طرح تقرير المصير في شرق السودان ينغص الاحتفال بالسلام

رفض واسع لمسار الشرق في جوبا يقود إلى خلافات سياسية ويزيد توترات الإقليم.
الجمعة 2020/10/02
الشرق بين الاندماج والانفصال

يترقب السودانيون السبت التوقيع على اتفاق نهائي للسلام بين الجبهة الثورية والحكومة على أمل أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها الاستقرار، إلا أن العديد من المنغصات لا تزال تلقي بظلالها لاسيما في شرق البلاد حيث يرفض جزء مهم منه رؤية الحكومة للسلام.

الخرطوم – أعلنت دولة جنوب السودان اكتمال كافة التجهيزات للتوقيع على اتفاق نهائي للسلام بين الجبهة الثورية وتضم في عضويتها حركات مسلحة وتنظيمات سياسية، وبين السلطة الانتقالية السبت في جوبا.

وقال رئيس لجنة الوساطة توت قلواك، في مؤتمر صحافي الخميس إن التوقيع النهائي سيحضره رؤساء دول وحكومات في الإقليم، والعالم العربي، وممثلون عن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وستوقع الأطراف على ستة برتوكولات لإنهاء الصراع في السودان.

ورغم الأجواء الإيجابية التي يفرضها الاتفاق والانتقال من مرحلة الحرب إلى السلام، إلا أن طرح المجلس الأعلى لنظارات البجا استخدام حق تقرير المصير في شرق السودان ينغص عملية السلام برمتها، في ظل الرفض المتصاعد لمسار الشرق الذي وقعت عليه الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة مع الحكومة الانتقالية.

تخشى دوائر سياسية عديدة من استمرار حالة الفوضى والاشتباكات المتقطعة التي تندلع بين قبائل شرق السودان عقب التوقيع على السلام، في ظل التناحر بين مكونات قبلية على السلطة وعدم الاعتراف بما حققه مسار الشرق من مكاسب للإقليم، بما قد يؤدي إلى التهديد بانفصال جزء آخر من السودان، يشكل أهمية اقتصادية واستراتيجية باعتباره المنطقة الوحيدة المطلة على سواحل البحر الأحمر.

واختتم المجلس الأعلى لنظارات البجا الثلاثاء مؤتمر السلام والتنمية والعدالة في مدينة سنكات التابعة لولاية البحر الأحمر، وحضره نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعبرت توصيات المؤتمر عن وجود رغبة في وضع نواة يمكن البناء عليها حال جرى التوافق على استخدام حق تقرير المصير.

حسام الدين حيدر: مسار التفاوض الخاص بشرق السودان، يمثل وجهة نظر واحدة
حسام الدين حيدر: مسار التفاوض الخاص بشرق السودان، يمثل وجهة نظر واحدة

وقرر المشاركون في المؤتمر إيقاف نشاط التعدين بشرق السودان إلى حين مراجعة عقود الامتياز، ووقف التخصيص والمخططات السكنية والزراعية بشرق السودان، وهو ما يضع السلطة الانتقالية في مواجهة مفتوحة مع تلك المكونات إذا لم تتمكن الإدارات المحلية من أداء دورها في احتواء الأزمة.

ووجه حميدتي رسالة حاسمة على هامش مشاركته في المؤتمر، أكد فيها أن شرق السودان بمثابة خط أحمر لن يكون مسموحا بالاقتراب منه، وقضايا ولاياته الثلاث ستحل قريبا، وسيقف مع أهل الشرق لإزالة التهميش وجمع الصف.

واتهمت قوى ثورية سودانية مجلس نظارات البجا الذي يرأسه محمد الأمين ترك، بتنفيذ أجندات نظام البشير المنهار في أقاليم الهامش، وتستهدف بالأساس تقويض اتفاق السلام وإفراغه من مضمونه بما يخلق حالة من الإحباط لدى المواطنين في تلك المناطق.

تتأثر الكثير من الفئات داخل الإقليم بخطابات العشيرة، وتنحاز إلى مطالب شيوخ القبائل ونظارها، وتعاني من أوضاع بالغة الصعوبة جراء إهمال السلطة المركزية في الخرطوم لمطالبها التنموية طيلة العقود الماضية، ما يسهل توظيفها سياسيا.

ويرى مراقبون أن جوهر الصراع في الشرق يقوم بين قوى تابعة للثورة وأخرى محسوبة على النظام البائد، ومع الغوص في تفاصيل تلك الصراعات تظهر بأنها خلافات قبلية بين مكونات متناحرة، ما يرجح أن تصبح المنطقة حلبة للصراع الجديد في السودان، بما تشكله من طبيعة رخوة يجد فيها فلول النظام السابق فرصة مناسبة لمناكفة الحكومة بفعل الصلات القديمة بينها وبين القبائل الفاعلة بالمنطقة.

واعتبر الباحث المتخصص في قضايا شرق السودان عبدالقادر باكاش، نتائج مؤتمر الشرق تؤسس لمرحلة سياسية جديدة في الإقليم، لأن القوى الحزبية الضعيفة التي ربطت نفسها بمسار الثورة ليست لديها شعبية على الأرض، فيما منحت السلطة الانتقالية ممثلة في نائب رئيس المجلس السيادي (حميدتي) اعترافا بقوة مجلس نظارات البجا، الذي استطاع أن يحشد الآلاف من المواطنين للمؤتمر.

وأضاف لـ”العرب” أن استمرار الحكومة في فرض رؤيتها على أبناء شرق السودان يُعجل بخطوات الانفصال، إذا أصرت على بقاء والي كسلا في منصبه، وحال ممارستها المزيد من الضغوط على أبناء الإقليم للقبول بمسار الشرق في مباحثات السلام، وما لم تكن هناك رؤية للتنوع القبلي والسياسي فحق تقرير المصير سيكون واقعا على الأرض.

مصير مخيف
مصير مخيف

وأشار باكاش، ويعد أحد النشطاء البارزين في الإقليم، إلى أن المناوشات القبلية في شرق السودان سببها الرئيسي اختلاف القوميات التي استوطنت في ولايات الإقليم بعد ظهور أجيال جديدة من قبائل النوبة والبني عامر والهدندوة، بدأت تساورها طموحات الحكم في الإقليم لفعاليتها الاقتصادية.

ويرى البعض من أبناء الإقليم أن هناك فرصة لاحتواء الخلافات الحالية، لأن الكثير من المجموعات التي تورطت في أحداث عنف لا تملك تأثيرا قويا، والروابط الاجتماعية والعادات والتقاليد في تلك المنطقة تسمح بأن يكون هناك تعايش سلمي بين المكونات، غير أن ذلك قد يزيد من فرص التوافق حول استخدام حق تقرير المصير.

ويشهد شرق السودان احتكاكات قبلية متفرقة، كان أكثرها سخونة في مايو الماضي، عندما قتل وأصيب العشرات من المواطنين، وتجددت الاشتباكات بين قبيلتي البني عامر والنوبة في مدينة حلفا بولاية كسلا، عقب تسمية صالح عمار عضو تحالف قوى الحرية والتغيير واليا على كسلا، مطلع أغسطس.

ويعاني الإقليم من إشكاليات عديدة في بنيته السياسية والقبلية، ويغلب الانقسام على جميع المكونات الفاعلة داخله، بدءا من انقسام فصائل مؤتمر البجا المعارض ومرورا بالنزاع على قيادة الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، بين رئيسها الأمين داود من جهة، ونائبه خالد محمد إدريس الذي وقّع على اتفاق السلام بمسار الشرق من جهة أخرى، إلى جانب انقسام أحزاب التواصل التي لديها نفوذ مشهود داخل الإقليم.

وأكد عضو تنسيقية لجان المقاومة بشرق السودان حسام الدين حيدر أن المشكلة الحقيقية في شرق السودان تتمثل في رفض جميع السياسيين والمثقفين وقوى الثورة والقبائل لمسار التفاوض الخاص بشرق السودان، لأنه يمثل وجهة نظر واحدة، كما أن الجبهة الشعبية المتحدة ليس لديها دور سياسي بارز في الإقليم واعتمدت على الجانب القبلي بشكل كبير.

وأشار لـ”العرب” إلى أن التلويح بتقرير المصير في الوقت الحالي بحضور حميدتي استهدف ممارسة ضغوط سياسية على الخرطوم لعدم الاعتداد بمسار الشرق.

ومن المتوقع أن تنشط المباحثات السياسية بين الموقعين على الاتفاق وبين مكونات الشرق بإشراف حكومي، لكن فشلها يقود الإقليم إلى حالة احتراب أهلي سوف يقوض الأمل في تحقيق الاستقرار في ربوع السودان.

ولفت حيدر إلى أن الخلافات الحالية التي تغلب عليها النزعة القبلية تهدد الاتفاق على موعد نهائي لمؤتمر شامل يناقش قضايا الشرق، بعد أن جرى التوافق على عقده بشكل مبدئي في يناير المقبل.

يتفق العديد من السياسيين في شرق السودان على أن سقوط نظام البشير أثر سلبا على نفوذ شيوخ القبائل في مناطق تواجدهم، ما دفعهم إلى البحث عن تحقيق مصالح جديدة تعوضهم عن فقدان ذلك، فهم يبحثون عن كيفية الحفاظ على الامتيازات التي تحققت سابقا من خلال نسج تحالفات خفية مع قوى معادية للثورة.

ويصعب الفصل بين الاستقطابات الإقليمية في منطقة البحر الأحمر وبين حدة الخلافات السياسية والقبلية في إقليم شرق السودان، في ظل وجود علاقات مباشرة بين قوى عناصر محسوبة على التيار الإسلامي هناك وبين تركيا التي خسرت نفوذها في جزيرة سواكن بمدينة بورتسودان بعد سقوط نظام البشير.

وكشف حيدر عن وجود رغبة إقليمية من جانب دول الجوار المتاخمة لشرق السودان، وعلى رأسها مصر وإريتريا، في أن تكون المنطقة بمعزل عن التدخلات السلبية بما لا يخلق أوضاعا متوترة تنعكس سلبا على أمن البحر الأحمر، وهو ما يفسر زيادة وتيرة المشاورات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإريتريا) لضمان عدم خروج الأوضاع عن السيطرة.

2