ظاهرة الدخلاء على مهنة المأذون تعمق أزمة الزواج في مصر

نقيب المأذونين لـ"العرب": الحكومة مطالبة بأن تتعامل مع الأزمة كقضية أمن اجتماعي.
الخميس 2024/05/30
أغلب الزيجات العرفية وراءها مأذونون مزيفون

دعا نقيب المأذونين الحكومة المصرية إلى العمل بجدّ على معالجة ملف المأذونين المزيفين، مشيرا إلى أن المرأة هي الضحية الأكبر فقد تتزوج وتُنجب وعندما تقرر الانفصال تكتشف أنها لم تتزوج رسميا، وتتم مساومتها بتوثيق الزواج مقابل إثبات النسب أو التنازل عن حقوقها. كما يُتّهم المأذونون المزيفون بأنهم الحلقة الأهم في دائرة زواج القاصرات ما أدى إلى استمرار الظاهرة بلا علاج.

القاهرة - سلط اكتشاف انتحال شاب مصري صفة مأذون شرعي وإبرام العديد من عقود الزواج وحالات الطلاق الضوء على ظاهرة المأذونين المزيّفين، بما يعمق أزمات الزواج ويهدد استقرار الحياة الأسرية، في ظل ضعف الرقابة على المنخرطين في تلك المهنة، ما سمح بدخلاء وجدوا فيها فرصة لتحقيق شهرة ومكاسب مالية.

وأعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على مأذون مزيف في محافظة الإسكندرية، شمال القاهرة، بعد أن شكا مواطنون من تعرضهم لخديعة في إجراءات الزواج والطلاق، على يد منتحل صفة مأذون، وهي أزمة تتكرر في مناطق مصرية مختلفة على فترات من دون أن يكون هناك حل جذري لها.

وأثارت الواقعة حالة غضب بين سكان محافظة الإسكندرية، لأنهم لا يعرفون بالضبط مصير الزيجات التي أبرمها المأذون المزيف، وكيف انتهت إجراءات الطلاق، وبينهم من شكا من أنه اكتشف بعد فترة طويلة من الزواج بالمصادفة عدم تسجيله كمتزوج أو مطلق في سجلات وقاعدة البيانات الحكومية، وهو من صميم عمل المأذون.

وقدم عدد من أعضاء البرلمان عشرات الوثائق التي تثبت وجود زيجات مزيفة يتم اكتشافها صدفة بعد فترة من الزواج، ولا يعرف أصحابها ماذا يفعلون، خاصة أن أسرتي الشاب والفتاة تكتفيان بالحصول على العقود من المأذون دون تأكد من توثيقها وإثباتها رسميا، ما يعني أن أزمة المأذون المزيف لم تعد حالات فردية.

وجرت مؤخرا محاكمة معلم انتحل أيضا صفة مأذون شرعي في محافظة الفيوم، جنوب غرب القاهرة، بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية والمؤسسات المعنية بشؤون الطفل والمرأة قيامه بتزويج مئتي فتاة قاصرة، وأنجبن أطفالا بأوراق زواج مزورة، ما يؤثر سلبا على مستقبل الأسرة، والمرأة تحديدا لأنها قد لا تستطيع إثبات زواجها.

إسلام عامر: الأسر مطالبة أكثر من غيرها باكتشاف المأذون المزيف وذلك بالاطلاع على هويته الشخصية
إسلام عامر: الأسر مطالبة أكثر من غيرها باكتشاف المأذون المزيف وذلك بالاطلاع على هويته الشخصية

وينتشر أشخاص ينتحلون صفة مأذون شرعي في أوساط شعبية وعلى أطراف المدن والمناطق النائية، في غياب الرقابة الصارمة على تلك المهنة، وبحث بعض المواطنين عن مأذون لا يتشدد في الحصول على مستحقات مالية، ولا يطلب ما يثبت وصول الفتاة إلى السن القانونية، ويلجأون إليه لإضفاء شرعية متخيلة على الزواج.

واتهمت دوائر حكومية ومؤسسات حقوقية بعض المأذونين بأنهم الحلقة الأهم في دائرة زواج القاصرات ما أدى إلى استمرار الظاهرة بلا علاج، حيث يتساهلون في زواج الفتاة القاصر بناء على اتفاق مسبق بين أسرتي الفتاة والشاب، ويتم تأخير توثيق الزواج في السجلات الرسمية إلى حين بلوغ الفتاة سن الثامنة عشرة (سن الزواج الرسمي)، كأنها حديثة الزواج، ولو أنجبت أطفالا.

يقود ذلك إلى أن الأزمات التي يتركها منتحلو صفة المأذون أكبر من كونها مرتبطة بتزوير العقود، حيث تساهم في الزواج المبكر الذي تكافح الحكومة للقضاء عليه، وكوارث أسرية أخرى تتعلق بتحول الزواج أحيانا من رسمي موثق إلى عرفي من دون أوراق ثبوتية، ما يجعل المرأة متزوجة أمام الناس، وعزباء في نظر الدولة.

وكشفت واقعة المأذون المزيف في محافظة الإسكندرية الآثار السلبية للدخلاء على المهنة، وفرضت المزيد من اليقظة، إذ تبين أن الرجل يمتلك أدوات رسمية حصل عليها بطرق غير مشروعة، ويقوم بعقد القِران بقسيمة مختومة بخاتم رسمي، ويأخذ مصاريف التوثيق دون تسجيل الزواج أو الطلاق في المؤسسات المعنية.

وأكدت نقابة المأذونين أن الزواج على يد مأذون منتحل صفة، صحيح من الناحية الشرعية لأن شروطه مستوفاة من ناحية الإشهار، لكن المشكلة في عدم توثيق العقد وعدم قدرة الزوجين على إثبات حقوقهما المدنية والشرعية ومن ثم النسب، ردا على مخاوف الكثير ممن تزوجوا على أيدي منتحلي الصفة واكتشفوا ذلك مؤخرا.

ويرى متابعون للأزمة أن المشكلة الأكبر صارت مرتبطة بغياب الوعي الأسري وعدم اكتشاف المأذون المزيف من الحقيقي، مع أن وزارة العدل اتخذت إجراءات صارمة لتأمين وثيقة الزواج والطلاق بمواصفات خاصة مصحوبة بعلامات مائية وأرقام كودية بشكل يمنع التلاعب فيها أو تقليدها أو التعديل عليها، لكن بعض المواطنين لا يسألون عن التوثيق بمجرد امتلاكهم قسيمة الزواج.

وأكد نقيب المأذونين في مصر إسلام عامر لـ”العرب” أن الأسر مطالبة أكثر من غيرها باكتشاف المأذون المزيف، وذلك بالاطلاع على هويته الشخصية، وبعد أيام قليلة سيتم الإعلان رسميا عن المأذونين الشرعيين على مستوى الجمهورية بأرقام الهواتف الخاصة بهم وعناوين إقامتهم، لأن المزيفين ينتشرون في كل منطقة بمصر، ما يشكل خطورة كبيرة على العلاقات الأسرية حاليا ومستقبلا.

◙ عدد من أعضاء البرلمان قدموا العشرات من الوثائق التي تثبت وجود زيجات مزيفة يتم اكتشافها صدفة بعد فترة من الزواج

وقال “محافظة القاهرة وحدها فيها ما لا يقل عن ألف مأذون مزيف، ويمكن بسهولة اكتشاف الظاهرة من خلال الإعلانات الموجودة داخل محطات مترو الأنفاق وعلى الجدران في بعض الشوارع، بالتالي لا بد من تحرك صارم من جانب وزارة العدل، لأن المخاطر كبيرة، وقد تفضي إلى اختلاط في الأنساب”.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية والأسرية بالقاهرة أن المرأة هي الضحية الأكبر مع انتشار المأذونين المزيفين، فقد تتزوج وتُنجب وعندما تقرر الانفصال تكتشف أنها لم تتزوج رسميا، وتتم مساومتها بتوثيق الزواج مقابل إثبات النسب أو التنازل عن حقوقها أو أن تُطلق عند مأذون مزيف وتتزوج مرة ثانية دون توثيق الطلاق أولا، وهنا تُتهم بالجمع بين زوجين.

وأشار نقيب المأذونين لـ”العرب” إلى وجود حالات زواج عن طريق مأذون مزيف، وتنجب الأم ثم يهرب الزوج فلا تستطيع إثبات النسب. “وثمة حالة لزوجة اكتشفت زواجها على يد منتحل صفة وهرب زوجها بعد أن أنجبت واضطرت إلى كتابة ابنها باسم والدها، فأصبح ابنها شقيقها، والأكثر خطورة أن المأذون المزيف يسهل مهمة زواج القاصرات والأعمال المنافية للآداب ويرفع نسب الطلاق في المجتمع، ومطلوب من الحكومة أن تتعامل مع الملف بجدية كبيرة، لأنه يمس الأمن القومي الاجتماعي”.

وجزء أساسي من المشكلة يرتبط بأن المأذون المزيف يعمل أحيانا تحت غطاء مأذون شرعي، ولولا ذلك لما استطاع الحصول على دفاتر رسمية وأختام موثقة والترويج لنفسه بين الأسر على أنه شرعي، وقد يكون منتحل الصفة معروفا بين الناس بالثقة والمصداقية، كأن يكون من شيوخ المساجد في المنطقة، حيث يتعامل معه البعض على أنه يضفي على الزواج طابعا إسلاميا.

وفي مصر تظل أزمة البرلمان والحكومة كامنة في أنهما لا يتعاملان مع ملف المأذونين المزيفين بالجدية الواجبة، على الرغم من المخاطر الأسرية الكبيرة التي تحدث من وراء منتحلي الصفة، ما يفرض التحرك سريعا ووضع إجراءات أكثر صرامة للحفاظ على بعض الكيانات الأسرية من الانهيار، عندما يُكتشف التزوير بعد فوات الأوان.

15