عالم بلا حدود: أريج رجب وتشكيل بحريني

يحفل المشهد التشكيلي البحريني بتجارب مهمة بعضها شق طريقه للمتلقي المحلي والعربي والعالمي منذ وقت مبكر، والبعض الآخر يسعى على الدوام لابتكار مناطق جديدة في العمل الفني للوصول من خلاله لذائقة المتلقي البحريني العالية. هذه المحاولات المستمرة من الجيل التشكيلي الجديد جعل الساحة الثقافية الفنية في حالة تجريب واشتغال مستمر. التشكيلية أريج رجب واحدة من الفنانات اللواتي يمتلكن أدواتهن الخاصة المتطوّرة في كل تجربة تقدمها سواء كانت شخصية أو جماعية.
الأحد 2017/11/19
طبيعة شفافة

افتتح مؤخراً في مركز الفنون بالمنامة المعرض الشخصي “limitless” للفنانة التشكيلية البحرينية أريج رجب، ويأتي هذا المعرض بعد العديد من التجارب المحلية والدولية التي قدّمتها رجب في غضون مسيرتها الفنية المتراكمة باشتغالاتها المختلفة ابتداءً من 2010 في معرضها الشخصي الأول “الأزهار” مروراً بعدة تجارب شخصية وجماعية حتى معرضها الحالي الذي يستمر إلى الـ30 من نوفمبر الجاري.

تقف رجب من خلال سبعة عشر عملاً مكوّنا من مكس ميديا على ورق الكانفاس مختلف الأحجام لتقّدم تجربتها محمّلة بقلقها الوجودي المتعلّق بالكون وتشكّلاته اللامحدودة لتضع للمتلقي سؤالها الفني المشغول بالمنطقة الواقعة بين الحقيقة والوهم. فهي لا تحدد معالم الجسد، ولا تغيّبه بالكامل، بل تقف في منطقة وسطى بين التّلاشي والوضوح. الأمر الذي يجعل من الأعمال الفنية في عوالمها حالة من حالات السؤال الإنساني حيال الكون الواسع الممكن تأطيره ببرواز محدود المساحة والألوان، لكنه من غير الممكن حصر دلالاته ومعانيه في داخله.

هذه المعادلة الصعبة بين الحقيقي والوهمي وبين الوجود والعدم جعلت الفنانين في تأمل دائم إزاء أعمالهم، ومن هنا ترى رجب في المساحات اللونية الضيقة اتساعاً لا محدوداً، وفي الأشكال آفاقاً غير متناهية، وفي المادة الصلبة حالة تلاشٍ وميعانٍ وتداخل لا يمكن الثبات معها على حقيقتها، فالأشياء لديها ما هي إلا أشياء أخرى، وما نراه بأعيننا ليس بالضرورة هو الحقيقة المطلقة، بل ربما يكون شيئاً آخر متى ما تأملنا واقتربنا أو ابتعدنا عن نواة تشكّله.

أريج رجب: هنالك استمرارية وتواصل لكل شيء من حولنا، سواء كان حياً أو غير ذلك، فكل جسم هو امتداد لجسم آخر

تنطلق رجب في تجربتها على وجه الخصوص من فكرة أن الحدود وهم وضعه عقلنا التجريبي بتعبير ديفيد هيوم، لهذا فهي توزّع من خلال ذلك الكتل اللونية في إطار بصري مقنع، يستطيع أن يفتح شهية الأسئلة والتأويل بلا توقف، وربما هذا الشعور الاستبصاري بروحانية المشهد التشكيلي لديها جعلها تختار عنوان معرضها “اللامحدود”، مراهنةً على قدرة اللون ودلالته في التشكّل وفق أيّ تصور، ومع أيّ معنى من الممكن خلقه والاشتغال عليه.

تقول رجب عن “limitless”، “أعتقد أننا نعيش في عالم لا محدود، لا شيء ينتهي حيث نظن ونعتقد، فذلك يعكس مجرد محدودية مدّ البصر والعين المجردة، ذلك مجرد وهم فحسب. هنالك استمرارية وتواصل لكل شيء من حولنا، سواء كان حياً أو غير ذلك، فكل جسم هو امتداد لجسم آخر. كما أعتقد أنه لا يوجد شيء اسمه ‘صلب’، فكل عنصر من حولنا ليس سوى تركيبة متحركة انسيابية سائلة ومبهمة تتكون من خطوط جميلة، ضربات وخفقات سحرية، لطخات ذكية تميل نحو الخفوت والتلاشي كلّما ابتعدت شيئاً فشيئاً عن النواة، والتي بدورها تتكوّن من نفس العناصر، فقط بتركيز وكثافة أعلى. هذه رؤيتي بكل بساطة”.

وفي هذا الصدد يرى الشاعر البحريني أحمد العجمي أن “معرض ‘limitless’ مقسم أسلوبياً إلى نوعين الأول اللوحات التي تظهر المكان كأثر للإنسان، والثاني اللوحات التي تكتفي بكونها خلفية لذاتها وليس لشيء آخر. ومع أن تأثر أريج بأعمال سابقة في الأسلوبين وخاصة بالفنانين الإيرانيين في الأسلوب الثاني. ولكن مع هذه الملاحظة أجد أن أعمالها في هذا المعرض تحقق إشباعين للعين وللمخيلة؛ فإشباع العين يتأتى من خلال اللون والجغرافيا في الأسلوب الأول حيث المساكن المتراكمة والملونة والمطلة على المياه ( الساحل). وفي الأسلوب الثاني اللون وحركة الطقس في الفراغ حيث أثر العواصف.

وأما المخيلة فإنها لا تأخذك إلى الماضي فقط في استرجاع ما قد رأيته من تجمعات سكانية مماثلة، وإنما في تخيل الإنسان المسكوت عنه، الإنسان الذي شيدها ويسكنها. وفي الأسلوب الثاني تفرض عليك دوامات اللون والحركة تخيل الزمن في نقاطه دائريا، فالحركة هي بداية أو نهاية لحدث ما، ويمكن قراءة ذلك أو تأمله. اللون والحركة في اللوحات قويان بجماليهما. وبخصوص التكرار قد يكون تكرارا أسلوبيا لكن التطور أو المغايرة لا تحدثان على شكل طفرة، أو تشغلان المساحة الأكبر، وإنما قد تكمن في انزياحات طفيفة”.

من وجهة نظر أخرى تساءل الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض عمّا هو الجديد الذي قدمته أريج في هذا المعرض عن معرضها السابق في 2012، حيث كان معرضها السابق مشتركاً ما بين النص واللوحة وكان مغايراً في حينها، إذ استفادت الفنانة من قصائد نثرية رافقت الأعمال، فكان الاختلاف.

ويؤكد العريض على أن الفنان يجب أن يقدم نجاحاته على أكثر من صعيد، ولا يتمسك بثيمة واحدة لا يخرج منها، كي لا تسقطه في فخ التكرار، لذا فأريج حسب رأيه نجحت في التدرجات اللونية داخل بعض الأعمال، ولم تجلب الدهشة في بقية الأعمال المكررة.

يقول العريض للعرب “في هذه المجموعة لا يوجد سوى القليل الجديد والبقية شبه حالة استنساخ لمزيد من الأعمال التي لم تخرج من ثوبها السابق. وملاحظاتي بأن هناك عدم تجانس في الأعمال المقدمة ومن الممكن اختصاره في عدد من اللوحات التي تجعل الفنانة تندمج مع الفنانين الآخرين في عمل مشترك، وليس السعي لإقامة تجربة نستطيع القول إنها غير ناضجة ربما، حيث اشتغلت أريج على التجريد منذ بداياتها الفنية ولديها تميز في بعض الأعمال التي لو لم تتكرر لكانت أكثر تميزاً، بينما التكرار في الأعمال يجعلك أمام لوحة هشة فكرياً، متماسكة في العمق اللوني مما جعلها أقرب إلى مدارس فنية مختلفة ما بين المدرسة الفارسية والتراجيديات الأوروبية”.

شاعر وكاتب من السعودية

14