات عباس”، وغيرها.

النخبة الهلامية

من المؤلفات المهمة
من المؤلفات المهمة

في حوارنا مع بوباكير انطلقنا مما يواجه الإعلام العربي من محن، ربما لم تمر عليه سابقا. أولها محنة كورونا والإغلاق العام، الذي يشكل العالم، وثانيا محنة الانقسام العربي ونزاعاته، وثالثا محنة وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التزييف ونشر الشائعات، حيث أكد أنها فعلا محن، وليست محنة واحدة، يقول “المحنة إذا عمّت خفت كما يقال. للأسف، كورونا أنقذ الأنظمة العربية الشمولية، وساعدها على المزيد من الإغلاق والتضييق على الحريات العامة والخاصة، عن طريق نشر الأخبار الكاذبة وتزييف الحقائق وشراء الذمم وسجن الصحافيين. وفي ظل غياب مجتمع مدني فعلي وفعال يصعب الحديث عن أي مواجهة وأيّ مخرج. لقد ضاقت الآفاق بما رحبت”.

ويرى بوباكير أن “تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر مؤلم في علاقته بالغرب ومتناقض أيضا. ما زلنا نحن، الجزائريين، بفعل عوامل تاريخية عديدة لم نحسم موقفنا من هذا الغرب: الغرب المثالي، كما يتصورونه، والغرب الحقيقي الجشع البشع المستغل. والنخبة عندنا منقسمة على نفسها بين معرب ومفرنس، حداثي وأصولي، بين من يعيش في القرن الأول الهجري ومن يتطلع إلى القرن الحادي والعشرين، إنها محنة حقيقية. وقد عذب سؤال هل نقبل الغرب ونذوب فيه أم نرفضه ونطرح بدائل؟ الوعي الجمعي والانتليجنسي الجزائري طيلة القرنين الماضيين. وفي كتاباتي حاولت رصد صورة الجزائر عند الآخر بكل ما تنطوي عليه من كليشيهات مشوّهة“.

وحول وضعه مذكرات الشاذلي بن جديد في كتاب من جزئين ورؤيته لفترة حكمه وموقعها في ما جرى في الجزائر بعده، يقول بوباكير “مذكرات الشاذلي هامة جدا من حيث تسليطها الضوء على مرحلة حرجة في التاريخ السياسي الجزائري ورصدها لمرحلة انتقالية من عهد الانغلاق البومديني إلى الانفتاح، صدر منها الجزء الأول الذي يتناول كفاح الرجل من أجل الاستقلال وحظي بإقبال منقطع النظير لدى القراء، والجزء الثاني ما زال مصادرا لأسباب أجهلها. أما عن الجزائر بعد الشاذلي فهي تعرف دينامية اجتماعية رهيبة ستثمر نتائجها عاجلا، وما يحدث في الجزائر هو أساسا ثورة في القيم لا مثيل لها، ستقود البلد إلى بر الأمان أو تلفظه خارج التاريخ. والجيل القديم من السياسيين يحتضر وهو في حشرجاته الأخيرة”.

كتاب يحلل سيكولوجية بوتفليقة
كتاب يحلل سيكولوجية بوتفليقة

وفي ما يتعلق بالعشرية السوداء ـ كما يطلق عليها ـ التي ألقت بظلال قوية على مختلف العلوم والفنون والآداب والسياسة.. نسأل بوباكير عما قام به الرئيس بوتفليقة دستوريا واجتماعيا وسياسيا، فيضيف “بوتفليقة كان وسيظل جملة معترضة في تاريخ الجزائر، أساء لتاريخ بلاده ولنفسه، والآن يجري في الجزائر تعليق كل المفاسد والانحرافات على مشجبه، ومسح الموس فيه. لقد أتيحت له فرصة ذهبية لدخول التاريخ من بابه الواسع، لكنه مثل كل الدكتاتوريين العرب خرج من النافذة الضيّقة. وقد حاولت أن أحلل في كتابي ‘بوتفليقة رجل القدر’ سيكولوجية الرجل، التي هي في الحقيقة سيكولوجية كل الحكام العرب بطبائعهم الاستبدادية ومصادرة الرأي الآخر”.

وفي مواجهة ملامح الاختلاف بين موقف المثقف من السلطة في فترة الشاذلي بن جديد والآن يقول “في البدء يجب طرح السؤال الأنطولوجي: هل هذا المثقف موجود؟ وإذا كان موجودا كيف كان دوره وموقفه من السلطات المتعاقبة على الحكم؟ أعتقد أن ما يسمى بالنخبة هي هيولى في شكلها الهلامي تبحث عن الانتفاع والمنفعة، والمثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي ما زال حلما إن لم أقل وهما من أوهام الخيال”.

تجربة مرهقة

يشير بوباكير إلى أن “الاستشراق الفرنسي رافق الظاهرة الاستعمارية بل مهد لها عن طريق المترجمين، وراكم عن الجزائر صورة مشوهة في غالبها. أما الاستشراق الروسي في تناوله لصورة الجزائر فقد امتاز بالموضوعية والدقة والشمولية، إذ لم تكن لروسيا أطماع إمبريالية في الجزائر. كما أن بينهما اختلاف في المنهج والرؤية”.

ويضيف أن موضوع الجزائر يشكل محورا هاما من محاور الدراسات العربية في روسيا والاتحاد السوفييتي سابقا، التي تؤلف بدورها جزءا من علم واسع ومعروف بعلم الاستشراق. واتضحت أكثر ملامح الجزائر في روسيا بظهور علم الاستعراب كاتجاه شامل يهدف إلى دراسة تاريخ البلدان والشعوب العربية وثقافتها واقتصادها. وهكذا درست القضايا الجزائرية ضمن القضايا العربية، وكجزء من التمغرب، أي ضمن الاهتمام العلمي بالمغرب العربي كوحدة متجانسة جغرافيا وحضاريا وتاريخيا، ثم استقلت في العقود الأخيرة كموضوع قائم بذاته، لهذا يحلو للمستشرقين الروس تسمية أنفسهم بـ”المتجزئرين”.

الجزائريون بفعل عوامل تاريخية عديدة لم يحسموا موقفهم من الغرب، الغرب المثالي كما يتصورونه، والغرب الحقيقي الجشع

وحول استجلاء كتابه “موريسكيّ في الجزائر” جانبا معتما أو مجهولا من حياة ماركس أثناء إقامته بالجزائر، يوضح بوباكير “أقام كارل ماركس في الجزائر 72 يوما للاستشفاء. وفترة إقامته بالجزائر لم يولها الباحثون العرب اهتماما كبيرا. خلف ماركس 16 رسالة من الجزائر لأهله وأصدقائه تمثل كنزا ثمينا لمعرفة نفسية هذا المفكر الفذ في السنوات الأخيرة من حياته، كما كتب ماركس ملاحظات دقيقة على كتاب العالم الروسي كافا لوفسكي حول ملكية الأراضي المشاعية في الجزائر وأسباب تفككها. وفي المقابل لم يحلل الظاهرة الاستعمارية في الجزائر كما فعل بالنسبة للاستعمار البريطاني في الهند. والسبب في رأيي هو مرضه، وعدم مجيئه إلى الجزائر لهذا الغرض”.

وكشف بوباكير عن اشتغالاته في المرحلة الراهنة لافتا إلى كتاب جديد بعنوان “في صالون الشاذلي” و”فيه عصارة تجربته مع الرئيس الأسبق، وكذلك عن النخبة الجزائرية في مطلع القرن العشرين. وأفكر في خوض غمار الرواية”.

يعمل بوباكير في الترجمة من الفرنسية والروسية وإليهما، يقول عن ذلك “الترجمة تمنحك الإحساس بالإطلال على حياة ثانية، ‘من يعرف لغتين يعش مرتين‘، واكتشاف الآخر وإبداعاته، لكنها مرهقة وغير مجزية. وأنا الآن أفضل تأليف كتاب على ترجمة كتاب”.

وأخيرا وحول اشتغاله بالصحافة والإعلام يؤكد “فعلا الصحافة مغامرة مثيرة، لكنها في الوطن العربي غير محمودة العواقب، حيث يمكن أن تتوج بأكاليل المجد، كما يمكن أن يُزج بك في السجن كأي مجرم، المهم عموما الصحافة مضرة بالإبداع على المدى البعيد، والمهم أن تغادرها في الوقت المناسب”.

15