عام من الثقافة في الخليج العربي بين النجاحات الأدبية وتعثر الفنون

عام ثقافي مر بكل تقلباته وفعالياته عربيا، منها ما حقق ما يصبو إليه ومنها ما تعثر تنظيميا أو في مستوى المادة الثقافية المقدمة وغيرها من الصعوبات التي حاولت أغلب الفعاليات تجاوزها من خلال التجديد شكلا ومضمونا. وفي السنوات الأخيرة لا يمكننا ونحن نتحدث عن عام ثقافي أن نغفل دور الخليج العربي الذي بات محورا ثقافيا عربيا وعالميا هاما، وتمثل الإطلالة على منجزاته الثقافية نافذة بإطلالات متعددة على الثقافة العربية. “العرب” توقفت مع مجموعة من المثقفين الخليجيين في محاولة لرصد المشهد الثقافي لعام 2018، من خلال رؤيتهم ومتابعاتهم ووعيهم الخاص للمشهد الثقافي.
يستمر المشهد الثقافي الخليجي في تمظهرات مختلفة، بين ما هو ثقافي رسمي وبين ما هو ثقافي أهلي، لكن هذا التنوّع لم يستطع أن يفرز ظاهرة يمكن أن تشكّل معالم مرحلة جديدة عمّا كان عليه المشهد في الأعوام السابقة. ورغم كثافة الإصدارات الأدبية والفعاليات الثقافية والفنية في الخليج غير أن المشهد الثقافي لا يزال يعيد تشكيل وصناعة نفسه عبر مسمّيات جديدة تحاول أن تحجز لها مكانا في المدرجات.
تنامي قصيدة النثر
يرى الناقد البحريني جعفر حسن أن التيارات المهيمنة على الشعر في الخليج استمرت تعمل في ذات الاتجاه بعامة، فمن حيث الشكل استمر العمود وكذلك قصيدة التفعيلة في اتجاهيهما العامي والفصيح، بينما استولت ما باتت تعرف بـ”اللهجة البيضاء” -حسب تعبير جعفر- على معظم الشعر العامي المكتوب على نمط قصيدة النبط، وظلت قصيدة العمود مرتبطة بأنماطها القديمة، من حيث رومانسيتها، أو بقائها في الأغراض الشعرية القديمة في المعظم.
يقول جعفر حسن متحدثا لـ”العرب” عن الشعرية في الخليج خلال 2018 “بينما تعمّقت تشكيلات قصيدة التفعيلة، وظلت تلعب إيقاعيا ضمن إطارين كبيرين، كان أحدهما تهيمن عليه القافية، وهي التي صارت تجرّ إلى عمود الشعر بشكل حثيث باعتبارها من نواتجه المتبقية التي تقفل بها قصيدة التفعيلة الصورة الجزئية، بينما ظل الإطار الآخر متحررا منها فاستمر يتمتع بحرية أكبر كما أتصور، بل لعلّي أشير إلى اقترابه من خلق أطر جديدة في قصيدة التفعيلة”.
ويضيف “يمكن أن نلحظ تناميا لتيار قصيدة النثر بشكل عام في الخليج العربي، وكذلك ظلت الاحتجاجات النقدية القديمة على قصيدة النثر قائمة، كما يمكن أن نرى ذات الحجج مطروحة ولازالت تطرح على قصيدة التفعيلة، ويبدو أن هناك تأثيرات قوية في قصيدة النثر، ناتجة عن انكسار الربيع العربي وتحولاته التي لازالت تلعب دورا في تعميق ذلك الاتجاه نحو القضايا اليومية الحسّية، ولعل ذلك الاتجاه يجر نحو استلاب الشعر”.
ويتابع “كما نما تيار في قصيدة النثر بات يشير ويعالج مسائل مثل الحرب والحرية وغيرهما، أي أنه ظل محتفظا بتلك القضايا الكبرى التي كان يتصور سابقا أنها بقت ضمن قصيدة التفعيلة، والتي ارتبطت بتلك اللحظات التاريخية التي كانت باعثة على عملية التغيير من النهوض العربي، وترافقت مع تلك الطموحات الكبرى التي بقيت ملتصقة بالجيل الأول لقصيدة التفعيلة في الخليج”.
تألق روائي
في بداية مداخلتها معنا تأسف الروائية السعودية أميرة المضحي على أن هذا العام أخذ عنوان رحيل الروائي العربي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل في سبتمبر الماضي بعد إصداره لروايته الأخيرة “صندوق أسود آخر”، فهو -كما تشير المضحي- كان الأب الروحي للرواية الكويتية وللروائيين الشباب في الخليج العربي.
وتقول المضحي “عطاءات إسماعيل فهد إسماعيل ونتاجه الأدبي كرساه قامة أدبية عربية هامة. كما سبقه رحيل الروائي السوري حنا مينة، وعدد من الفنانين الملتزمين؛ مديحة يسري وريم بنا وسحر طه، فهل هو عام الرحيل؟”.
وتؤكد المضحي أن المبدعين يتركون كتبا وأغنيات تبقى لأجيال وتصمد أمام الزمن، فالآداب والفنون الإنسانية لا خوف عليها إلا من الجهل والرجعية.
وتشير الروائية السعودية إلى مقبرة الكتب في الكويت المصاحبة لمعرض الكويت الدولي للكتاب هذا العام، والذي نفذها الفنان محمد شرف بعد أن قامت الرقابة الكويتية بمنع عدد غير مسبوق من الكتب الكلاسيكية والحديثة وصل إلى حوالي أربعة آلاف كتاب في حالة انغلاق وتقوقع مخيفة جدا، بينما يحدث العكس في السعودية، حيث كانت تعاني كثيرا من هذا التقوقع، ثم أدركت مكامن قوتها الناعمة، فالفعاليات الثقافية والموسيقية التي تنظمها الهيئة العامة للترفيه مستمرة -بينما الهيئة العامة للثقافة غائبة- والنشاط الثقافي التي تقوم به فروع جمعية الثقافة والفنون هو الأكثر بروزا رغم الإمكانيات المحدودة.
وتقول المضحي “اللحظة الثقافية في الخليج لافتة جدا، ففي الرواية وصلت رواية ‘النجدي’ للروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي ورواية ‘الحالة الحرجة للمدعو ك’ للروائي السعودي عزيز محمد إلى القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية (البوكر)، كما وصلت رواية ‘الوردة القاتلة’ لإبراهيم شحي و’غواصو الأحقاف’ لأمل الفاران للقائمة الطويلة إلى جائزة الشيخ زايد، وتم ترشيح الشاعر حسن صميلي والشاعرة الإماراتية بشرى عبدالله والروائي الكويتي سعود السنعوسي لفرع جائزة المؤلف الشاب، مما يزيد من وهج الحضور الخليجي على الساحة الثقافية. وفازت رواية ‘مسرى الغرانيق في مدن العقيق’ للروائية السعودية أميمة الخميس بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية. وهذا العام عادت برامج تلفزيونية ثقافية رصينة حفرت عميقا في الذاكرة الخليجية، وظهرت برامج جديدة منها ‘نلتقي مع بروين حبيب’، و’أبوظبي تترجم’ للدكتور سعد البازعي”.
جهود مسرحية فردية
يستعرض الكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك أهم الملامح للمسرح في دول الخليج العربي خلال 2018، حيث يرى أن علاقة المسرح بالجمهور لم تتغيّر، فلا يزال الجمهور الخليجي مدفوعا لحضور العروض المسرحية الكوميدية التجارية بغض النظر عن القيمة الفكرية لهذه العروض، فالجمهور هو وقود هذه العروض التي تواجه هجوما شرسا من قبل نقاد مسرح ومسرحيين يرون في هذه العروض إفسادا للذائقة.
ويقول الحايك “على الطرف الآخر للمسرح التجاري، لم يتمكن المسرح النوعي -الذي يبدو مشغولا بالحصول على بطاقة مشاركة في مهرجان داخليا كان أو خارجيا- من أن يقنع الجمهور الخليجي بالحضور والتفاعل، فهذا المسرح يبدو بعيدا عن هوى الجمهور وذائقته. لذا يمكن قياس ما قدمه المسرح الخليجي من المشاركات في المهرجانات، أو المهرجانات التي أقيمت هنا أو هناك.”
ويضيف مفصلا “في الإمارات، مازالت المهرجانات والفعاليات المسرحية متواصلة، منها مهرجان أيام الشارقة الذي مضت من عمره 28 دورة، ومهرجانات الأطفال ومسابقة التأليف المسرحي، بالإضافة إلى مهرجان المسرح العربي الذي تقيمه سنويا الهيئة العربية للمسرح كل عام في بلد عربي وكان أن حطّ رحاله في تونس، والإمارات هي الأنشط خليجيا على مستوى المهرجانات النوعية”.
ويضيف “وتظل الكويت الأكثر رسوخا في علاقة المسرح مع الجمهور مع وجود مهرجانات نوعية، مثل مهرجان الكويت المسرحي الذي يقام سنويا، والذي يفرز عن عدد من العروض التي تمثل الكويت في مهرجانات عربية. فالكويت حصدت جائزة أفضل عرض عربي في مهرجان الدن العربي الذي أقيم في سلطنة عمان لمسرح الكبار ومسرح الطفل أيضا. والكويت تبقى رائدة المسرح الخليجي خاصة مع الأجيال المسرحية التي تتعاقب وتعمل بنفس الشغف”.
أما في البحرين، فيرى الحايك أن هذا العام شهد عددا من العروض والمهرجانات، وتأسيس جمعية المسرحيين، وتبدو النقلة النوعية التي حدثت هي تحول مهرجان الصواري إلى مهرجان دولي بمشاركة عروض من روسيا وجورجيا وألمانيا، بالإضافة إلى ورش مسرحية لمدربين من سويسرا وأميركا.
أما في سلطنة عمان فالمسرح يبدو في حراك متواصل، على مستوى الكليات والجامعات والأندية الشبابية والفرق، حيث أقامت فرقة الدن مهرجانها العربي الذي أثبت علو كعب المسرح العماني الذي يشارك في مهرجانات ويتفوق.
وفي السعودية، لم يتغير الأمر كثيرا، كما يقول الحايك، فمازالت الجهود الفردية هي المحرّكة وهي التي تنبض، بينما عيون المسرحيين على وعود بالتغيير بعد تأسيس وزارة الثقافة والبرنامج الثقافي الذي أطلقته إدارة جمعية الثقافة والفنون ووعدت بدعم شامل لكل الفنون، ولكن لوحظ غياب العروض النوعية بسبب حالة التقشّف التي يمر بها المسرح في السعودية. واقتصرت الفعاليات على بعض الملتقيات المسرحية والعروض التجارية الكوميدية.
أما في قطر، فيعاني المسرحيون هناك من غياب الدعم وتأثيرات الحالة السياسية، فلم يكن هناك حضور مسرحي قطري هذا العام على مستوى المهرجانات.
سينما تحبو
رغم حضور الرواية الخليجية على المستوى العربي واستطاعتها حجز مقعدها الخاص في الصفوف الأوّلية للسرد العربي، بالإضافة إلى فوزها بأهم الجوائز، غير أنه بالمقابل لم تتمكن الأفلام السينمائية الخليجية من أن تحقق نفس الحظوة والحضور. فمازالت هناك أزمة للوعي وللنص ولقدرة التقنية الهائلة على تحويل نفسها إلى قيمة معرفية قادرة على ترجمة الواقع بلغة الكاميرا.
وفي هذا الشأن يرى المخرج السينمائي السعودي محمد سلمان أن المشهد السينمائي الخليجي مازال يحبو رغم نجاحات بعض الأفلام هنا وهناك ما بين أفلام طويلة وقصيرة، إلا أن المشهد السينمائي لم يصل إلى الحد الذي يمكن للسينمائيين أن يقولوا عنه إن لديهم سينما خليجية أو سينما سعودية. ويعني سلمان بذلك الحراك السينمائي الذي يبدأ من الوعي منتهيا بشباك التذاكر.
ويقول “بما أننا في شهر ديسمبر يجب أن نعلن الحداد كسينمائيين على توقف مهرجان دبي السينمائي الدولي؛ إحدى أهم بوابات السينما الخليجية للعالمية. فما حققه المهرجان في أن يكون أحد أهم مهرجانات العالم بعد أربع عشرة دورة له يعدّ إنجازا تسعى كل مهرجانات العالم إلى تحقيقه. ومع توقفه تتوقف إحدى أهم القوى الدافعة لعجلة صناعة السينما الخليجية والترويج لها، حيث أن الأفلام الفائزة بالمهرجان العربي تتأهل لقوائم الأوسكار”.
ويضيف “حاليا، ستساهم دور العرض السينمائي بالسعودية في دفع صناعة الأفلام، وأعتقد أنه بعد 5 سنوات من الآن سوف تكون هناك أفلام سعودية وخليجية تتنافس على شباك التذاكر بعد انتشار دور العرض في كل أنحاء المملكة. لكن هذا كله لا يصنع سينما خليجية، ولا يصنع سينما سعودية. فبكل بساطة يستطيع أي منتج يمتلك رأس المال أن ينتج فيلما، ويحقق ربحا. ويمكن هنا سوْق عدة نماذج لأفلام خليجية حققت ذلك إلا أن مستواها الفني كان ضعيفا. فشباك التذاكر لا يصنع سينما إلا أنه يحرك عجلة الإنتاج، ويفتح شهية المستثمر في سوق السينما”.
ويتابع “مضت على صناعة السينما مئة عام ومازالت تتطور بشكل مخيف جدا. فإذا كانت السينما هي تلك التي حققت أرباحا على شباك التذاكر، فمن الأفضل الاتجاه نحو منصات العرض الجديدة عبر الإنترنت ودخول منافسة الاستثمار الربح والخسارة”.
ويختتم حديثه بالقول “صناعة السينما تنطلق من الوعي بماهية السينما للصناع والمشاهد وإيمان صانع الفيلم بالسينما كشكل فني نستطيع من خلاله كسر حاجز العزلة البصرية والصورة النمطية التي يعرفها العالم عنا. وحتى تفاصيلنا الخاصة فنحن لا نعرف تفاصيلنا الحقيقة، كل هذا لا يتحقق إلا من خلال حكايا يسردها مشهد سينمائي بأي شكل ونوع كان”.